قراءة سورة مع الفاتحة في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر والعشاء

السؤال
سائلة تقول: إنها تصلي الركعتين الأُوليين من الظهر والعصر والعشاء بسورة الفاتحة وسورةٍ ثانية، والركعتين الأُخريين بالفاتحة فقط، لكن قال لها بعض الناس: لا بُد في أربع الركعات كلها أن تقرأ سورة الفاتحة ومعها سورة ثانية، فتقول: أنا حيرانة أيش أفعل، فما رأيكم يا شيخ؟ أفيدوني.
الجواب

جاء في (صحيح مسلم) عن أبي سعيدٍ الخدري –رضي الله عنه- قال: "كنا نحزر قيام رسول الله –صلى الله عليه وسلم– في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة {الم. تَنزِيلُ} السجدة، وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك" [452].

 فحديث أبي سعيد وهو في (صحيح مسلم) يدل على أن القراءة في الركعات الأربع بالفاتحة ومعها سورةٌ أخرى، أو بعض سورة، ويكون ذلك في صلاة الظهر أطول منه في صلاة العصر؛ لأن {الم} السجدة ثلاثون آية، فتكون القراءة في الركعتين الأوليين في صلاة الظهر بثلاثين آية، وفي الأخريين -على حزرهم وتقديرهم- بخمس عشرة آية، وفي العصر في الأوليين بخمس عشرة آية مع الفاتحة، وفي الأخريين على النصف من ذلك، وهذا حزرٌ ليس فيه تصريح بأنه قرأ كذا وكذا، لكنه حزر وتقدير.

وفي (البخاري) عن أبي قتادة –رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم– كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب، ويُسمعنا الآية -يعني أحيانًا- ويُطوِّل في الركعة الأولى ما لا يُطوِّل في الركعة الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح" [776].

فحديث أبي سعيد ليس فيه تحديد للمقروء، بل هو مجرد تقدير، وحديث (البخاري) فيه تحديد بقراءة الفاتحة وسورة في الأوليين، والفاتحة فقط في الأخريين، مع أنه قد يُسمعهم الآية أحيانًا، فليس على سبيل الاطِّراد، وإنما هو أحيانًا.

ولذا قال ابن القيم في (زاد المعاد): (ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها -يعني في الركعة الثالثة والرابعة-، ولم يثبت عنه أنه قرأ في الركعتين الأخريين بعد الفاتحة شيئًا)، وأجاب عن حديث أبي سعيد قال: (وأما حديث أبي سعيد فإنما هو حزرٌ منهم وتخمين ليس إخبارًا عن تفصيل نفس فعله –صلى الله عليه وسلم–، وأما حديث أبي قتادة -يعني الذي في (البخاري)- فيُمكن أن يُراد به أنه كان يقتصر على الفاتحة، وأن يُراد به أنه لم يكن يُخلُّ بها في الركعتين الأخريين، بل كان يقرأها فيهما كما كان يقرأها في الأوليين، فكان يقرأ الفاتحة في كل ركعة -يعني من الأربع-، وإن كان حديث أبي قتادة في الاقتصار أظهر، فإنه في معرض التقسيم)، يعني قسَّم الصلاة إلى ركعتين أوليين وركعتين أُخريين، ونصَّ في الركعتين الأوليين أنه يقرأ بالفاتحة وسورة، وفي الركعتين الأخريين أنه يقرأ بالفاتحة فقط، فهذا لا شك أنه أنص وأصرح، لكن من ترك القراءة في الركعتين الأخريين بغير الفاتحة كان ذلك أفضل؛ لأنه أصرح في حديث أبي قتادة، ومن قرأ فلا حرج؛ لأن حديث أبي سعيد مُحتمِل، والله أعلم.