التفضيل بين المشايخ، وتقييم التلميذ شيخه

السؤال
هل يصح التفضيل بين المشايخ؟ وهل هو من الفتن؟ وهل يُقيِّم التلميذُ شيخَه؟
الجواب

التفضيل: لا شك أن على رؤوس الناس الأنبياء، وجاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا تُفضِّلوا بين أنبياء الله...ولا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس بن متَّى» [البخاري: 3414-3415]، وجاء قول الله -جل وعلا-: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]، فالمفاضلة بينهم هي صريح القرآن، والنهي عن ذلك إنما هو إذا قُصد به ازدراء المفضول والتنقُّص منه، فإذا حَمل ذلك التفضيلُ على التنقُّص من المفضول فيُمنع، وقل مثل هذا في أهل العلم، ولا شك أننا نقول: فلان أفضل من فلان، وأعلم من فلان، فيما يظهر لنا، والسرائر إلى الله -جل وعلا-، لكن الاستفاضة في مثل هذا لا شك أنها كافية عند المسلمين، فبإمكانهم أن يقولوا: فلان أعلم من فلان، أو إذا أراد أن يطلب العلم على فلان وُجِّه بأن يقال له: فلان أنفع لك من فلان، هذا لا يمنع إذا لم يصل الأمر بالشخص إلى أن يزدري المفضول أو يتكلم فيه، ولو بما فيه.

(وهل يُقيِّم التلميذُ شيخَه؟) التلميذ لا يستطيع أن يُقيِّم شيخه إلا إذا لزمه مدة طويلة، ووجد بعد هذه المدة أن فائدته منه أقل من إفادته من غيره في أقصر من مدته، فحينئذٍ يتبَع الأنفع له، ومع ذلك لا يجزم بأن حكمه هو الصائب؛ لأنه قد يُقيِّم من زاوية، ومن زوايا أخرى يكون هذا الشيخ أفضل من الذي فضَّله عليه.

وعلى كل حال طالب العلم المتمكن المميِّز يستطيع أن يفاضل بين العلماء، لا سيما بالنسبة إلى انتفاعه هو؛ لأنه قد ينتفع من عالم، وغيره ينتفع من غيره، ولا شك أن العلماء مدارس، فبعض الناس تناسبه هذه المدرسة، وبعض الناس تناسبه تلك المدرسة، فمثلًا: إذا نظرنا إلى علماء هذا الزمان وجدنا منهم مَن يهتم -مثلًا- بالرواية والتصحيح والتضعيف للأخبار، كالشيخ الألباني -رحمه الله-، وبعض الناس يميل إلى هذا الجانب، فيجد انتفاعه بالشيخ الألباني أكثر من انتفاعه -مثلًا- بالشيخ ابن عثيمين الذي اهتمامه وعنايته بالدراية والاستنباط أكثر من الرواية، وبعض طلاب العلم يجعل الشيخ ابن عثيمين أفضل بمراحل من الألباني؛ لأن هذا ميوله فقهية، فاستفاد من الشيخ ابن عثيمين أكثر من فائدته من تخاريج الألباني وتصانيفه، والعكس.

لكن الله -جل وعلا- جمع بين الأمرين للشيخ ابن باز -رحمه الله-، فعنايته بالرواية والدراية على حدٍّ سواء. وهذا من باب التمثيل، وإلا فشيوخنا كلهم فيهم خير وبركة، ويُعنون بالعلم من جميع أبوابه، ولله الحمد.