مدى دخول المتعلِّم لعلوم الدنيا؛ ليقال عنه: (عالم) في أول من تُسعَّر بهم النار

السؤال
أريد أن أسأل عن معنى حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم– الذي جاء فيه ما معناه: "تُسعَّر النار يوم القيامة بثلاثة"، وذكر منهم: "الذي يتعلَّم؛ ليُقال عنه: عالم"، سؤالي: هل هذا فقط في العلم الشرعي، أم في كل العلوم؟
الجواب

ثبت في (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدتُ، قال: كذبتَ، ولكنك قاتلتَ؛ لأن يُقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل تعلَّم العلم، وعلَّمه وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلم، وعلمتُه وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنك تعلمتَ العلم؛ ليقال: عالم، وقرأتَ القرآن؛ ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقتُ فيها لك، قال: كذبتَ، ولكنك فعلتَ؛ ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه، ثم أُلقي في النار» [1905].

فهؤلاء الثلاثة هم أول مَن يُقضى عليهم يوم القيامة وأول من تُسعَّر بهم النار –نسأل الله العافية-، ومنهم الذي تعلَّم، وأمضى عمره، وسهر ليله، وأتعب نهاره في طلب العلم، وفي تحفُّظه، وفي تقفُّره من أقاصي الدنيا وأدناها، وأنفق في ذلك الأموال الطائلة، وأتعب جسده، ثم بعد ذلك تكون هذه النهاية، لماذا؟ لأنه تعلم العلم ليُقال: عالم، فهو من الثلاثة الذين هم أول مَن تُسعَّر بهم النار يوم القيامة -نسأل الله العافية-.

فالعلم الشرعي الموروث عن النبي –عليه الصلاة والسلام- من أمور الآخرة المحضة التي لا يجوز فيها التشريك، وهو عبادةٌ محضة لا يُشرَّك فيها، ولا يُبتغى به دنيا، وأيضًا لا يَتعلم ليُقال: عالم، وإنما يَتعلم يَتقرَّب بذلك إلى الله –جلَّ وعلا-؛ ليُنقذ نفسه من الجهل، ويعبد الله على بصيرة، ويسعى في إنقاذ غيره بقدر إمكانه.

أما من تعلَّم ليُقال: عالم، فنيَّته بحسب قدر الخلل في نيته، ولكن إذا دخل الخلل في النية بالنسبة للعلم الشرعي كما لو دخل الرياء في صلاته أو في سائر عباداته، وإذا تعلَّم ليُقال: عالم، فليس له من علمه ولا من تعليمه ولا من تعبه شيء من الأجر، وإنما عليه الوزر، فهو من أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة كما في الحديث الصحيح في (مسلم) وغيره.

 

وَمَنْ يَكُنْ؛ لِيَقُولَ النَّاسُ: يَطْلُبُهُ
 

 

 

أَخْسِرْ بِصَفْقَتِهِ فِي مَوْقِفِ النَّدَمِ
 

 

والمقصود بالعلم المتوعَّد على مَن تعلَّمه ليُقال: عالم، هو العلم الشرعي الموروث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما علوم الدنيا كالطب والهندسة وغيرهما من العلوم التي يُبتغى بها الدنيا وحطامها، فهذه مثل: الصناعات، والتجارات، والزراعة لا شيء في قصد الدنيا فيها، ولا شيء في أن يُقال: (بَرَع في علم الطب)، (بَرَع في علم الهندسة)، (بَرَع في الزراعة)، (بَرَع في كذا..)، لا شيء في ذلك، أو يفعل ذلك ليُقال: (طبيب ماهر)، أو (مهندس متفوِّق)، وما أشبه ذلك؛ لأنه ليس من العلم الذي يُبتغى به وجه الله.

نعم هذه العلوم مع كونها من أمور الدنيا، ولا شيء في قصد الدنيا فيها أو التشريك فيها: إن قصد بها وجه الله، ونفع المسلمين ورفع حاجتهم إلى غيرهم، يؤجر على ذلك، لكن لو اختل هذا القصد لا شيء عليه في ذلك.

وهذا في جميع العلوم الأخرى غير العلم الشرعي لو أحسن قصده فيها أُجِر على ذلك، وإن طلبها للدنيا أو ليُقال، فهذا لا شيء فيه، والله أعلم.