الرجوع إلى كتب المتأخرين مع وجود كتب المتقدمين

السؤال
ما رأيكم -حفظكم الله- بمن يقول: ما الحاجة إلى الرجوع إلى كتب المتأخرين في الحكم على الأحاديث مع وجود كتب المتقدمين وما ذكروه من الأحكام عليها؟
الجواب

الأصل في الأحكام على الأحاديث كلام المتقدمين وأحكام الأئمة؛ لأنهم هم المعوَّل عليهم في هذا الشأن، وما كلام المتأخِّرين إلا من نتاج دراستهم لكلام المتقدمين، لكنِ المتأخرون اعتمدوا قواعد مطَّردة ثابتة قعَّدوها لا تتغير ولا تتبدل، فخالفوا في ذلك طرائق المتقدمين الذين جُلُّ أحكامهم على القرائن؛ نتيجة لحفظهم واطلاعهم على الأحاديث والطرق والشواهد والمتابعات، فهم يحكمون بالقرائن، والمتأخرون قعَّدوا قواعد وجروا عليها فهي تصلح لتمرين طالب العلم ليتمرَّن عليها، فيحفظها ويطبقها على سبيل التمرين، ويُكثر من التخريجِ وجمعِ الطرق ودراسةِ الأسانيد والأحكامِ عليها وعرضِ ما توصل إليه على أهل الخبرة، ثم بعد ذلك إذا تأهل لمحاكاة المتقدمين في أحكامهم -وهذا في غاية الصعوبة لمن لم يتصف بصفاتهم من الحفظ والضبط والإتقان والإحاطة بما يمكن الإحاطة به من الطرق والشواهد- فإذا تكوَّنت لديه الأهلية لمحاكاة المتقدمين تعيَّن عليه ذلك.

نظير ذلك: الدراسة في الأحكام، تجد طالب العلم في أول الأمر يدرس الأحكام على طريقة المتأخرين في المتون، ويدرس هذه المسائل ويتصوَّرها في متنٍ من المتون الفقهية معتمدٍ في بلده، فيتصوَّرها، ثم بعد ذلك يستدل لها، ثم ينظر فيمن وافق وخالف ودليل الموافِق ودليل المخالف، ثم بعد ذلك يَعمد إلى الترجيح، فإذا انتهى من كتاب كامل بهذه الطريقة، وأكثر من الرجوع إلى المصادر التي هي أطول من هذا الكتاب الذي اعتمده فإنه حينئذٍ يتأهَّل لأن يصل إلى الحكم بنفسه، ويستنبط الأحكام من الأدلة، ويكون هذا فرضه، وبهذا يخلع ربقة التقليد، وأما في أول الأمر ففرضه التقليد وسؤال أهل العلم ومحاكاتهم في أحكامهم إلى أن يتأهل، وقل مثل هذا في العلوم الأخرى، في علوم الحديث وغيرها من العلوم، والله أعلم.

وفي الحد بين المتقدمين والمتأخرين كأن الحافظ الذهبي -رحمه الله- جعل سنة ثلاثمائة هي الفاصل، وعلى هذا يكون الدارقطني والبيهقي والحاكم من المتأخرين، لكن لو توسَّعنا قليلًا وقلنا: إن المتقدمين مَن لهم رواية بأسانيدهم ولهم اطلاع واسع مثل البيهقي –مثلًا-، لا يمنع أن يكون، وله أحكام نظير أحكام المتقدمين كابن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم من الأئمة، فلا مانع أن توسَّع الدائرة قليلًا.