تعريف البدعة وضابطها

السؤال
كيف أعرف البدعة؟ وهل هناك ضابط يضبطها؟
الجواب

البدعة عُرَّفت في اللغة بأنها: ما عُمل على غير مثال سابق، وفي الشرع: ما تُعبِّد به مما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، هذه هي البدعة، وقد استشكل جمعٌ من أهل العلم قول عمر –رضي الله عنه-: "نعم البدعة هذه" [البخاري: 2010]، في صلاة التراويح مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: «كل بدعة ضلالة» [مسلم: 867]، فالبدع كلها ضلالة ومذمومة وليس فيها ما يُمدح، وليس فيها ما يُثاب عليه المسلم، وإنما هي كلها مذمومة، وهي متفاوتة، فمنها البدع المغلظة التي تصل بالمبتدع إلى أن يخرج بسببها من دين الإسلام، ومنها ما هو دون ذلك، ومنها البدع الخفيفة، فإذا كانت البدع كلها مذمومة أخذًا من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «كل بدعة ضلالة» فلا وجه لتقسيم من قسَّم البدع إلى بدع مستحبة، وبدع واجبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، وأجرى فيها الأحكام الخمسة، ولا لقول من يقول: إن هناك بدعًا مذمومة وبدعًا مستحسنة مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: «كل بدعة ضلالة»، وذكرنا أن العلماء استشكلوا قول عمر –رضي الله عنه- في صلاة التراويح: "نعم البدعة هذه"، وهو في (البخاري)، وبعضهم حمل البدعة في كلام عمر –رضي الله عنه- على البدعة اللغوية، وهذا موجود في كلام شيخ الإسلام وغيره، لكن إذا عرفنا أن البدعة في اللغة: ما عُمل على غير مثالٍ سابق، وصلاة التراويح -أعني صلاة التطوع في ليالي رمضان جماعة- عُملت على مثال سبق من عهده -عليه الصلاة والسلام-، فقد صلى بصحابته ليلتين أو ثلاثًا بعد صلاة العشاء جماعةً تطوعًا فعُملت على مثالٍ سبق، فليست ببدعة لغوية، وليست ببدعة شرعية؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلها، فلها أصل في السنة، فليست ببدعة لغوية كما يقول شيخ الإسلام، وليست ببدعة شرعية من باب أولى، وإن قال من قال من الشراح المتأخرين: (والبدعة بدعة وإن كانت من عمر)! هذا الكلام لا شك أن فيه سوء أدب مع الخليفة الراشد الذي أُمرنا بالاقتداء به والاهتداء بهديه «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء، المهديين الراشدين» [أبو داود: 4607]، وقد يقول قائل: إذا لم تكن بدعة لا لغوية ولا شرعية مع قول عمر –رضي الله عنه-: "نعمت البدعة هذه"، فهي ممدوحة، وذكرنا أنه ليس في البدع ما يُمدح، فقوله: "نِعْمَ" مدح بلا شك، والبدعة أثبتَ لها اللفظ، فإذا انتفى عنها الحقيقة اللغوية بدليل ما ذكرنا والحقيقة الشرعية من باب أولى فكيف نفهم قول عمر –رضي الله عنه-؟ قال الشاطبي: إنه إطلاق مجازي، يعني لا يُراد به ما وُضع اللفظ من أجله بل هو من باب المجاز، وعلى القول المُحقق في نفي المجاز في لغة العرب وفي النصوص من باب أولى لا يتجه مثل هذا القول، فالمُتَّجه في مثل هذا أن يقال: إن هذا الإطلاق من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، كأن قائلًا قال: ابتدعت يا عمر، فقال: "نعمت البدعة"، يعني توقع عمر –رضي الله عنه- أن يقول له قائل: ابتدعت يا عمر، فقال: "نعمت البدعة هذه"، وهذا من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير كما في قوله -جلَّ وعلا-: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، الجناية –السيئة- لا شك أن إطلاقها في حقيقتها، ومعاقبةُ الجاني حسنة وليست سيئة، لكن إطلاق السيئة على هذه الحسنة من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير.

قالوا: اقترح شيئًا نُجِدْ لك طبخَهُ

قلتُ: اطبخوا لي جُبَّةً وقميصا

معلوم أن الجبة والقميص لا تُطبخ إنما تُخاط، لكن هذا من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، وهذا يُخرجنا من الإشكال الذي وقع فيه من وقع في الإجابة على إطلاق عمر –رضي الله عنه- على صلاة التراويح أنها بدعة.

فخلاصة الكلام في ضابط البدعة أنه: ما يُتعبد به، فيخرج بذلك الأمور الدنيوية مما لا يُتعبد به من المخترعات الحديثة والمستجدات فهذه لا يقال لها: بدع، لكن ما يُتعبد به ويُتقرب به إلى الله -جل وعلا- ولم يسبق له دليل ولا شرعية من الكتاب والسنة فهو داخل في حَيِّز البدعة، ومرتكبُه مبتدع. ويدخل فيه تحديد العبادة بعدد أو بوقت أو بوصف لم يرد في الشرع، حتى لو كانت العبادة لها أصل شرعي، كصلاةٍ مثلًا، لكن هذه الصلاة يطرُؤ على صفتها أو وقتها أو عددها ما يطرُؤ مما لا دليل عليه فيخرجها من حيِّز السنة إلى حيِّز البدعة، فمثلًا: صلاة التسابيح أو صلاة الرغائب، فأصل الصلاة مشروع، لكن على هذه الصفة وعلى هذه الكيفية لم يثبت فيها نص صحيح من كتاب الله ولا سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فهي من قبيل الابتداع.