أفضل الطبعات المتكاملة لتفسيري (القرطبي) و(ابن كثير)

السؤال
ما أفضل طبعة متكامِلة وجيِّدة لـ(تفسير القرطبي) ولـ(تفسير ابن كثير)؟
الجواب

(القرطبي) طُبع في دار الكتب المصرية أول طبعة سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وخمسين أو اثنتين وخمسين، والمجلد الأول والثاني ليس فيهما أثر للتحقيق، ولم تُذكر فيهما الآيات -كما هو الأصل في أصل التفسير ليس فيه آيات-، وليس فيهما إحالات ولا تعليقات، بدأت الإحالات والتعليقات من المجلد الثالث في الطبعة الأولى، وذكروا فيه الآيات إلى آخر العشرين المجلد من هذا التفسير، وهي طبعة نفيسة، لكن التي بعدها من الطبعات في دار الكتب المصرية –الثانية- وُجد فيها إحالات وتعليقات أكثر، ثم بعد ذلك الطبعة الأخيرة التي بدأت من سنة ألف وثلاثمائة وثمان وستين إلى خمس وثمانين هذه الطبعة أكمل في التعليقات والإحالات؛ لأن بعض مجلداتها قوبل على ثلاث عشرة نسخة، وبعضها على عشر، وبعضها على أقل أو أكثر، المقصود أنها معتنىً بها، وإحالاتها تامة في جميع الكتاب على ما تقدم وعلى ما سيأتي، وهذه معينة للطالب في استيعاب المسألة، فإذا أُحيل على موضع سبق أو موضع لاحق واطَّلع عليه، جمع أطراف المسألة، فعندي أن هذه الطبعة أنفع من الطبعات التي قبلها –أعني: التي تبدأ من سنة ثمان وستين أو اثنتين وسبعين نسيتُ الآن- لكن فيها الإحالات كاملة، وحُقِّقتْ على نسخ كثيرة، وفيها أيضًا تعليقات نفيسة ممن أشرف على طبعه في الدار -دار الكتب المصرية-، وطُبع طبعات حديثة اُدُّعي تحقيقها، ولا تسلم من ملاحظات، وفيها أيضًا قصور في التخريج والتعليق على المسائل العقدية، وأما الطبعة المصرية فليس فيها شيء من تخريج الأحاديث، ولا التعليق على الخلاف في العقائد؛ لأن المفسِّر القرطبي جرى على طريقة الأشاعرة، فلو قُدِّر أن هذه الطبعة استُكمل فيها تخريج الأحاديث، لا سيما وأن القرطبي ليس من أهل الحديث، فيورِد الأحاديث الضعيفة، وقد يورد حديثًا من (سنن ابن ماجه) وهو موجود في (البخاري)، فليس من أهل الصناعة، فلو خُرِّجت أحاديثه على الطريقة الصحيحة السليمة عند أهل العلم -أعني على هذه الطبعة- وعُلِّق على المسائل التي خالف فيها القرطبي طريقةَ أهل السنة والجماعة لكانت الطبعة كاملة.

المقصود أن (تفسير القرطبي) تفسير عظيم جامع وشامل للأحكام والكلام على اللغة بفروعها، فهو تفسير يُنصَح به كل طالب علم، وإن كان طويلًا، لكنه مرتَّب ومنظَّم بطريقة بديعة، ويتكلم على بعض الآيات من عشرة أوجه، أو من عشرين وجهًا، وأحيانًا يقول: في هذه الآية ستون مسألة، فهو تفسير نافع وبديع، يبقى عليه من الملاحظات: المخالفات العقدية، والنزول في تخريج الأحاديث، فقد يُخرِّج من كتاب مفضول أو فرع وهو موجود في الأصول، وعلى كل حال الكمال لله ولكتابه.

وأما (تفسير ابن كثير) فهو أيضًا طُبع طبعات كثيرة جدًّا، وأول ما طُبع في مطبعة بولاق على حاشية (تفسير فتح البيان) لصدِّيق حسن خان، لكن هذه الطبعة ليس فيها عناية، وفيها أخطاء كما قال الشيخ أحمد شاكر والشيخ محمد رشيد رضا، ثم طُبع بعد ذلك في مطبعة المنار بإشراف الشيخ محمد رشيد رضا، وطُبع معه (تفسير البغوي)، وهذه طبعة في الجملة طيبة وصحيحة إلى حدٍّ ما، وطُبع بعد ذلك مرارًا في مطبعة الاستقامة، وفي مطبعة الحلبي، طبعات كثيرة جدًّا، ومن أصح الطبعات لـ(تفسير ابن كثير) طبعة الشَّعب في ثمانية أجزاء، لكن لنعلم أن الحافظ ابن كثير ألَّف تفسيره على مراحل، وأول ما كتب فيه من التفسير سورة الأنعام، فلما أكمله رجع إلى أوله، وكان يلقيه إلقاءً ولا يكتب، وطبعة الشَّعب اعتُمد فيها على النسخة الأزهرية التي هي أقدم النسخ، ولذلك تجد في النسخ الثانية الخطية التي بعد الأزهرية وما تفرَّع عنها من مطبوعات كطبعة الشيخ محمد رشيد رضا وما بعدها من الطبعات تجد نقولًا عن الزمخشري والرازي والقرطبي وتفاسير أخرى لا تجدها في طبعة الشعب؛ لأنها لا توجد في العرضة الأولى من التفسير، وإنما أُلحِقت إلحاقًا، لكن ما يوجد في طبعة الشعب في الجملة من أصح الطبعات وأنفسها، فيضاف إليه تلك الإضافات التي أضافها ابن كثير على تفسيره فيما بعد.

المقصود أن طبعة الشعب طيبة، وطبعة الشيخ محمد رشيد رضا إلى حدًّ ما، فيها أغلاط وفيها أسقاط يسيرة، لكنها طيبة. ونُشِر في الأخير نشرات كثيرة وعليها علامات وآثار للتحقيق منها طبعة أولاد الشيخ -وهي مطبعة بمصر اسمها مطبعة أولاد الشيخ-، هذه طبعة نفيسة وعليها تعليق، وتحقيق، ومقابلة نسخ، وتخريج أحاديث، في خمسة عشر جزءًا، وأيضا طُبع في مطبعة طيبة محقَّقًا على عدة نسخ، وطبعه ابن الجوزي كاملًا محققًا على عدة نسخ، وكل هذه الطبعات لا تسلم من انتقادات، لكن مع ذلك بمجموعها يحصل الخير -إن شاء الله تعالى-.