معنى قول الترمذي: (حسن صحيح)

السؤال
قول أبي عيسى الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح)، ما المراد به؟
الجواب

هذا القول من أبي عيسى استشكله أهل العلم، وأكثر منه أبو عيسى، ووجه الاستشكال أن حكمه على الحديث بحكمين مختلفين في حقيقتهما، فقوله: (حسن) نزول في درجة الحديث عن أن يصل إلى درجة الصحة، والحكم له بالصحة في قوله: (صحيح) ارتفاع في هذا النزول، فحصول الارتفاع والنزول في آنٍ واحد من جهة واحدة لا شك أنه مشكل، فلو قيل لطالب ما تقديرك؟ قال: (جيد جدًا ممتاز) ما قُبل منه من جهة واحدة، لكن إذا انفكت الجهة كما لو قال: (جيد جدًا في تقديري العام وممتاز في مواد التخصص) هذا مقبول، وهذا مثال تقريبي، ولذا أجاب أهل العلم عن هذا الإشكال في الاصطلاح للإمام الترمذي قالوا: (إنه حسن من طريق، صحيح من طريق آخر)، وهذا مقبول فيما إذا كان للحديث أكثر من طريق، لكن إذا لم يكن للحديث إلا طريق واحد وحينئذٍ يقول: (حسن صحيح غريب) هذا أيضًا مشكل، لكنه خُرِّج على أن الإمام متردد فيه: إما حسن أو صحيح، وغاية ما في هذا أنه حذف حرف التردد الذي هو (أو)، أو يكون صحيحًا باعتبار أنه عند قوم من أهل العلم صحيح وعند آخرين حسن، وحينئذٍ يكون الترمذي جمع بينهما للجمع بين القولين، وغاية ما في الأمر أنه حذف الواو العاطفة.

وبعضهم يقول: (إن مرتبة "حسن صحيح" مرتبة دون الصحيح وفوق الحسن)، فكأنه حسن مُشرَب بشيء من الصحة، أو صحيح مُشرَب بشيء من الحسن، يعني لو جمعت بين مادتين إحداهما حامضة والأخرى حلوة وقيل لك: ما طعم هذه المادة؟ تقول: (حامض حلو) باعتبار أن فيه الحموضة وفيه الحلاوة، فلما جمعنا بينهما خرجنا بنتيجة هي بين الأمرين، ويقولون له: (مُز) أي: حامض حلو. وهنا يكون ما قيل فيه: (حسن صحيح) دون ما قيل فيه: (صحيح) فقط، وعلى الأقوال السابقة يكون ما قيل فيه: (حسن صحيح) فوق درجة الصحيح، لا سيما إذا قلنا: إنه صحيح باعتبار طريق، وحسن باعتبار طريق آخر، قلنا: فوق ما يقال فيه: (صحيح)؛ لأن له أكثر من طريق. أما إذا كان سببه التردد أو الخلاف في حكمه فإنه يكون دون مرتبة الصحيح.

والأقوال في هذه المسألة كثيرة، ومواقع الاستعمال عند الإمام الترمذي لا شك أن في بعضها إشكالًا.

ولا شك أن الإمام الترمذي إمام من أئمة الحديث -مع الخلاف في اعتبار تصحيحه أو عدمه؛ مما قيل عنه من التساهل-، لكن يبقى أن من يحتاج إلى مثل هذه الأقوال مَن ليست لديه الأهلية للنظر بنفسه، وإلا فالحق أن تدرس الأسانيد ويحكم على كل إسناد بما يليق به.