التناصح بين المسلمين والتواصي بالحق وإنكار المنكرات العامة

السؤال
تساهل بعض الناس بأمور الدين، وضعف تمسكهم به، لذا نجد ونلحظ انتشار بعض المخالفات في الأماكن العامة، فما توجيهكم للمسلمين للتناصح فيما بينهم والتواصي بالحق والصبر عليه؟
الجواب

الله -جل وعلا- يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، هذه خَصِيصَة هذه الأمة ومزيَّتها على سائر الأمم، فلا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، لا بد من الأمر والنهي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [مسلم: 49].

فلا بد أن يتناصح الناس، ويأمر بعضهم بعضًا بالمعروف، ويتناهون عن المنكر؛ لئلا يُلعنوا كما لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، لماذا؟ {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79]، وترْك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبب اللعن، وترْك الناس بدون أمر ولا نهي يجعل الخبث يكثُر في الناس، وكثرة الخبث هي التي رُتِّب عليها الهلاك، وإن وُجِد الصالحون، ولذا قيل له -عليه الصلاة والسلام-: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثُر الخبث» [البخاري: 3346]، فلا بد من الأخذ على يد السفهاء والعصاة والمفسدين؛ لئلا يهلك الناس، -نسأل الله السلامة والعافية-.

وليس لكل أحد أن يغيِّر المنكر بيده، فالتغيير مراتب، «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده»، والرؤية أعم من أن تكون بصريَّة، «رأى» حتى لو بلغه بطريق صحيح لا يشك فيه فهو في حكم الرؤية، وليس المراد بذلك رؤية البصر، وله نظائر {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1]، فالرسول ما رأى -عليه الصلاة والسلام-، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [الفجر: 6] ما رأى، لكن بلغه بأخبار قطعية فنُزِّل منزلة المرئي في القطعية، أي: مثل المرئي، ولذا لما سألته المرأة: إذا احتلمتْ هل عليها من غسل؟ قال: «نعم إذا رأت الماء» [البخاري: 282]، ولو قيَّدنا ذلك برؤية البصر لقلنا: إن الأعمى ليس عليه غسل؛ لأنه لن يرى الماء. فالرؤية أعم من أن تكون بصرية، فالذي يستطيع -وهو ولي الأمر، أو من يُنيبه ولي الأمر في ذلك- يغيِّر بيده، شريطة ألَّا يترتَّب على هذا الإنكار والتغيير منكر أعظم منه، وهذا شرط متفق عليه عند أهل العلم، وإذا لم يستطع ولم يكن ممن خُوِّل بالتغيير باليد فاللسان، وإذا خشي على نفسه من التغيير باللسان لضعفه وقلة الناصر وقوة صاحب المنكر فإنه يكتفي بالتغيير بالقلب، والله أعلم.