حديث: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا)

السؤال
لدي هذان الحديثان: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا»؟
الجواب

هذا الحديث مشهور، وذكره المفسرون في تفاسيرهم عند قوله -جل وعلا: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45]، لكنه ضعيف، قال الحافظ الذهبي في (ميزان الاعتدال): (قال ابن الجنيد: كذب وزور)، وقال الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء): (حديث إسناده ليِّن)، وحكم عليه الألباني بأنه باطل ولا يصح لا من جهة إسناده ولا من جهة متنه، أما كون إسناده ليِّن وفيه ضعف هذا لا إشكال فيه، وأما بالنسبة لمتنه: «من لم تنه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا» [المعجم الكبير للطبراني: 11025] فهو موافق لمفهوم قوله جل وعلا: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}، ولعل الشيخ الألباني -رحمه الله- نظر إلى واقع الناس وأن كثيرًا ممن ينتسبون إلى الإسلام يصلون -ولله الحمد-، لكن مع ذلك تجد عندهم مخالفات، فتجد أحدهم يرتكب الذنوب والمعاصي، وقد يزاول بعض الكبائر، ومع ذلك هو يصلي، فيكون فعله مع صلاته مخالف للواقع، فلذلك حكم الشيخ على أن متنه لا يصح إضافة إلى عدم صحة إسناده، لكن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة التي تؤدَّى على مراد الله -جل وعلا-، وتؤدَّى مطابِقة لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ امتثالًا لقوله: «صلوا كما رأيتموني أُصلي» [البخاري: 631]، فهذا الذي صلاته تترتب عليها آثارها من الأجر التام الوافر، وتنهى صاحبَها عن الفحشاء والمنكر، أما الصلاة التي تؤدَّى على وجهٍ فيه شيء من الخلل مع الحكم بصحتها بالإتيان بشروطها، وأركانها، وواجباتها، هذه صلاة صحيحة، مسقطة للطلب لا يؤمر بإعادتها، لكنها إذا أُديت على نقص أو غفلة أو ما أشبه ذلك، فإنها لاتترتب عليها جميع آثارها من النهي عن الفحشاء والمنكر، ولا من الأجر الكامل؛ لأن بعض الناس ينصرف من صلاته وليس له إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا عشرها، بحسب ما يعقل من صلاته، فإنه ليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل، فإذا أُدِّيَت هذه العبادة على هذا الوجه الناقص، فإنها حينئذٍ لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر.

والحديث على كل حال ضعيف، أما ما قلناه في توجيه معنى الآية مع كلام الشيخ المرتبط بالحديث، فإن المراد بالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة التي تؤدَّى على الوجه الشرعي المأثور عنه -عليه الصلاة والسلام-؛ امتثالًا لقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، أما إذا وجد الخلل والنقص الذي لا يقتضي بطلان الصلاة، لكنه ينقص من أجرها، و«الصلوات الخمس كفارة لما بينهن إذا اجتنَبَ الكبائر» [مسلم: 233]، هذا المراد به: الصلاة التي يعقلها صاحبُها، أما الصلاة التي ليس له من أجرها إلا عُشرها، فكما قال شيخ الإسلام: هذه الصلاة إن كفَّرت نفسها فبها ونِعْمت، لكن ينبغي أن يُلاحظ أن تؤدَّى العبادات على الوجه الشرعي؛ لتترتب عليها آثارها، فالمسلمون يصومون، ومع ذلك يحصل لهم شيء من المخالفات من ارتكاب محظورات أو ترك واجبات، وهي مخلَّة بالتقوى التي ذكرها الله -جل وعلا- في قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، فهل كل من صام تحصل له هذه التقوى؟ لا، مَن صام على الوجه الشرعي حصلتْ له التقوى، وإلا فيوجد في أوساط المسلمين من يصوم بالنهار ويزاول المنكرات في ليله، فسواء كان صائماً أو مفطراً، ولاخُلْف في هذا الكلام؛ لأنه كلام الله -جل وعلا-، لكن الإشكال والخلل في فِعْل المكلَّف، إذا جاء به على الوجه المشروع تحققتْ له الغاية التي من أجلها شُرع الصيام وهو تحقيق التقوى، وقل مثل هذا في الحج {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203]، متى ترتفع الذنوب عن الحاج تَقدَّم أو تَأخَّر؟ إذا حقق التقوى، بأن فعل الواجبات وترك المحظورات، وبهذا تلتقي الآية مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» [البخاري: 1521].