في حديث أبي سعيد –رضي الله عنه- في (صحيح البخاري)، قال: انطلق نفرٌ من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفرةٍ سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يُضيِّفوهم، فلُدغ سيِّد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لُدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحدٍ منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تُضيِّفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يَتفل عليه، ويقرأ: {الحمد لله رب العالمين}، فكأنما نُشِط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبَة، قال: فأوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له، فقال: «وما يُدريك أنها رقية»، ثم قال: «قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهمًا»، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [2276]، هذا الحديث فيه "حتى تجعلوا لنا جُعلًا"، فتكون الرقية على هذا من باب الجعالة، وليست من باب الأجرة.
وفي لفظٍ في الصحيح أيضًا من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتابُ الله» [البخاري: 5737]، فسمَّاه أجرًا، والإجارة من الأجر. وفي (صحيح مسلم): (باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار) [4/ 1727]، مما يدل على أنها أجرة.
وعلى كل حال الأجر والأجرة والجُعل لا شك أن بينها بعض الفروق، ولكنها تجتمع في أنها أخذ مالٍ مقابل عمل، وهذا عمل، والأخذ عليه إجارة.
وأخذ الأجرة على تعليم القرآن وتعليم الحديث معروفٌ عند أهل العلم، منهم مَن يتورَّع ويقول: هذه عبادة لا يُؤخَذ عليها أجرة، ويأخذ الأجرة على العلوم الأخرى، كتعليم العربية، أو تعليم علوم يُتَدرَّج بها وتكون وسائلَ لفهم الكتاب والسُّنَّة ونحو ذلك، ويتورَّع عن أخذ الأجرة على تعليم القرآن والسُّنَّة.
وعلى كل حال جمهور أهل العلم يُجيزون أخذ الأجرة على التعليم، والحديث نصٌّ على جواز ذلك «إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتابُ الله»، فيجوز أخذ الأجرة على التعليم، حتى في تعليم القرآن وتعليم السُّنَّة، والله أعلم.