على كل حال حضور الدورات التي يُحفظ فيها كتب السنة لا شك أنه فتح، وكان الناس على يأس تامٍّ من حفظ هذه الكتب إلى أن سُنَّتْ هذه السنة، ويَذكر بعضهم أنه بدأ بحفظ (زوائد البيهقي)، مَن يتطاول على قراءة (البيهقي) أو (المستدرك) أو غيرهما من الكتب قبل وجود هذه الدورات؟ فالجادة عندهم: يُقرأ (الأربعون) و(العمدة) و(البلوغ)، وإن قُرئ في (المنتقى)، وتُقرأ كتب السنة الستة مسحًا -قراءة سَرْد-، أما الآن فوجدنا مَن يحفظ ولله الحمد، فحضور هذه الدورات في غاية الأهمية، مع التطبيق الذي ذكرناه في محاضرة (مفاتيح طلب العلم)، فإذا اجتمع هذا وهذا، ضمنَّا أن هناك من طلاب العلم مَن سار على الدرب الذي يوصله -إن شاء الله تعالى-، بالشرط الذي ذكرناه، وهو الإخلاص لله -جل وعلا-.
ومن أعظم وسائل تحصيل العلم تقوى الله -جل وعلا- {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [البقرة: 282]، فالعلم بالعمل من أعظم وسائل تحصيله، والذي لا يتقي الله -جل وعلا- ولا يحقِّق هذا الشرط في نفسه، هذا لا يُحصِّل علمًا، ولو جمع من المسائل والأحكام ما جمع، فإن هذا ليس بعلمٍ شاء أم أبى، وإن قال الناس: إنه عالم، فلا علم إلا بالتقوى، «يَحمل هذا العلمَ مِن كلِّ خَلَفٍ عُدُولُه» [مسند البزار: 9423]، والعلماء استشهدهم الله -جل وعلا- على وحدانيته وألوهيته، فكيف يكون ممن يتصدَّى لأعظم شهادة ٍلأعظم مشهودٍ له، وهو ليس بأهل وليس بكفء، ويُخالف الأوامر، ويرتكب النواهي؟ هذا جاهل وليس بعالم.
والعلم الذي لا يورث الخشية لله -جل وعلا- ليس بعلم، والحصر في الآية صريح {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28]، وفي قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: 17]، هل معنى هذا أن التوبة خاصة بالجهال الذين لا يعرفون الأحكام؟ نقول: لا، ولكن ولو عَرَف الحكم أن هذا حلال وهذا حرام وارتكبه فهو جاهل، فكلُّ مَن عصى الله فهو جاهل.
فالتقوى هي المحقِّق للوصف الشريف وهو العلم، وهي من أعظم ما يعين على تحصيله وتثبيته، فعلينا أن نعمل بما نعلم، وعلينا أن نُطبِّق، وأن نكون أسوة وقدوة في أفعالنا وأقوالنا.