رحلة سفر
- البطاقة الشخصية:
الاسم: الإنسان ابن آدم، الجنسية: من تراب، العنوان: الأرض.
- بيانات الرحلة:
محطة المغادرة: الحياة الدنيا، محطة الوصول: القبر، موعد الحضور: وجاءت سكرة الموت، موعد الإقلاع: ما تدري نفس بأي أرض تموت، العفش المسموح به: متران من قماش أبيض، وحنوط، العمل المقدَّم: من حسنة وسيئة. لا يُسمح باصطحاب أي شيء آخر في الرحلة.
ما يُسمح بوصوله للمسافر بعد الإقلاع: صدقة جارية -اغتنم البقاء قبل الرحيل-، دعاء الولد الصالح، علم ينتفع به.
نرجو الانتباه: الرحلة شاقة وموحشة ومخيفة، ما لم يُعمل بالشروط التالية: طاعة الأوامر، كثرة ذكر هاذم اللذات، بر الوالدين، اغتنام المواسم،... إلخ.
هذه طريقة ومسلك يسلكه بعض الإخوة من الشباب يظنونه مؤثِّرًا، ويقيسون ما جاء في النصوص ويُنظِّرونه بالمحسوسات، وبعضهم بالرسوم، فيُفسِّر آيةً برسم، ويُفسِّر حديثًا برسوم، وأقول: مثل هذه الطريقة -وإن رأى بعض الإخوان وبعض المشايخ التسامح فيها- طريقة مُحدَثة، وإلقاء النصوص على المسلمين، وتفهيمهم بها، ووعظهم بها، لا شك أنه أبلغ في التأثير من مثل هذه التصرُّفات، فبعضهم يرسم النار بطريقة مفزعة، أو يرسم القبر وما فيه، أو يرسم الجنة وما اشتملتْ عليه، لكن مهما بلغ الرسَّام في رسم النار ورسم أهوالها، هل يمكن أن يصل إلى أدنى نسبة من حقيقتها؟ لا يمكن، فهذا الكلام لا يسوغ أبدًا، ومثل هذه الأمور ينبغي ألَّا تُسلَك؛ لأنها مُحدَثة، ولو كانت خيرًا لسبقونا إليها.
نعم قد يقول قائل: إن أهل العلم تسامحوا في بعض الأمور، كالمناظرات، بأن يَجعل مناظرةً بين سُنِّي وقدري، أو بين سُنِّي ورافضي، أو بين سُنِّي وجهمي، وحقيقة الحال أنها لا توجد مناظرة، والذي وضع أسئلة المناظرة وأجاب عليها شخصٌ واحد، والمقامات أيضًا (حَدَّث فلان، قال: فلان)، كلها لا حقائق لها، نقول: يا أخي مثل هذه الأمور، حتى المناظرات التي لا حقائق لها، والمقامات التي لا وجود لها، هذه هي في أصلها داخلة في حيِّز الكذب؛ لأنها إخبار عن شيء غير واقع بأنه واقع، وهذا ليس بصحيح، ولا يُطابق الواقع، وكل ما لا يُطابق الواقع فهو كذب، وتسامح بعض أهل العلم في مثل هذا؛ لأن المصلحة من وجهة نظرهم راجحة، لكن أقول: علينا أن نقتدي ونهتدي بهدي مَن سلف، «عليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء المهديِّين الراشدين» [أبو داود: 4607]، فمثل هذه الأمور ينبغي ألَّا تُسلك، وإن فعلها مَن فعلها، وفيما جاءنا عن الله -جل وعلا- وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- غُنية.
وأما ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه «خَطَّ خَطًّا...» [البخاري: 6417]، فمثل هذا يُكتفى فيه بالوارد، لكن أن أُصوِّر النار بما لا يُؤدِّي أدنى أدنى جزء من الغرض المطلوب!
وبعضهم يستدل على جواز التمثيل بقصة الثلاثة: الأعمى والأقرع والأبرص، الذين أُرسل إليهم الملك يختبرهم، نقول: أولًا: هذه مسألة شرعية، فمَن الذي أَرسل الملك ليسألهم ويتصوَّر بصورهم ويتزيَّا بزيِّهم؟ هو الله -جل وعلا-، فاكتسبت الشرعية من هذه الحيثية، فنحتاج في تصرفاتنا إلى ما يُكسبها شرعية، والله المستعان.