القول الصحيح في رواية المبتدع

السؤال
هذا سؤال من فرنسا يقول: قال ابن حجر في (النخبة): (رواية المبتدع: ثم البدعة إما بمكفِّرٍ، أو بمفسِّقٍ، فالأول..." إلى آخره، ما القول الصحيح في رواية المبتدع؟
الجواب

المبتدعة قسَّمهم الذهبي في مقدمة (الميزان) إلى أقسام؛ تبعًا لبدعهم:

- فالبدع الكبرى المغلَّظة يقول الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في حقهم: (فهذا النوع لا يُحتج بهم ولا كرامة).

- وأما البدع الصغرى غير المغلَّظة، فمثل هؤلاء المبتدعة كتب السنة طافحة بالرواية عنهم، ومنها الصحيحان.

فأصحاب البدع المغلَّظة المكفِّرة مثل هؤلاء لا يُروى عنهم، ولم يُدخلهم ابن الصلاح -رحمه الله- في الخلاف أصلًا، وإن كان رأي ابن حجر -رحمه الله- في مثل هؤلاء أنهم وإن كانت بدعهم مكفِّرة إلا أنهم إذا كانوا لا يُنكرون أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة، واشتملوا على الصدق، فإن أخبارهم مقبولة؛ لأن بعض مَن بدعته مغلَّظة كالخوارج -مثلًا- بل دعاتهم، خُرِّج لهم في الكتب، بل في (صحيح البخاري) رواية عمران بن حطان وهو خارجي، بل من دعاة الخوارج، وابنُ حجر في (فتح الباري) لما ذَكر البخاري -رحمه الله تعالى- الحديث من طريق عمران بن حطان، أورد مثل هذا الإشكال، وقال: بأن بدعته مغلَّظة وأنه داعية؛ لأن جماهير أهل العلم يقبلون غير الداعية، فماذا عن الداعية مثل: عمران بن حطان؟ قال ابن حجر: (وإنما أخرج له البخاري على قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متديِّنا)، ولا شك أن الخوارج يرون الكذبَ كبيرةً، والكبيرةَ مكفِّرةً، فهم يجتنبونه، ولذا هم من أصدق الطوائف المبتدعة، كما قرَّر ذلك شيخ الإسلام وغيره. وردَّ العيني -رحمه الله- على مقولة ابن حجر السابقة بقوله: (ومن أين كان له صدق اللهجة وقد أفحش في الكذب في مدحه ابن ملجم اللعين؟)، لكن الإنسان الذي يتديَّن بشيء وينصر ما يراه الحق، هو في حدِّ ذاته صادق في نصره لما يراه الحق، وكونه أخطأ في رؤيته لهذا الأمر الحق فهذا أمر آخر، فالصدق موجود؛ لأنه ينصر ما يراه الحق، وشيخ الإسلام -رحمه الله- لما سُئل عن الرازي، ولا شك أن مَن يقرأ كلامه في تفسيره يوجِس خيفة من كلامه، لا سيما وقد سمى كتاب (التوحيد) كتاب الشرك، ورمى إمام الأئمة ابن خزيمة -رحمه الله- بأعظم القبائح، فلا شك أن القارئ يجد في نفسه شيئًا من هذا، وأن له غرضًا، فشيخ الإسلام يقول: (وليس هذا تعمُّدًا منه لنصر الباطل؛ بل يقول بحسب ما توافقه الأدلة العقلية في نظره وبحثه... ومن الناس مَن يُسيء به الظن، وهو أنه يتعمَّد الكلام الباطل؛ وليس كذلك، بل تكلَّم بحسب مبلغه من العلم والنظر والبحث في كل مقام بما يظهر له)، نعم عنده شُبَه، وعنده مخالفات عقديَّة، وعنده طوام، والخلافات معه ليست يسيرة، بل كبيرة، ومع ذلك يقول شيخ الإسلام: (ينصر ما يراه الحق)، فالذي ينصر ما يراه الحق هو صادق، بغض النظر عن كون الحق الذي يراه هو الحق الصحيح أو غيره.