حكم خبر: «الشتاء ربيع المؤمن»

السؤال
ينتشر في الشتاء على ألسنة كثير من الناس قولهم: «الشتاء ربيع المؤمن» وكذلك أيضًا قولهم: «الصوم في الشتاء غنيمة باردة» وينسبون ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام- فهل تصح تلك النسبة؟
الجواب

جاء في (مسند الإمام أحمد) وأبي يعلى و(سنن البيهقي) حديث: «الشتاء ربيع المؤمن» [مسند أحمد: 11716]، وجاء «قصر نهاره فصام وطال ليله فقام» كما زاد البيهقي [السنن: 8456]، لكن هذا الخبر معلّ بأن في إسناده ابن لهيعة، ودرّاج أبا السمح، وفي كلٍّ منهما ضعف، رواية دراج أبي السمح عن أبي الهيثم ضعيفة غير مستقيمة، كما قال الإمام أحمد وأبو داود، وقال الإمام أحمد أيضًا عن دراج:"أحاديثه مناكير" وضعّفه أبو حاتم، والدارقطني، وقال الدارقطني في موضع: إنه متروك، وبهذا يعلم أن الصواب مع من ضعَّف هذا الحديث وإن حسنه من حسنه كالسخاوي في (المقاصد) والعِجلوني والهيثمي في (المجمع)، لكن الصحيح أنه ضعيف.

وأما الحديث الثاني وهو: «الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء» [الترمذي: 797]، فقد أخرجه الترمذي في (جامعه) وابن أبي شيبة، وقال أبو عيسى الترمذي عقبه معلاًّ له: "هذا حديث مرسل، عامر بن مسعود لم يدرك النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو والد إبراهيم بن عامر القرشي الذي روى عنه شعبة والثوري"، وقد رواه الطبراني في (الصغير) وابن عَدِي في (الكامل) ومن طريقه البيهقي، وابن عساكر من حديث أنس -رضي الله عنه-، وجاء أيضًا عند أحمد في (الزهد) وأبي نُعيم في (الحلية) والبيهقي في (السنن الكبرى) من قول أبي هريرة –رضي الله عنه-، لكن المرجح أنه ضعيف مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كسابقه، وجاء أيضًا عن سليمان التيمي أنه سمع أبا عثمان النهدي قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "الشتاء غنيمة العابدين" [حلية الأولياء (1/51)]، ولفظ ابن أبي شيبة (العبد) بدل (العابدين)، وهذا إسناد صحيح إلى عمر -رضي الله عنه-، يقول العلماء كابن رجب في (لطائف المعارف): إن معناه صحيح، ومعنى كونه غنيمة باردة -كما في (اللطائف) لابن رجب-:"أنها غنيمة حصلت كالغنيمة عندما تحصل بغير قتال ولا تعب ولا مشقة، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوًا صفوًا بغير كلفة، وأما قيام ليل الشتاء فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم تقوم"، وقال السندي:" قوله: (الغنيمة الباردة) هي الحاصلة بلا تحمل كلفة المحاربة، وصوم الشتاء له أجر بلا تحمل مشقة الجوع؛ لقصر الأيام، والعطش؛ لبرودتها، فيه ترغيب للناس في صوم الشتاء"، قال المناوي: "(الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة) أي: الغنيمة التي تحصل بغير مشقة، والعرب تستعمل البارد في شيء ذي راحة، والبرد ضد الحرارة؛ لأن الحرارة غالبة في بلادهم، فإذا وجدوا بردًا عدوه راحة، وقيل: الباردة: الثابتة، مِن بَرَدَ لي على فلان كذا أي ثبت، أو الطيّبة، مِن بَرَدَ الهواء إذا طاب، والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب، وأيضًا فإن الهواء والمكان لما كان طِيبها ببردهما سيما في بلاد تهامة والحجاز قيل: هواء بارد، وماء بارد، على سبيل الاستطابة، ثم كَثُر حتى قيل: عيش بارد، وغنيمة باردة، ذكره الزمخشري".