نقل الفوائد في وسائل الاتصال بدون نسبتها إلى قائلها

السؤال
ما حكم نقل العبارات والفوائد الجميلة من الإنترنت ثم نشرها في وسائل الاتصال بدون نسبتها إلى قائلها؟
الجواب

هذا لا يخلو إما أن يكون ممن يُلبس على الناس أنه هو الذي ابتكرها وهي من بنات فكره وحينئذٍ يدخل في حديث «المتشبِّع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور» [البخاري: 5219]، ولا يلزم أن يضاف كل شيء إذا سلمت النية من هذا القصد، فالعلماء ينقل بعضهم من بعض ولا يعزون في كثير من الأحوال، لكن كما قيل: (من بركة العلم إضافة القول إلى قائله)، ونسبه في مقدمة (تفسير القرطبي) إلى ابن عباس –رضي الله عنهما-، ويبقى أن الإنسان إذا سَلِم من التشبُّع وإيهام الناس أن هذا من ابتكاره وأنه من نظره وثاقب فهمه واستنباطه فلا مانع حينئذٍ من ترك العزو إذا كان قصده نشر العلم؛ لأن هذا موجود بكثرة في كتب أهل العلم. وقد تقتضي المصلحة عدم العزو؛ لترويج القول، ففي بعض البيئات يكون هذا العالِم غير مَرضي لاختلاف بينهم وبينه في مسائل معينة، أو في الاعتقاد، أو في أمور أخرى -كما هو معلوم-، فالعزو لمثل هذا العالِم قد يعوق من الإفادة منه، ومن ذلك أننا نرى في (شرح الطحاوية) لابن أبي العز نقولًا كثيرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم غير معزوَّة؛ من أجل ترويج هذا الكلام النافع المبني على الاستدلال الصحيح من الكتاب والسنة في بيئات قد لا تكون راضية عمن نُقل عنه، فيُروَّج الكلام بمثل هذا، والترويج كما يكون بعدم الذِّكر أحيانًا يكون بالذِّكر، فنجد في بعض الكتب، لا سيما في كتب الشوكاني والصنعاني إضافة أقوال إلى من لا يُعتد بهم في الإجماع ولا في الخلاف؛ لأنهم يعيشون في بيئة تُعظِّم هؤلاء القائلين، فتضاف أقوالهم مع أن ذكرها لا قيمة له؛ من باب ترويج هذه الكتب.

لكن الذي لا يمكن السكوت عليه والرضا عنه ما فعله الفيروزآبادي في (شرح البخاري)، فقد شَرَح (صحيح البخاري) وأنهى منه عشرين مجلدًا كبارًا، أظن أنه أنهى فيها العبادات، ولو كَمُل لكان فيما يقرب من خمسين مجلدًا، لكنه شحنه بمقالات ابن عربي في القول بوحدة الوجود، وأودعه كتبَه كـ(الفصوص) و(الفتوحات) وغيرهما، والقول بوحدة الوجود بدعة عظيمة، ومع ذلك أراد أن يُروِّج الكتابَ بمقالات ابن عربي؛ لرواج المقالة في بلده في وقته، لكن هل يمكن أن تكون هذه وسيلة توصل إلى غاية صحيحة؟ لا، ليس بصحيح أبدًا أن يُضلل الناس بمثل هذا من أجل أن يروج الكتاب! ومن نعم الله -جل وعلا- أن هذا الكتاب أتتْ عليه الأرضة من أوله إلى آخره فلم يبق منه ورقة -والحمد لله-، فالترويج كما يكون بالحذف يكون بالذكر –كما ذكرنا-، لكن الأمور بمقاصدها، ويبقى أن منه ما يُغتفر ومنه ما لا يُغتفر، ومنه ما يُطلَب أحيانًا كما فعل ابن أبي العز في ترويج كلام شيخ الإسلام وابن القيم في بيئات قد لا تكون راضية عنهما.

وفي وسائل التواصل اليوم إذا نَقل الشخص الكلام وذكر أنه منقول برئ من عهدته وبرئ من التشبُّع، ويبقى أن أجره على قصده.