التدرج في تعلم أصول الفقه بين المدارس الأصولية

السؤال
ما كيفية التدرج في تعلم أصول الفقه بين المدارس والاتجاهات الأصولية؟
الجواب

جرت العادة والجادة عند أهل العلم أن يُبدأ بالمتون الصغيرة المؤلفة للمبتدئين، ثم ينتقل منها إلى ما أُلف للمتوسطين، ثم بعد ذلك كتب المنتهين المتقدمين. ففي هذا العلم على سبيل المثال يبدأ بـ(الورقات في أصول الفقه) لأبي المعالي الجويني، وهو كتاب مختصر جدًّا، ولَبِنَة أساس يُبنى عليها ما يعقبها من كتب ومسائل في هذا العلم، ويُقرَأ معها الشروح لا سيما المختصرات مثل: (شرح المحلي) وغيره، ويُحفَظ معها نظمها للعمريطي واسمه (تسهيل الطرقات في نظم الورقات)، وله شرح أيضا يحسن ويجدر الاطلاع عليه لشخصٍ من أهل مكة يُقال له: عبد الحميد قُدس، وعلى كل حال إذا فهم مسائل (الورقات) مع شروحها وما سُجِّل عليها من دروس، وأكثر النظر في الأمثلة التي يذكرها الشراح من المتقدمين والمتأخرين، وطبَّق عليها هذه القواعد فإنه يستفيد فائدة كبرى. ثم ينتقل بعدها إلى (مختصر التحرير) لابن النجار، وهذا الكتاب فيه صعوبة، فيحتاج إلى أن يُقرأ على شيخ، وهو مختصرٌ على اسمه، فهو مختصر من (تحرير المنقول) للمرداوي، فالمختصَر نافع، وله شرح لمؤلفه اسمه (شرح الكوكب المنير) طُبِع قديمًا في مطبعة أنصار السنة المحمدية، وهذه الطبعة في غاية السوء، وفيها نقص في موضع واحد في أكثر من مائتي صفحة، وستون صفحة خطأ وصواب، فهذه الطبعة سيئة لا يُعتمد عليها وإن أثبت الشيخ محمد حامد الفقي اسمه عليها، ولعل ذلك لضعف الأصل الذي اعتمد عليه، ثم بعد ذلك طُبع محققًّا في جامعة أم القرى في أربعة مجلدات طبعة جيدة ونافعة وصحيحة في الجملة، وإن استَبدل (مختصر التحرير) مع شرحه بمختصر الروضة للطوفي المسمى (البلبل) مع شرحه لمؤلفه كفاه ذلك، والمفاضلة بين المتنين والشرحين تحتاج إلى شيء من التفصيل، وعلى كل حال إذا انتقل من (الورقات) وشروحها ونظمها إلى (مختصر التحرير) أو (البلبل) مع أن (البلبل) أسهل وأيسر من (مختصر التحرير)، لكن (مختصر التحرير) كتاب متين يُمرَّن عليه ويُخرَّج عليه -مع شرحه- طالب علم، ثم بعد ذلك إذا قرأ أو درس (روضة الناظر) وهي أصل (مختصر الطوفي) ويكون قد تأهل للنظر فيها؛ لأنه قرأ المختصر مع شرحه وقرأ التعليقات لعبد القادر بن بدران عليها، وهي في جملتها مأخوذة من شرح الطوفي على المختصر في أكثر المواضع وغالبها، حيث اعتمد فيها ابن بدران على شرح الطوفي على مختصره، ومع ذلك أثناء دراسته لـ(روضة الناظر) يُقارن بها (المستصفى) للغزالي الذي (الروضة) في الأصل مأخوذة منه، وإن كان هناك تصرُّف من الموفَّق في تعديل كثير من المسائل من مذهب الشافعية إلى مذهب الحنابلة، وعلى كل حال باعتباره يخدم مذهبًا آخر غير مذهب الغزالي فهو يُعتبر كتابًا مستقلًّا، فيَنظر في (الروضة) مع (المستصفى)، ويستخرج الزوائد من هذا على هذا، وبهذه المعاناة وهذه المقارنة والمقابلة واستخراج الزوائد يستفيد فائدة كبرى، ويَرسخ هذا العلم في ذهنه.

ومع ذلك يُكثر من التطبيق، وإذا قرأ في كتب التفسير وأشار المفسرون إلى أن هذا فيه نوع من أنواع أصول الفقه رجع إلى هذه الكتب وعلَّق هذه المسألة عليها، وقل مثل هذا في شروح الحديث، وسائر العلوم، فبهذه المقارنات وهذه الإفادة من كتاب إلى آخر والنقل من هذا الفن إلى ذلك الفن يتَّضح وتكمل الصورة عنده، وبهذا يكون عنده التأهل للتفقه التام بعد النظر في كتب الأصول؛ لأنها هي الأصل، ولا يمكن أن يتخرَّج فقيهًا من غير أن يعرف الأصول.