العمل بالحديث الضعيف في باب فضائل الأعمال

السؤال
ما حكم العمل بالحديث الضعيف في باب فضائل الأعمال، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب

هذه المسألة محل اختلاف بين أهل العلم، وجماهير أهل العلم وعامتهم على أن الخبر الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال بالشروط المعروفة:

- أن يكون الضعف غير شديد.

- وأن يكون للخبر أصل يندرج فيه.

- وألَّا يُعتقد عند العمل به ثبوته، بل يُعتقد الاحتياط.

هذه الشروط وضعها الجمهور لقبول الضعيف في الفضائل، والنووي -رحمه الله- نقل الإجماع على العمل بالضعيف في الفضائل، وكذلك تبعه في هذا الملا علي قاري -رحمه الله-، لكن الإجماع هذا مخروم ومخروق، فإن جمعًا من أهل العلم لا يرون العمل بالضعيف مطلقًا، بل منهم مَن زاد على ذلك فلا يرى العمل بالحسن مطلقًا، فضلًا عن الضعيف.

وهذه الشروط التي وضعها أهل العلم لقبول الضعيف في الفضائل أولًا: تطبيقها فيه عسر، ويُخفِّف من قضية الاحتياط للسنة، وما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو حَسُن مما هو في دائرة القبول فيه كفاية وغنية. ومع ذلكم لو نظرنا إلى أصل المسألة: ما الذي يُعنى بفضائل الأعمال؟ هم يقولون: إذا أردنا الأحكام تشدَّدنا، وإذا أردنا الفضائل تساهلنا وتسمَّحنا، فما الذي يُراد بفضائل الأعمال؟ إذا نظرنا إلى الأمثلة في فضائل الأعمال فهم يُمثِّلون بالصلوات التي جاءت بأسانيد ضعيفة كصلاة التسبيح، وصلاة الرغائب، وكذلك إحياء ليلة العيد فسنده ضعيف لكنه في الفضائل، وما معنى فضيلة؟ أليس معنى ذلك أن يُرتَّب على فعلها أجر، ولا يُرتَّب على تركها شيء؟ وهذا هو حدُّ السُّنَّة، والسُّنَّة أليست بحكم من الأحكام التكليفية؟ بلى حكم، إذن نحتج بالضعيف في حكم من الأحكام! فأصل المسألة فيه ما فيه، وهذا التساهل الذي يتساهل فيه أهل العلم ويطلقه الإمام أحمد وغيره لا يريدون به التساهل غير المرضي الذي اندرج عليه المتأخرون، إنما لا يطلبون لمثل هذه الأمور أعلى الصحيح، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: إن الضعيف عند الإمام أحمد هو الحسن عند الترمذي ومَن جاء بعده؛ لأن الحسن لا يُعرف في عهد الإمام أحمد، أي: الذي هو متوسط الرتبة، إنما هو الضعيف؛ لأنه ضعُف وقصُر عن الصحة، فهو ضعيف وإن لم يبلغ مرتبة الضعيف المردود.

ويُجاب عن كلام شيخ الإسلام أولًا: بأن الحسن معروف في طبقة الإمام أحمد -رحمه الله- ومَن قبله، والأمر الثاني: أنه يترتَّب عليه أن الإمام أحمد لا يحتج بالحسن في الأحكام، فإذا قلنا: إن الإمام أحمد يحتج بالصحيح في الأحكام، ويحتج بالضعيف في الفضائل، وقلنا: إن المراد بالضعيف عند الإمام أحمد هو الحسن، ترتَّب عليه أن الإمام أحمد لا يحتج بالحسن في الأحكام، وهذا غير معروف في مذهبه، إذن الضعيف الذي يُراد في كلام الإمام أحمد لا يصل في الضعف إلى ما وصل إليه عند المتأخرين، بحيث تدرَّجوا إلى أن عملوا بأحاديث واهية وأحاديث موضوعة، كل هذا تشبثًا بقول أهل العلم: إنهم يتساهلون، لكن التساهل نسبي، فقد لا يطلبون لأحاديث الترغيب والتفسير والمغازي والسير وغيرها من الأحاديث التي لا يترتب عليها حكم شرعي مثل ما يُطلب للأحكام من الدرجة العليا، فيتنازلون فيها شيئًا مما لا يصل إلى حدِّ الضعف، لكن ترتَّب على هذا القول أن تسامح الناس، وتتابعوا على التسامح، إلى أن وصل الحد إلى أن تُعبِّد لله -جل وعلا- ببدعٍ لا أثارة عليها من علم، ولا أصل لها، ولا دليل عليها، كل هذا بسبب التساهل في مثل هذا الباب، فتجد الإنسان يتشبَّث بخبر ويقول: (هذا أمره سهل؛ لأنه في الفضائل، والصلاة أصلها مشروع، فلا داعي أن نُشدِّد في مثل هذا)، إلى أن وصل الأمر إلى أن عُمل بأحاديث موضوعة؛ لأنها في الفضائل -كما قالوا-، وكتب غير أهل الحديث مشحونة بمثل هذا، فكتب الوعظ موجود فيها أحاديث موضوعة، ومع الأسف أن ابن الجوزي الذي شدَّد في إدخال بعض الأحاديث الصحيحة في (الموضوعات)، أورد أحاديث موضوعة في كتبه الوعظية، فهل يُقبل مثل هذا؟ لا يمكن أن يُقبل بحال، والأمثلة على هذا كثيرة في (التبصرة) وفي (المرعش) وفي (المنعش) وفي (اليواقيت) وغيرها من كتبه، ففيها أحاديث موضوعة، فيتشدَّد في إدخال أحاديث صحيحة في (الموضوعات)، ويفتح الباب والمجال لمثل هذا بناءً على ما قعَّدوه وأصَّلوه من أن الفضائل يُتسامح فيها، فوصل التسامح إلى حد أن أُلقيت الموضوعات -لأنها في الفضائل- على عامة الناس، وتشبَّثوا بها وعملوا بها، وفي مقابل ذلك هدموا من السنة أكثر من ذلك، فالتساهل في الفضائل هو الذي جرَّ إلى هذه الأمور.