لما قَدِم النبي –عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة وجد اليهود يصومون، فسألهم –عليه الصلاة والسلام- فقالوا: هذا يومٌ عظيم نجَّى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، فنحن نصومه شكرًا لله، فقال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «نحن أولى بموسى منكم» فصامه –عليه الصلاة والسلام- وأمر بصيامه [البخاري: 2004]، وهذا أول ما قَدِم –عليه الصلاة والسلام-، ثم استمر الأمر على ذلك، وكان النبي –عليه الصلاة والسلام- يحب موافقة اليهود رجاءً لإسلامهم، فلما أَيِسَ منهم خالفهم وأمر بمخالفتهم، فقال –عليه الصلاة والسلام-: «لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع» [مسلم: 1134] يعني: مع العاشر، فثبتت السُّنَّة بصيام يوم عاشوراء واليوم التاسع، وجاء في حديث «صوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا» [المسند: 2154]، كل هذا من باب المخالفة لليهود.
وعلى كل حال الأفضل أن يصوم التاسع مع العاشر؛ لأن فيه أكثر النصوص، وفيه التنصيص على التاسع، وإن صام الحادي عشر مع العاشر تمت المخالفة وثبت الأجر -إن شاء الله-، ولكن التاسع أفضل من الحادي عشر.
ماذا عمَّا لو صام التاسع والعاشر والحادي عشر؟ يقول ابن القيم: هذا أكمل، أي: أن يصوم الثلاثة الأيام، ولكن ما جاء في الجمع بين الثلاثة الأيام «صوموا قبله يومًا وبعده يومًا» [مسند البزار: 5238]، هذا فيه كلامٌ لأهل العلم، وإن صامه المسلم بعد التاسع والعاشر على أنه صيامٌ مطلق، أو على تقدير صحة الرواية التي تجمع بين اليومين فهو على أجر -إن شاء الله تعالى-.
وعلى كل حال العاشر هو الأصل، ومن باب المخالفة لليهود قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع»، يعني: معه، وجاء «صوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا»، وهذه أقل من «لأصومنَّ التاسع»، وأما رواية الجمع بين الثلاثة الأيام «صوموا قبله يومًا وبعده يومًا» ففيها كلامٌ لأهل العلم، وابن القيم –رحمه الله- وهو من أئمة التحقيق يرى أن الصيام ثلاثة أيام أكمل من إفراد عاشوراء وحده، أو صيام واحد من الاثنين: قبله أو بعده، والله أعلم.