معنى قول الله تعالى: {عَلِم الله أنكم ستذكرونهنَّ ولكن لا تواعدوهنَّ سرًّا}

السؤال
ما معنى قول الله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا}؟
الجواب

في قول الله -جل وعلا-: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} [البقرة: 235]، خِطبة المعتدَّة محرَّمة، ولكن قد تَرِد على خاطر أحد فيذكرها في نفسه، وهذا النوع لا يُؤاخَذ عليه، ولو تردَّد في نفسه؛ لأن حديث النفس معفوٌّ عنه، فمراتب القصد الخمس كلُّها معفوٌّ عنها إلا العزم، فالهاجس، والخاطر، وحديث النفس، والهم، والعزم، كلُّها معفوٌّ عنها إلا العزم، ولذا يقول الشاعر:

مراتبُ القَصْدِ خمسٌ: هاجسٌ ذَكَروا،
   

 

فخاطرٌ، فحديثُ النفسِ فاستمعا
        

يليه همٌّ، فعزمٌ، كلُّها رُفعتْ
 

 

إلا الأخير ففيه الأَخذُ قد وَقَعا
 

أما الطبري إمام المفسرين فقد قال: (اختلف أهل التأويل في معنى السر الذي نهى الله تعالى عباده عن مُواعدة المعتدات به، فقال بعضهم: هو الزنا،...وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تأخذوا ميثاقهنَّ وعهودهنَّ في عِددهنَّ ألَّا ينكحنَ غيركم،...وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يقول لها الرجل: لا تسبقيني بنفسك -يعني: من باب التعريض لا من باب التصريح-،...وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تنكحوهنَّ في عِدَّتهنَّ سرًّا،...قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك تأويل من قال: السر في هذا الموضع: الزنا، وذلك أن العرب تُسمِّي الجماع وغشيان الرجل للمرأة: سرًّا؛ لأن ذلك مما يكون بين الرجال والنساء في خفاء، غير ظاهر مطَّلَع عليه، فيُسمى لخفائه: سرًّا،...{إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [البقرة: 235] معناه: ولكن قولوا قولًا معروفًا، فأباح الله تعالى ذكره أن يقول لها المعروف من القول في عِدَّتها، وذلك هو ما أذن له بقوله: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235])، يعني: من التعريض.

وأما الحافظ ابن كثير -رحمه الله- فجنح إلى أن الذِّكر المذكور {سَتَذْكُرُونَهُنَّ} يعني: في أنفسكم، يقول: ({عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} أي: في أنفسكم، فرَفع الحرج عنكم في ذلك، ثم قال: {وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}، قال أبو مجلز، وأبو الشعثاء، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وقتادة، والضحاك، والربيع بن أنس، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان، والسُّدي: يعني: الزنا، وهو معنى رواية العوفي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير. وقال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس: {وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} لا تقل لها: إني عاشق، وعاهديني ألَّا تتزوجي غيري، ونحو هذا)، وكل هذا من باب التصريح الذي جاء منعه وتحريمه.