مراد الترمذي بقوله: (حسن غريب)

السؤال
ما مراد الترمذي -رحمه الله- بقوله عن الحديث: (حسن غريب)؟
الجواب

الترمذي -رحمه الله تعالى- بيَّن اصطلاحاته في العِلل التي ألحقها في آخر جامعه، وبيَّن مراده بالحسن وهو: الحديث الذي يُروى من غير وجه، ولا يكون في رواته من يُتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذًّا، فهذا مراد الترمذي -رحمه الله تعالى- بالحسن، وتنصيصه على "روايته من غير وجه" قد يكون فيه بعضُ التنافر مع قوله: (غريب) في حال حكمه على الحديث بأنه حسنٌ وغريب، إذ الأصل في الغريب أنه يُروى من وجه واحد، والحسنُ في حدِّ الترمذي أن يُروى مِن غير وجه!

يقول الحافظ العراقي –رحمه الله-:

... وقالَ (التّرمذيُّ) : مَا سَلِمْ

مِنَ الشُّذُوذِ معَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ

بِكَذِبٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْدًا وَرَدْ

...................................

فالترمذي يَشترط لكون الحديث حسنًا:

- أن يَسلم من الشذوذ.

- وألَّا يكون في رواته مَن هو متهمٌ بالكذب.

- وأن يُروى مِن غير وجه.

فقوله: (حسن) لا بد أن تنطبق عليه هذه الشروط، وإن كان ابنُ الصلاح نزَّل تعريف الترمذي على الحسن لغيره؛ لأنه يُروى من غير وجه، والشروط الأخرى لا تنفي أن يكون في حديثه مَن هو متهم بما دون الكذب من الضعفاء، فنزَّله ابن الصلاح على الحديث الذي عُرف في اصطلاح المتأخرين بالحسن لغيره.

اشتراط الترمذي في الحسن أن يُروى من غير وجه -مثلما قلنا- قد يكون فيه شيء من التنافر مع وصفه بأنه غريب؛ لأن مِن مقتضى الغرابة أن يُروى من وجه واحد؛ لأن الحديث الغريب: ما تفرد بروايته راوٍ واحد، لكن الغرابة عند أهل العلم منها:

- الغرابة المطلقة وهي: التي مِن لازمها أن يتحد راويه، وألّا يُروى إلا من وجه واحد، ويحصل به التنافر مع قول الترمذي: (حديث حسن).

- ومنها الغرابة النسبية، ولعل هذا هو مراد الترمذي؛ ليلتئم الجمع بين الحسنِ والغرابةِ، فيكون غريبًا بهذا اللفظ، فيُروى بألفاظ أخرى لا تُعارِض حدَّ الحَسن عند الإمام الترمذي، أو غريبًا مِن حديث هذا الراوي، بمعنى أنه لم يروه عن هذا الراوي إلا راوٍ واحد، وإن رُوي عن غيره.

وإذا عرفنا تعريف الإمام الترمذي فالحديث الحسن له عدة تعاريف عند أهل العلم.

والحَسنُ المعروفُ مَخرجًا وقَدْ

اشتَهرَتْ رِجالُهُ بِذاكَ حَدْ

(حَمْدٌ) .....................

................................

(حمدٌ) أي: الخطابي، فحدُّ الحديث الحسن عند الخطابي: ما عُرف مخرجه واشتهرت رواته.

... وقالَ (التّرمذيُّ) : مَا سَلِمْ

مِنَ الشُّذُوذِ معَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ

بِكَذِبٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْدًا وَرَدْ

..............................

وقِيلَ: ما ضَعفٌ قريبٌ مُحتمَلْ

فيهِ، ومَا بكلِّ ذَا حَدٌّ حَصَلْ

يعني هذه الحدود كلها عليها مؤاخذات واحترازات لأهل العلم، قد لا يُتصور فيها الحديث الحسن على حقيقته بدقة، فالحديث الحسن تعريفه مُشكِل عند أهل العلم، حتى قال الذهبي: إنه لا مطمع في تمييزه؛ لأنه في مرتبة بين الصحيح والضعيف، فمنهم مَن يُلحقه بالصحيح، ومنهم مَن يُلحقه بالضعيف، وتتردد باقي الصور بين النوعين فلا يحصل بذلك الحد الدقيق الذي يتميز به الحسن عن غيره، وعلى كل حال المردُّ في ذلك لأهل العلم، وقد حكموا على أحاديث بأنها حسنة، فلا شك أن ما لم يَصل إلى حد الصحيح وما لم يَصل إلى حد الضعيف فإنه في مرتبةٍ متوسطةٍ بينهما، فيكون من هذا الحكم.