الاحتلام في نهار رمضان، والإفتاء في حكمه بغير علم

السؤال
فتاةٌ تقول: إنها احتلمتْ في نهار رمضان وسألتْ عن الحكم فأخبروها بأن عليها الغُسل والقضاء، فاغتسلتْ، وأكملتْ صيامها ذلك اليوم، ولم تنوِ الفطر، حتى أفطرتْ مع أهلها في المغرب، ولكن كان في نيتها أنها ستقضي هذا اليوم، والسؤال: أولًا: هل الاحتلام يُفسد الصوم؟ وثانيًّا: هل عليها قضاء ذلك اليوم مع كونها أكملتْ صيامها ولم تنوِ الفطر وإنما نوتْ أنها ستقضيه؟
الجواب

أولًا: على المسلم أن يتقي الله -جلَّ وعلا-، ولا يقول على الله بغير علم، وهذا الذي أفتاها بأن عليها الغُسل والقضاء، أما الغسل فنعم، يجب عليها الغُسل كما في الحديث: هل على المرأة من غسلٍ إذا هي احتلمتْ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم إذا رأت الماء» [البخاري: 282]، فإذا رأت الماء من جرَّاء احتلامها فعليها الغُسل، أما إذا لم ترَ الماء فلا غُسل عليها، ولو رأت أنها تُجامَع ما لم ترَ الماء.

وأما بالنسبة للقضاء فلا قضاء عليها، وأصابتْ حينما لم تنوِ الفطر وأتمَّتْ صومها وأفطرتْ مع أهلها، فالذي أفتاها بأن عليها القضاء جاهل، ولا يجوز له بحالٍ من الأحوال أن يُفتي بمثل هذه الفتوى؛ لأنها لا تستند إلى علم، وقد قال على الله بغير علم، فهو على خطرٍ عظيم {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60]، وممن يكذب على الله مَن يُفتي بغير علم {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116].

ومن عظائم الأمور كما خُتِمت الآية المتضمِّنة للكبائر {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]، فعلى الإنسان أن يحتاط ويتحرَّى في فتواه ولا يُفتي إلا بعلم. وقد أصاب بوجوب الغُسل عليها، لكن شريطة أن ترى الماء كما جاء في الحديث الصحيح، أما إذا لم تُنزِل فلا غُسل عليها، وأما القضاء فالمُحتلم على كل حال لا قضاء عليه.

وبالمقابل بعض الناس يستنزل الماء بالعادة السرية ولا يغتسل ولا يقضي، وهذا يُوجد في أوائل التكليف من كثير من البنين والبنات، ويكثر السؤال عنه كثيرًا، فإذا حصل الإنزال فالقضاء واجب؛ لأنه ما ترك شهوته إذا أنزله بنفسه، وكذلك يجب عليه الغُسل؛ لأن موجب الغسل موجود وهو خروج المني من مخرجه دفقًا بلذة، وقد حصل.

المقصود أن مثل هذه الأمور لا بُد من أن يُنبَّه لها الشباب والشابات في بداية التكليف؛ لأن هذا يحصل ويكثر السؤال عنه، فمنه ما يؤمر فيه بالقضاء مع عدم وجوبه -كما في السؤال-، ومنه ما لا يُقضى، ولا يحصل الغُسل منه؛ لجهل مرتكبه، كالتنزيل الذي هو الاستمناء، فهذا وهذا يجب التنبيه عليه من قِبل الوالدين إن كان عندهم علم، وإلا من قِبل المعلمين والمعلمات، ولا يلزم أن يُصرِّح الإنسان بألفاظٍ قد يستحي منها بعض الناس، إنما يأتي بعباراتٍ مُفهِمة يفهمها السامع ولا يُسِف في القول.

فيجب التنبيه عليها لا سيما وهي تتعلق بركن من أعظم أركان الإسلام وهو الصلاة، وأيضًا الصيام وهو ركن من أركان الإسلام، والله أعلم.