الإشارة إلى الكتاب في مطلع سورة البقرة بـ(ذلك)

السؤال
سؤال محيرني، قال الله تعالى: {الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1-2]، و(ذلك) اسم إشارة للبعيد، فلماذا لم يقل: (هذا الكتاب)؟
الجواب

هذه الإشارة الأصل فيها أنها للبعيد، و(هذا) للقريب، ولكن البعد منه البعد المكاني ومنه بُعد المكانة، فلعلو مكانته ومنزلته أشير إليه بـ(ذلك)، علمًا بأن (ذلك) كما في (تفسير القرطبي) قد تُستعمل في الإشارة إلى حاضر ولو كانت موضوعة للإشارة إلى غائب، كما قال الله في الإخبار عن نفسه -جل وعز-: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [السجدة: 6]، فالمقصود أنها لبُعد مكانته وعلو منزلته أشير إليه بالإشارة إلى البعيد، ومثل هذه تتقارض، فقد يُشار إلى القريب بـ(ذلك) كما هنا، وقد يُشار إلى البعيد بـ(هذا)، وقد يُشار إلى الغائب بـ(هذا) كما في قول كثير من أهل العلم إذا ألَّف كتابًا وكتب مقدمته قبل التأليف: (أما بعد: فهذا كتاب)، وهو ليس بموجود، فالإشارة إلى معدوم، وقالوا: إن هذا من باب الوجود الذهني، فهو حاضر في الذهن، فيُشار إليه بـ(هذا)؛ لأنه حاضر في الذهن، وإذا كان حاضرًا في الواقع فهذا هو الأصل، كما لو كتب المقدمة بعد التأليف والكتاب جاهز بين يديه يقول: (أما بعد: فهذا كتاب...) إلى آخره، فمثل هذه الأمور لا يوقف عند ألفاظها، فاستعمالاتها على وجوه، ومنها هذا، والله أعلم.