كتاب (المُدرَج) للحافظ ابن حجر، وإشارته إليه في (فتح الباري)

السؤال
عند قراءتنا لـ(فتح الباري) للحافظ ابن حجر، المجلد الخامس، طبعة دار السلام، وكذلك الطبعة السلفية، ذكر الشيخ ابن حجر -رحمه الله- أن له كتابًا اسمه: (المُدرَج)، وعند البحث عنه لم أجده، فهل هذا الكتاب موجود ومطبوع؟
الجواب

المُدرَج من الحديث نوعٌ من أنواعه يُسمَّى بهذا الاسم، وهو ما يُضيفه الراوي من كلامه إلى الحديث المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من غير إشارةٍ إلى أنه مَزيْد، ويكون الإدراج تارةً في أول الحديث، ويكون في أثنائه، وهو أكثر مما في أوله، ويكون في آخره، وهذا هو الكثير الغالب، وغالبًا ما يكون من باب التفسير للمرفوع، يذكره الراوي تفسيرًا لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من غير إشارة، ويتبيَّن أنه من كلام الراوي بطرق الحديث الأخرى، حيث لا يُذكَر فيها، وأحيانًا يُبيِّن الراوي أو يُبيَّن عنه في روايات أخرى أنه من قول فلان، أو فلان.

على كل حال، الأمر لم يلتبس عند أهل العلم، ولم يختلط كلام أحد بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا أمرٌ معروف، ومقرَّر عند أهل العلم، ولا إشكال فيه، ووُجد في أحاديث في (البخاري) و(مسلم) فيها إدراج، ولم يختلط ذلك على أهل العلم، وميَّزوه وبيَّنوه، وفصلوا كلام النبوَّة عن كلام مَن جاء بعده من الرواة، فهذا الأمر معروف مقرَّر، وليس فيه مُتمسَّك لأحد بأن يُقال: أُضيف إلى الحديث أو أُدخل فيه ما ليس منه، فالعلماء ميَّزوا ذلك وبيَّنوه، والراوي أحيانًا يَذكر أنه من كلامه، ويَذكر أحيانًا ما يدل على أنه ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، كأن يَذكر الراوي الإدراجَ من كلامه ثم يقول: فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: كذا، كما في قول أبي هريرة -رضي الله عنه-: أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: «ويلٌ للأعقاب من النار» [البخاري: 165].

على كل حال هذا أمر لا يلتبس عند أهل العلم ولا عند طلاب العلم، وهو معروف ومميَّز في كتب الحديث، لكن جُمعتْ هذه الفقرات أو المُدرجات في كتب، وأُلِّف فيها، ومُيِّزَتْ عن غيرها، من ذلكم: الخطيب البغدادي له كتابٌ في (المُدرَج)، وكطريقته في سائر أنواع علوم الحديث، قلَّ فنٌّ من فنون الحديث إلا ويؤلِّف فيه كتابًا، ومنها: (المُدرَج)، والحافظ ابن حجر جاء إلى كتاب الخطيب فرتَّبه وسمَّى كتابه: (تقريب المنهج بترتيب المُدرَج)، وجاء بعده السيوطي فاختصر كتاب الحافظ ابن حجر وسماه: (المَدرَج إلى المُدرَج)، وكتاب السيوطي مطبوع ومعروف، ولمن جاء من المتأخرين في هذا الباب مشاركات كالغماري وغيره، وعلى كل حال كتاب الخطيب لا أعرف أنه طُبِع، وكذلك كتاب الحافظ ابن حجر، أما كتاب السيوطي فقد طُبِع منذ زمن، وتداوله الناس، ويمكن أن يكون قد طُبِع بعد ذلك كتاب الخطيب -الله أعلم-، لكنني لم أطَّلع عليه، والإحاطة اليوم بالمطبوعات شبه مستحيلة؛ لأن المطابع تَطبع بأمور خيالية وبكثرة هائلة، وتنوَّعتْ وتعدَّدتْ مواقعها وأماكنها، وكنا نتابع أيام الطلب، وبعد ذلك بعد التخرُّج بقليل، ثم لما كثُرت المشاغل انشغلنا عن متابعة الكتب، وإن كان مطبوعًا يُبيَّن -إن شاء الله-.