تتبُّع المساجد في صلاة التراويح؛ طلبًا للأصوات الحسنة

السؤال
في رمضان لا أستقر على الصلاة في مسجد واحد، وإنما أتنقَّل -إما لوحدي أو مع بعض الرفقة- بين المساجد التي نرتاح لأصوات الأئمة فيها، مما يعيننا على الخشوع، فهل في هذا تحريم؟
الجواب

الجماعة إنما شرعتْ للاجتماع والائتلاف ومدافعة الشحناء والمنافسة بين الجيران، فأصل مشروعيتها الاجتماع والائتلاف والألفة بين الناس، فإذا كان يترتَّب على ذلك حصول ما يناقض ذلك فلا شك أن الأولى ترك هذا التنقُّل، ما لم تترتَّب عليه مصلحة أكبر، فأحيانًا يكون الإمام لا يطمئن في صلاته، ولا يمكِّن المأموم من إتمام صلاته، فمثل هذا يُبحَث عن غيره، وأحيانًا يكون الإمام فيه شوب بدعة أو فسق، فيبحث عمن هو أصلح وأتقى.

وأحيانًا يكون البحث عن إمام آخر؛ لجمال صوته وتأثيره في السامعين، وقد سُئل الإمام أحمد عمَّن يفعل ذلك فقال: (اتبع الأنفع لقلبك)، فالأظهر أنه لا بأس ولا حرج في ذلك إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على خشوعه في صلاته، ويرتاح فيها ويطمئن قلبه؛ لأن الصوت لا شك أن له أثرًا، ولذا جاء: «زيِّنوا القرآن بأصواتكم» [أبو داود: 1468]، واستمع النبي -عليه الصلاة والسلام- لقراءة أبي موسى –رضي الله عنه- وتأثَّر بها -عليه الصلاة والسلام-، ومدَحه بعد ذلك [مسلم: 793]، ولم يعلم أبو موسى أنه يسمع، قال: "لو علمتُ أنك تسمع لقراءتي لحبَّرتُه تحبيرًا" [يُنظر: النسائي الكبرى: 8004]، على كل حال مثل هذه الأمور لا شك أن لها أثرًا في الصوت.

وقد استشكل بعضُهم أنه إذا سمع آيات من القارئ فلان تأثَّر بها، وإذا سمع نفس الآيات من غيره لم يتأثر، فهل التأثير للقرآن أو للصوت؟ بعضهم ينظر إلى ذلك نظرة مجردة فيقول: التأثير للصوت ليس للقرآن، بدليل أنه سمع القرآن نفسَه من قارئ آخر فلم يتأثر، فيقال: الأمر ليس كذلك، التأثير للقرآن المُؤدَّى بهذا الصوت، ولو أُدي بهذا الصوت شيء من غير القرآن لما حصل التأثير، وإنما التأثير حقيقة للقرآن لا للصوت وحده، وإنما للقرآن المؤدَّى بهذا الصوت، وهذه مسألة يستشكلها كثير من الناس؛ لأنه يسمع قراءة فلان وقراءة فلان وفلان ولا يتأثر، وقد يقرأ هو بنفسه القرآن ولا يتأثر، لكن إذا سمعه بصوت فلان صاحب الصوت الجميل الذي حسَّنه وزين به كلام الله -جل وعلا- فلا شك أن لهذا أثرًا، وهذا معروف، وتأثيره في النفوس معروف، والله أعلم.