المفاضلة بين حفظ المتن من كتاب كبير وبين حفظه من كتيِّب صغير

السؤال
عند حفظ المتن ما هو الأفضل: حفظه من كتاب كبير، أم من الكتيبات الصغيرة التي بحجم الجيب؟
الجواب

إذا كان المتن مضبوطًا في طباعته مصححًا معتنًى به مشكولًا بالنسبة لما يُشكِل فالحفظ منه سواء كان حجمه كبيرًا أو صغيرًا لا يختلف، إلا أن الحجم الكبير أوضح في القراءة، وإذا اتَّضحت الحروف وسهلت القراءة أعان على الحفظ.

وإن كان قصده بالكتاب الكبير: المتن المطبوع مع شرح أو حاشية فالمتن الخالص دون خلطِ شرحٍ أو حاشيةٍ معه أولى أن يُعتمد عليه في الحفظ؛ لأن النظر في المتن قد ينزل إلى الشرح أو الحاشية ويتشتت نظره، فيحتاج إلى وقت أطول في الحفظ، ففي حال الحفظ ينبغي أن يكون الفكر متَّجهًا إلى ما يُقصد حفظه، حتى قالوا: إنه بالنسبة للحفظ ينبغي أن يكون المكان صغيرًا، فإذا كان كبيرًا فليكن قرب حائطٍ؛ لئلا يتشتت نظره فيتشتت ذهنه، بخلاف الفهم، فإذا أراد أن يفهم شيئًا ينبغي أن يكون المكان فيه فسحة وسعة؛ لأنه أدعى لأن يتفتق الذهن ويفهم، هذا كلامهم في كتب أدب الطلب.

وعلى كل حال ليس الإشكال في الكتاب، سواء أكان حجمه كبيرًا أم كان حجمه صغيرًا، لكن بقدر ما هو أحصر للذهن؛ لأن بعض الطباعات إذا ضُغطت الحروف في الصفحة قد لا يتمكن الناظر من تصوُّرها، والأصل أن الطالب المريد للحفظ يتصوَّر الورقة وترسخ الكلمات وأماكنها في السطر، وهذا يعينه على الحفظ، وهذا إذا كان الحرف أكبر كان أيسر في الحفظ.

وإذا كان -مثل ما أشرنا- القصد من الكتاب الكبير: المخلوط بين متنٍ وشرحٍ وحاشيةٍ فمثل هذا لا يصلح للحفظ؛ لأن الذهن يتشتت حينئذٍ، وليقتصر على المتن المراد حفظه.

هذا بالنسبة للحفظ، وإذا أراد أن يراجع ما يُشكِل عليه من هذا المتن؛ لأن الحفظ قد يترتب على الفهم، فإذا فهم الجملة سهل عليه حفظها، وإذا استغلق عليه فهمها قد يصعب حفظها، إلا في حال الصغر فقد يحفظ ولا يفهم، لكن بالنسبة للكبير أو المتوسط لا بد أن يفهم قبل أن يحفظ، فمثل هذا يقرأ في المتن ويحفظ منه ويراجع الشرح حينما يستغلق عليه شيء من الجمل؛ ليسهل حفظه حينئذٍ، والله أعلم.

وقد يقول البعض بأنه ليس هناك حاجة الآن للحفظ وقد توفرت الكتب والتسجيلات لهذه المتون، وهذا الكلام ليس بصحيح في العلوم الشرعية، فالعلوم الشرعية لا بد فيها من الحفظ لا سيما النص المعتمد عليه في تقرير المسائل، فلا بد من حفظ النصوص من الكتاب والسنة، وأما مجرد الفهم فلا يغني لا سيما في القرآن الذي هو متعبَّد بتلاوته، ولا يصح فيه روايةٌ بالمعنى، والسنة كذلك لكنها ليست مثل القرآن، فتجوز روايتها بالمعنى، لكن بقدر ما يحفظ الطالب تكون خزينته العلمية ورصيده العلمي الذي يبني عليه علمَه من كلام العلماء الذين وضَّحوا كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، أما شخص ما عنده محفوظ فكيف يبني عليه علمًا؟! لأن المحفوظ هو الأصل، وعلمٌ بدون محفوظ كبناء بلا أساس، والله أعلم.