أثر أخذ المتفرِّغ للدعوة من الرَّزق على إخلاصه

السؤال
الداعية المتفرِّغ للدعوة يحتاج إلى معاش، فأنَّى يكون له ذلك إلَّا بأخذ الرَّزق، فهل يُعدُّ ذلك خادشًا لإخلاصه؟ وكيف يتخلَّص منه؟
الجواب

لا بد أن نُفرِّق بين مَن أخذ؛ ليدعو، وبين من دعا؛ ليأخذ، كما قيل في الحج: مَن حج؛ ليأخذ، فهذا لا حج له -كما قال أهل العلم-، ومَن أخذ؛ ليحج ويستعين بما يأخذ للحج، فهذا أجره وافر عند الله -جل وعلا-، وقل مثل هذا فيمن يتفرَّغ لنفع المسلمين من الدعاة والعلماء والمعلمين والقضاة وغيرهم، فإذا أخذ أجرًا على تعليمه أو على قضائه أو على دعوته يُمكِّنه من التفرُّغ لهذا العمل الذي لا بد من القيام به، فلا شيء عليه في ذلك، ولا يخدش في إخلاصه، والإشكال إذا كان له أثر، بأن كان لا يدعو إلا بكذا، فهو يدعو؛ ليأخذ، فهذا محل الإشكال، أما يأخذ؛ ليدعو وليتمكَّن، فالله -جل وعلا- قال: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]، ففرق بين مَن يجعل الهدف الذي من أجله وُجد وخُلق تحقيق العبودية، ويستعين على تحقيق هذا الهدف بأخذ نصيبه من الدنيا، فتكون هذه الوسيلة التي تُحقِّق الهدف لها حكم الهدف، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لكن الإشكال فيمن يرى أن الهدف -على حدِّ زعمهم- عمارة الأرض، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: ٦١]، فتجده سعيًا لتحقيق هذا الهدف يتنازل عن كثير من الأمور التي أُمر بها شرعًا، أو نُهي عنها شرعًا، والله -جل وعلا- يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ، فالهدف تحقيق العبودية، وينبغي أن تُذَل كل وسيلة وكل غاية من أجل تحقيق هذا الهدف.