كيفية تمييز الرواة إذا اتفقوا في الأسماء

السؤال
كيف أميز بين الرواة إذا اتفقوا في الأسماء, مثل ( السُفْيَانَين والحَمّادَيّن)، وكذلك في بعض الإطلاقات, كأن يقول المحدثون عند إرادة تعليل الأخبار فيه: فيه ابن أبي ليلى, فكيف لي أن أعرف ابن أبي ليلى هذا، هل هو الثقة أم الضعيف؟  
الجواب

تمييز المهمل من الرواة، كالذي يذكر باسمه دون ما يميزه من غيره من الرواة, مثل أن يقال: حدثنا سفيان، وهذا كثير في الكتب الستة, وحدثنا حمّاد, ولا يدرى سفيان هل هو الثوري أو ابن عيينه, ولا يدرى عن حمّاد هل هو ابن سلمة أو ابن زيد, هناك قدر مشترك بينهما من الرواة من الشيوخ والتلاميذ فلا يحصل التمييز بهما, وسفيان الثوري أقدم من سفيان بن عيينة, فالغالب أنه إذا وجد بين المصنف من الأئمة الستة راويان فإن الذي يغلب على الظن أنه الثوري, وإذا وجد راوٍ واحد فالذي يغلب على الظن أنه ابن عيينة, البخاري قال:حدثنى الحميدي قال: حدثنا سفيان, فهذا هل يمكن أن يكون الثوري مع أن الثوري متقدم الوفاة بينه وبين الأئمة اثنان, وأما بالنسبة إلى سفيان بن عيينة فهو متأخر يصلح أن يكون بينه والأئمة واحد هذا في الغالب وكذلك الحَمّادَين, والحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- له في آخر المجلد السابع من سير أعلام النبلاء قواعد وضوابط ذكر فيها بعض ما يميز سفيان الثوري عن سفيان بن عيينة, وحمّاد بن زيد عن حمّاد بن سلمة، فيُرجع إليه, وكذلك يستعان بكتب تمييز المهمل, وألّف فيها الغسّاني وغيره, وكذلك استعانوا بالشروح شروح الكتب الستة وغيرها من الكتب, فإنّ الأئمة إذا ذكروا الراوي مهملا فإنّهم يميزونه في الشرح فيقولون: المراد كذا؛ لأنهم وقفوا عليه في طريق أخرى, مميزًا من غيره منسوبًا إلى أبيه, وأحيانًا يستغرق الأمر, كما لو قال الإمام البخاري: حدثنا محمد, فهذا يختلف فيه الشراح كثيرًا, ولو لم نستطع في أقل الاحتمال أن نميز سفيان عن سفيان, ولا حمّاد عن حمّاد مع ما بينهم من التفاوت اليسير, فكلهم ثقات فالحديث صحيحٌ على أي حال, سواء كان عن سفيان الثوري, أوعن سفيان بن عيينة, عن حماد بن زيد, أوعن حماد بن سلمة،كلهم ثقات فالحديث صحيح على أي حال, وكذلك في بعض الإطلاقات كأن يقول المحدثون عند إرادة تعليل الأخبار: فيه ابن أبي ليلى, إذا ضعّفوا الحديث بابن أبي ليلى فالمراد به الابن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى, وإن أرادوا أحدًا من إخوته سموه, وإن صححوا الحديث وقبلوه فالمراد به الأب عبد الرحمن بن أبي ليلي وهو من رواة الصحيح, وأما ابنه محمد الفقيه المعروف المشهور الذائع الصيت في الفقه فإنه رُمي بسوء الحفظ, وضُعّف من قبل حفظه, وشهرته في الفقه معروفة, وضَعْفُه من قِبل حفظه معروف عند أهل العلم فيميز بينهما, إذا ضعّف فالمراد محمد بن أبي ليلى الفقيه الذي يدور اسمه كثيرًا, وكثير من طلاب العلم يشكل عليهم إذا ذُكر قولٌ فقهي في كتب الفقه عند ابن قدامة أو عند النووي أو عند غيرهما ممن ينقل الخلاف قال: قال به فلان وفلان وابن أبي ليلى, فيرجع في ترجمته يجده مضعفًا, فيستكثر من دوران اسمه في كتب الأئمة والعلماء مع أنه مضعف, ويرجع في ترجمة والده فإذا هو ثقة, وقد يحصل اللبس بهذا مع أن الفقيه هو المضعف بسوء حفظه, والثقة هو الأب الذي لم يعرف بفقه وإنما عرف بالرواية, ويتصور أن توجد قوة من جهة, وضعف من جهة؛ لأن الجهات منفكة, فالشخص قد يهتم ويعتني بفن من فنون العلم وفرع من فروع المعرفة ويتقنه ويضبطه ويغفل عما عداه, فابن اسحاق مثلاً إمام في المغازي لكنه في الرواية أقل, ابن أبي ليلى فقيه مشهور لكنه في الحديث أقل, أبو حنيفة قيل فيه الإمام الأعظم، يلقبونه بذلك، ومع ذلك في حديثه كلام لأهل العلم, عاصم بن أبي النجود القارئ المشهور قالوا في حفظه شيء, لكن إذا اتجهت همة الإنسان إلى فرع من فروع المعرفة ضبطه وأتقنه وغفل عما عداه، حاشا الأئمة الكبار الذين جمع الله لهم من أنواع العلوم والمعارف وضبطوها وأتقنوها كلها, لكن معروف أن الإنسان طاقته محدوده, فإذا اتجه إلى شيء وغفل عن غيره يمكن أن يُوَثّق في باب, ويضعف في باب ولا مانع من ذلك وهو مُتَصور.

المقدم : هل من توجيه للأمور الملتبسة في مثل هذا لطلاب العلم؟

لا بد أن يُعرف أصل المسألة, وأن الإنسان مهما أوتي من قوة في الحفظ والفهم لن يدرك جميع العلم, والله -جل وعلا- يقول ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ سورة الإسراء، آية: 85 قد تجد الإنسان متوسعا متبحرا في كثير من الفنون والعلوم، لكن لا بد أن يوجد عنده خلل, وبعضهم يصرف همته إلى علم بعينه ويغفل عما عداه, فتجده يضبط هذا العلم ويغفل عما عداه, فيضعف فيه وهذه قدرات.

المصدر: برنامج فتاوى نور على الدرب، الحلقة الثامنة والعشرون، 25/2/1432.