دعاء المسلم في عصر الجمعة واقفًا، وصلاته فيه لأجل الدعاء

السؤال
هل يكون الدعاء في ساعة الإجابة في عصر الجمعة والإنسان واقف؟ وهل تُشرع الصلاة في ساعة الإجابة مع كونه وقت نهي، ولكن بقصد الدعاء في الصلاة؟
وما الحكم بالنسبة لتحية المسجد وقتَ النهي؟
الجواب

لا شك أن المرجَّح في ساعة الإجابة أنها آخر ساعة من عصر الجمعة، وهذا الوقت وقت نهي وليس بوقت صلاة، لا سيما إذا قرُب الغروب اشتدَّ النهي، "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهنَّ، أو أن نقبر فيهنَّ موتانا: «حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضَيَّفُ الشمس للغروب حتى تغرب»" [مسلم: 831]، وجزءٌ من هذه الساعة يقع في هذا الوقت، وقد يقع قبله، وهو أيضًا وقت نهي، والنبي –عليه الصلاة والسلام- «نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب» [البخاري: 581 / ومسلم: 826]، فلا صلاة في هذا الوقت، ولكن «لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ، وهو قائم يصلي» [البخاري: 935 / ومسلم: 852]، المراد بذلك انتظار الصلاة، فالذي ينتظر الصلاة في صلاة، فكأنه قائمٌ يصلي، كما في حديث عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: قد علمتُ أية ساعةٍ هي، قال أبو هريرة: فقلتُ له: فأخبرني بها، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعةٍ من يوم الجمعة، فقلتُ: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يُصادفها عبدٌ مسلمٌ وهو يصلي»، وتلك الساعة لا يُصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «مَن جلس مجلسًا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي»؟ قال: فقلتُ: بلى، قال: هو ذاك. والحديث مُخرَّجٌ في (سُنن أبي داود) بطوله [1046]، والله أعلم.

(وما الحكم بالنسبة لتحية المسجد وقتَ النهي؟) الأحاديث صريحة في النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة، هذه الأوقات الخمسة منها الثلاثة المُضيَّقة في حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه-، وقد سُقناه آنفًا: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا..."، وهذه الأوقات الثلاثة باقية على عمومها ومحفوظة لم يدخلها مُخصِّص، فالمرجَّح أنه لا يُصلى فيها ألبتة.

والوقتان الموسعان: بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، جاء النهي فيهما وهو في الصحيح، وبلا إشكال في صحة النهي عن الصلاة في هذين الوقتين، لكن الأمر فيهما أخف من الأوقات الثلاثة المُضيَّقة، فأقرَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- مَن قضى راتبة الصبح بعدها في وقت النهي [أبو داود: 1267]، والوقت الأول -بعد الصبح حتى تطلع الشمس- هو من أول طلوع الصبح، حتى ما قبل صلاة الصبح وقت نهي، فلا يُصلى فيه إلا ركعتا الفجر، فدخول التخصيص في الذي أقرَّه النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يصلي راتبة الصبح بعدها -وهو وقت نهي- لا شك أنه يُضعِف العموم؛ لأن عمومه غير محفوظ، وقُل مثل هذا في النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر، فقد دخله مُخصِّص، وهو أن النبي –عليه الصلاة والسلام- صلى راتبة الظهر -بعد أن فاتته- بعد صلاة العصر [البخاري: 1233]، وهذه أحاديث صحيحة، فدخل العمومَ هذا المُخصِّصُ فضعُف؛ ولذا قيل: إن ذوات الأسباب مثلما ذُكِر تُصلى في أوقات النهي.

وبعضهم يُطلِق ويدخل المسجد قبيل غروب الشمس ويصلي، والنص في حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عمومه محفوظ لم يدخله مُخصِّص؛ ولذا المرجَّح أن الأوقات الثلاثة لا يُصلى فيها شيء، والوقتان الموسعان أمرهما أخف، والأصل النهي؛ لأن الحظر عند أهل العلم مُقدَّم على الإباحة، وفي (صحيح البخاري) أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- طاف بعد الصبح ولم يصلِّ الركعتين إلا بذي طوى بعد أن ارتفعت الشمس [2/155]، وصلاة ركعتي الطواف من ذوات الأسباب بلا شك، والبخاري ترجم بالطوف بعد الصبح وبعد العصر، يعني: في وقت النهي، وأورد أثر عمر بن الخطاب هنا، وأورد أحاديث النهي عن الصلاة في أبواب أوقات النهي، فأورد حديث النهي عن الصلاة بعد العصر، وأورد حديث النهي عن الصلاة بعد الصبح، فكأنه يُرجِّح أنه لا يُصلى شيءٌ من الصلوات في هذه الأوقات الخمسة، وأثر عمر كالصريح في مسألة تأخير صلاة ركعتي الطواف -وهي من ذوات الأسباب، وقيل بوجوبها- إلى أن وصل إلى ذي طوى وارتفعت الشمس.

وعلى كل حال الخلاف في المسألة معروف، ولكن هذه النصوص، وهذه الأدلة، وهذه المسألة بشيءٍ من التفصيل المُجمل، يعني: إجمالًا، وإلا فالمسألة تحتاج إلى كلامٍ طويل، وقد بيَّناها في مناسبات كثيرة، والله المستعان.