العمل عند تعارض أحكام المتقدمين والمتأخرين على الأحاديث

السؤال
إذا تعارضت أقوال الأئمة في التصحيح والتضعيف والإعلال فهل الأخذ بكلام الأقدم منهم هو الأسلم؛ لكونه أقرب إلى عصر النبوة، وربما عاصر بعض رجال الأسانيد؟
الجواب

إذا تعارضت أقوال الأئمة في التضعيف والتصحيح فهؤلاء الأئمة الذين تعارضت أقوالهم إما أن يكونوا من المتقدمين أو يكونوا من المتأخرين، أو يكون بعضهم من المتقدمين ويعارضه بعض المتأخرين، وكأن السؤال ينطبق على الصورة الأخيرة؛ لأنه إذا كان المختلفون كلهم من المتقدمين ما يأتي مثل هذا الكلام: (الأخذ بكلام الأقدم)؛ لأنهم كلهم متقدمون، ولا ينطبق على الصورة الثانية: إذا كانوا كلهم من المتأخرين، فينطبق السؤال على ما إذا خالف المتأخرُ المتقدمَ، مثل: أن ننظر في حكمٍ لابن حجر على حديث ووجدنا أنه قد خالفه حكم الترمذي –مثلًا-، أو حكم البخاري، أو حكم علي بن المديني، أو غيرهم من الأئمة المتقدمين، لا شك أن الأصل في هذه المسألة هم المتقدمون، والمعوَّل عليهم. ولا بد من النظر في أقوال المتقدمين وأقوال المتأخرين، فالمتقدمون قد لا يتبين في كلامهم علة التصحيح والتضعيف، بل يُكتفى بالحكم، وأحكامهم مبنية في الغالب على القرائن، والترجيح عندهم على هذا الأساس، وقد يكون عند المتأخر شيء خفي على هذا المتقدم، مع أن المتقدمين هم أولوا الحفظ والضبط والإتقان وحفظ الألوف المؤلفة من الأحاديث، لكن المتأخِّر قد يطَّلع على طريق لم يطَّلع عليه بعض المتقدمين ممن حكم على الحديث، لكن إذا اجتمع المتقدمون أو جُلُّهم على تصحيح حديث فإن تضعيف المتأخر لا بد أن يُنظر فيه، أما إذا صحح الحديث واحد وخالفه آخرون فيُنظر في الموافِق والمخالف، ويبقى أن الأصل أهل العلم المتقدمون، فهم الأصل في الباب، والمتأخرون عالة عليهم، وقواعدهم مستنبطة مما كتبه المتقدمون من أحكام، مع النظر في مواقع الاستعمال، فهناك قواعد من قِبل المتأخرين وهناك مواقع استعمال منهم، فتنظر مثلًا في قواعد الحديث فيما كتبه ابن الصلاح أو العراقي أو النووي أو ابن حجر أو غيرهم لكن تجد في مواقع استعمالهم إما في توثيق الرواة أو تضعيفهم ما يختلف مع هذه القواعد، وقد تجد في أحكامهم على الأحاديث ما يختلف شيئًا ما مع ما قرروه من قواعد، فينبغي النظر والجمع بين القواعد النظرية مع التطبيق العملي، ولا يتعجل طالب العلم بالحكم، وعليه أن يتريَّث، وهناك أشياء تخفى على كثير من المتأخرين وهي حاضرة عند المتقدمين، لا سيما مع قربهم من الرواة، فهم يعرفونهم معرفة دقيقة من خلال المعاصَرة أو من خلال النقل من قُرْب، وأما المتأخرون مع بُعْد العهد قد يخفى عليهم ما لا يخفى على المتقدمين، والله أعلم.