ترك العمل بالحديث من قبل العلماء مع حكمهم عليه بالصحة

السؤال
هل يمكن أن يكون الحديث صحيحًا وفي الوقت نفسه تَرَك العمل به العلماء؟
الجواب

الترمذي قال في (علل الجامع): (جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به، وبه أخذ بعض أهل العلم ماخلا حديثين:

- حديث ابن عباس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء، من غير خوف ولاسفر، ولا مطر".

- وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه»).

وحديث ابن عباس –رضي الله عنهما- صحيح، لا إشكال فيه في أنه جمع، وكذلك حديث معاوية -رضي الله عنه- مُصحَّح عند أهل العلم، ومع ذلك نُقِل الإجماع على عدم العمل بهما فيما حكاه الترمذي، وأضاف ابن رجب في شرحه لـ(علل جامع الترمذي) أحاديث من هذا النوع.

ولا يمكن أن يترك العلماء حديثًا مُحكمًا لا يحتمل النسخ ولا التأويل فيكون ذلك معاندة، بل لا بد من ضربٍ من التأويل، أو دعوى نسخٍ، وقد قيل في حديث معاوية –رضي الله عنه-: إنه منسوخ، وقيل في حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- كما جاء في بعض رواياته: «أراد أن لا يُحْرِجَ أمته» [مسلم: 705]، فالجمع لوجود أمر فيه حرج ومشقة.

فهذه الأحاديث من هذا النوع يُترك العمل بها من قِبِل أهل العلم لمعارِضٍ راجح، لا بمعاندة، صحيح صريح ويُترَك العمل به! قد يوجد له معارِض يخفى على المطَّلع الذي يجد الحديث في الصحيح مثلًا، والحكم والفتوى على خلافه، لماذا؟ لوجود معارِض: إما مخصِّص، أو مُقيِّد، أو ناسخ أو معارِض راجح، أو ما أشبه ذلك. على كل حال لا يترك العلماء العمل بحديث صحيح إلا لعُذر، وإلا فقد ذُكِر في أحاديث قد تبلغ العشرين أنها من هذا النوع -ترك العلماء العمل بها-، وإلا فالعمل بالسُّنَّة فرض واجب، وليس لأحد مندوحة أن يترك السُّنَّة من غير مُبرِّر. وكل هذه الأحاديث العشرين أو ما عُدَّ منها كلها له معارِضٌ، أو أن دعوى الإجماع على عدم العمل بها غير صحيحة، فحينئذٍ يأتي ما ذكره شيخ الإسلام في دفاعه عن الأئمة في (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)، يقول: إن العالم قد يترك العمل بحديث؛ لأنه لم يبلغه أصلًا، أو بلغه ولم يثبت عنده، أو بلغه مع وجود معارِضٍ راجح، أو ناسخٍ لم يطَّلع عليه مَن عمل به، أو هكذا، أو غير ذلك من الأعذار التي ذكرها شيخ الإسلام.