زخرفة المساجد بين مَن يرى منعها ومَن يرى جوازها

السؤال
دار بيننا نقاشٌ حول زخرفة المساجد، فرأيٌ يقول: (هذا أمرٌ منهيٌّ عنه، وفيه إشغالٌ للمصلين في صلاتهم)، ورأيٌ آخر يقول: (الآن أصبح طراز البناء بهذه الكيفيَّة، ونحن نَعْمر بيوتنا ونُجمِّلها وذلك بقدر استطاعتنا، وبيوت الله أحق وأولى، كما أن في تزيينها إغاظة لأهل المعابد من غير المسلمين)، فأيُّ الرأيين في زماننا هو الأفضل -بارك الله فيكم-؟
الجواب

لا شك أن النصوص جاءت في النهي عن زخرفة المساجد، ولا شك في أن العلة ظاهرة؛ لأنها تُشغِل وتُلهي المصلين، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- ألهته الخميصة التي أهداها له أبو جَهم وكادت أن تفتنه في صلاته، وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-! فردَّها عليه، وأَخذ الأَنبِجانية [البخاري: 373]؛ لأنَّها أَقل في إلهائه وإشغَاله؛ جبرًا لخاطره لمَّا ردَّ هديته، فما يوجد في المساجد الآن مما يُشغِل المصلين أشد، وبعض الناس إقباله على صلاته فيه ما فيه، ينشغل بأي شاغل فما يُدرك من صلاته إلا القليل، فما تسبَّب في ذلك لا يجوز، إضافةً إلى ما جاء في النهي عنها. فالقول الراجح في المسألة أنها لا تجوز زخرفة المساجد.

ومن الزخرفة كتابة الآيات القرآنية؛ لأن بعض مَن لديه أدنى معرفة بالخط، ويرى هذه الخطوط البديعة البارعة لا شك أنه ينشغل عن صلاته إذا كانت له عناية بالخط، مثل الزخرفة أو أشد. وفي ذلك تعريض للقرآن للامتهان، فمِن هذه الحيثية هي أشدُّ من الزخرفة، وفي ذلك إشغال المصلين عن صلاتهم بالنظر في تلك الكتابات والنقوش.

وترجم الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه (باب بنيان المسجد، وقال أبو سعيد: "كان سقف المسجد من جريد النخل". وأمر عمر ببناء المسجد -يعني: في توسعة مسجد النبي عليه الصلاة والسلام-، وقال: "أَكنَّ الناس عن المطر، وإيَّاك أن تُحمِّر أو تُصفِّر فتفتنَ الناس". وقال أنس: "يتباهون بها، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا"، -"يتباهون بها": يشيِّدونها ويزخرفونها، لكن العبرة بالعمارة المعنوية، "ثم لا يعمرونها إلا قليلًا"-. وقال ابن عباس: "لتُزخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى") [1/96].

 وهذا هو الواقع الآن، ومع الأسف أنه يُشرِف على بعض المساجد في عمارتها مَن يفهم هذه النصوص وبلغته هذه النصوص، بل بعضهم من طلاب العلم، لكنها مما جاء الخبر بأنها تكثر في آخر الزمان، ولا بُد من وقوعها، لكن هذا حكمٌ قدريٌّ وليس بحكمٍ شرعي، الحكم الشرعي أنه لا يجوز زخرفتها على أي حال، والله أعلم.