رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة

السؤال
لقد انتشر بين الناس طائفة من الأحاديث الموضوعة والضعيفة جدًّا، فهل من نصيحة -أثابكم الله- لمن ينقل على لسانه كلَّ ما وقع له من الأحاديث، من غير تمييز الصحيح من الضعيف، ويقول: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)؟
الجواب

ثبت في الحديث في (مقدِّمة صحيح مسلم) وغيره من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «مَن حدَّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبِين» [مسلم: 1/ 8]، وفي بعض الألفاظ: «يَرى أنه كذب»، «فهو أحد الكاذِبَيْن»، والتحديث بكلِّ ما سمع المرء يوقِع في قوله: «كفى بالمرء إثمًا أن يُحدِّث بكلِّ ما سمع» [مسلم: 1/ 10]، فلا بد أن يميِّز بين الأحاديث، وألَّا يجزم بنسبة شيء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى يتحقَّق من ثبوته عنه، وإذا أَلقى بالأحاديث الضعيفة والموضوعة على الناس من غير بيان لحكمها؛ فإنه آثم مُشارك لمن اخترع الحديث، «فهو أحد الكاذبِين»، فعليه أن يعتني بذلك، وألَّا يُلقي إلى الناس أحاديث منسوبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى يتحقَّق من ثبوتها عنه، وأما التساهل في هذا، وقد يكون الحديث الذي ينقله فيه حثٌّ على عبادة -مثلًا-، وهو لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فيكون مشاركًا لمَن يعمل بشرع ليس له أصل، فيكون مُبتدِعًا.

وأهل العلم يقولون: إن الحديث الضعيف لا يُروى بصيغة الجزم، وإنما يُروى بصيغة التمريض والتضعيف، ولا تجوز رواية الحديث الموضوع إلا ببيان وضْعه، وأن يُنصَّ على أنه موضوع، ولا بد من بيان معنى الموضوع؛ لأن الناس قد يخفى عليهم معنى كلمة (موضوع)، فيُبَيَّن لهم أنه مكذوب مفترى على النبي -عليه الصلاة والسلام-. ومن الطرائف أن الحافظ العراقي سُئل عن حديث فقال: (مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا أصل له)، فقام شخص من الأعاجم فقال له: (يا شيخ كيف تقول: هذا الحديث مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو موجود في كتب السُّنَّة بالإسناد، وله طرق؟)، فقال: (جزاك الله خيرًا، أحضره لنا من كتب السُّنَّة بأسانيده)، فأحضره من كتاب (الموضوعات) لابن الجوزي! فتعجَّبوا من كونه لا يعرف موضوع (الموضوع)، فالذي يتصدَّى لإلقاء الكلام على العامَّة من الخطباء والمعلمين وغيرهم؛ لا شك أن عليهم تبعة، فلا بد من التحقيق والتمحيص، فلا يُلقوا إلى العامَّة أحاديث يُبنى عليها أعمال وأحكام، وهي لا أصل لها، فيكونوا شركاء في نشر التعبُّد بغير دليل، أو ترْك عبادة لها أصل في الشرع بمجرد حديث ضعيف يُعارِض الأصل الصحيح، فمثل هذا لا بد من الاهتمام والعناية به، مع البيان الكافي للعامَّة بما تبرأ به الذِّمَّة.

أما باب الترغيب والترهيب فهو عند الجمهور أخفُّ من الأحكام، فيجوِّزون رواية الأحاديث الضعيفة في هذا الباب بالشروط المعروفة عندهم:

- ألَّا يكون ضعفه شديدًا.

- وأن يندرج تحت أصل عام.

- وألَّا يُعتقد عند العمل به ثبوته، وإنما يُعتقد الاحتياط.

 ولاشك أن الترغيب في عمل من الأعمال إنما يكون تبعًا لحُكمه، فإذا كنت تُرَغِّب في عمل؛ فأقل أحواله أن يكون سُنَّةً، والسُّنَّة حكم من الأحكام، فإذن رجع الأمر إلى شيء واحد وهو الأحكام، وإذا كان للحديث الضعيف أصل يشهد له ويُقرِّر المسألة بأصل صحيح؛ انتقلنا إلى الأصل الصحيح، ولم نحتج إلى الضعيف، وأما الاحتياط الذي أشاروا إليه في الشرط الثالث: "ألَّا يُعتقد عند العمل به ثبوته، وإنما يُعتقد الاحتياط"؛ فقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: (إن الاحتياط إذا أدَّى إلى فعل محظور، أو ترك مأمور؛ فالاحتياط في ترْك هذا الاحتياط)؛ ولذا يرى جمع من أهل التحقيق أن الضعيف لا يُحتجُّ به مُطلقًا، لا في الفضائل، ولا في الأحكام، ولا في التفسير، ولا في المغازي، ولا في غيرها.