الرغبة في تعلُّم القراءات السبع مع خشية ضعف الذاكرة مستقبلًا

السؤال
أرغب في تعلم قراءات القرآن الكريم السبع، وأُحب هذا النوع من العلم، ولكن لكثرة الفروق في نطق الكلمات بين هذه القراءات أخشى أن تضعف ذاكرتي عن ضبطها، وبالتالي أقرأ القرآن بالتلفيق بينها في كثير من الأوقات لصعوبة مراجعة المراجع، أو وجود المعلم في كل وقت، فبم تنصحونني؟ وكيف يمكن أن أضبط هذا العلم الماتع؟
الجواب

هذا العلم العظيم المتعلِّق بالكتاب الكريم –القرآن- هذا تعلُّمه فرض كفاية، كغيره من العلوم الشرعية، لا بد أن يقوم به من يكفي من أهل العلم، ويبقى القدر الزائد على الكافي في حقِّ غيرهم سُنَّة.

وهذا النوع من العلم يحتاج إلى قوة في الحافظة، ودقَّة في إدراك الفروق بين القراءات، والقدر الزائد على مَن يكفي لو أخذ من هذا العلم بطرف، أو انصرف عنه بعد إتقان القرآن على قراءة واحدة إلى العلوم الأخرى كالحديث، أو التفسير –مثلًا-، أو العلوم الشرعية الأخرى التي هي من فروض الكفايات أيضًا، فيرى بعض العلماء أن هذا أنفع له من الاعتناء بالقراءات.

والحافظ العراقي توجَّه إلى القراءات في أول الأمر، ثم نصحه أحد شيوخه بأن تتبُّع القراءات والإحاطة بها والعناية بها قدرٌ زائدٌ على ضبط القرآن على قراءة واحدة، وهو مع ذلك يُشغل عن العلوم التي يحتاجها في أعماله، وديانته، وعباداته، كالحديث، والفقه، ومعرفة التوحيد الصحيح الصافي، والدعوة إليه، ونفي ما يضاده، فالعناية بهذه العلوم وصرف الهمم إليها يرى هذا الشيخ الذي أشار على الحافظ العراقي أنها أولى من تتبُّع القراءات بالقدر الزائد على ضبط القرآن على قراءة واحدة من القراءات المتواترة التي اعتُمد كل قراءة منها في قطرٍ من أقطار المسلمين وفي إقليمٍ من أقاليم المسلمين، فلو مشى على القراءة المشهورة في بلده واعتنى بها وضبطها وأتقنها، ثم بعد ذلك صرف همَّته إلى العلوم العملية التي تنفعه في دنياه وأخراه لكان أولى.

ولا يقال: إن علم القراءات لا فائدة فيه، أبدًا، بل قوي الحافظة الذي يستطيع أن يتقنها ويفرِّق بين ما بينها من دقائق، ويَصرف من الوقت ما يكفي للعلوم الأخرى لا شك أنه كمال، ولا شك أن العلوم تتفاوت حسب تفاوت أثرها على العبد فيما يحتاجه في دينه ودنياه، فما كان أنفع له صار أكثر أجرًا من غيره من العلوم التي لا تنفع، أو نفعها أقل.

ولا زلتُ أُكرِّر أن مَن كانت حافظته تسعفه لضبط القراءات كلها لا سيما المتواترة مع التفريق بين دقائقها فإن هذا مطلوب، وهو في الجملة فرض كفاية على الأمة، لكن ما يقال لكل المتعلمين: (اقرؤوا القراءات السبع وما زاد عليها، واصرفوا أوقاتكم فيها)، وإن كانت الحوافظ لا تُسعف وتحتاج إلى وقت طويل جدًّا، فتصدهم عما هو أنفع لهم، والله أعلم.