ضيق أحوال المسلمين مع كثرة مَن يدعون الله بصلاح الأحوال

السؤال
فضيلة الشيخ الناس يدعون ربَّهم ليل نهار، الكبير منهم والصغير، بأن يُصلح أحوال المسلمين، ومع ذلك هي في سوءٍ وضيق، ما تفسيركم لهذا؟ وهل يمكن أن تخلو كل هذه الأمة من شخصٍ واحدٍ مُجاب الدعوة؟
الجواب

لا شك أن الدعاء سبب من الأسباب، والله –جلَّ وعلا- يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فأمر بالدعاء ووعد بالإجابة، لكن الدعاء له آداب وشروط، وله موانع تمنع من الإجابة، وقد تتوافر الأسباب وتنتفي الموانع ولا تحصل الإجابة؛ لأن الإجابة لا يلزم أن تكون بنفس المدعو به، فالإنسان يدعو ونفترض أنه ممن تُرجى إجابة دعوته، فإنه موعودٌ بأن يُستجاب له، أو يُدفع عنه من الشر ما هو أكثر مما طَلب، أو يُدَّخر له في القيامة في يومٍ يحتاج إلى الحسنة أو إلى ما يرفع درجاته في الجنة أكثر مما لو أُجيبت دعوته، هذا بالنسبة للفرد الخاص.

أما الأمة فأمرها وشأنها أعظم، ولا شك أنه يُوجد في الأمة -والأمة فيها خير إلى قيام الساعة- مَن هو ممن تُرجى إجابته من أهل التحرِّي في المطعم والمشرب، وغير ذلك مما يُطلب لإجابة الدعوة، لكن إذا كثُر الخبث، والله –جلَّ وعلا- يغار، فإذا كثرتْ المعاصي والجرائم والمنكرات قد تحل العقوبة كما هو حاصل في كثيرٍ من أقطار المسلمين مع أن فيها من الأخيار ما فيها، لكن قد تنزل العقوبة العامة في مُجتمع استحق هذه العقوبة، والبقية الباقية من الصالحين يُبعثون على نياتهم.

فمثل هذه الأمور لا يُجزم بأن عدم الإجابة يدل على خلوِّ الأرض من مُجاب الدعوة، ولا على أن هذه الأمة التي كثرتْ فيها الذنوب والمعاصي خلتْ من مجاب الدعوة، حتى لو نظرنا إلى الأمم السابقة التي أُهلِكتْ، أليس فيها مَن يُستجاب له؟ والجيش يخرجون فيُخسف بهم كما جاء في بعض الأحاديث قالوا: فيهم الباعة، وفيهم مَن لا علاقة له بما خُرِج من أجله، قال: «يُبعثون على نيَّاتهم» [البخاري: 2118] فيعمهم، والعقوبات إذا نزلت عمَّت.

وقد يكون هذا الذي حصل مما يُكفِّر الله به الذنوب، يعني: عقوبةً للمذنبين، وتكفيرًا لغيرهم أو رفعًا لدرجاتهم، فلا يُجزم بشيءٍ من ذلك، والله المستعان.