قراءة القرآن بتأثُّر وخشوع في حال دون حال

السؤال
نقرأ أحيانًا من كتاب الله فنتأثر ونبكي، ونقرأ الآيات نفسها في مكانٍ آخر أو في يومٍ آخر ولا نجد التأثُّر أو البكاء، فهل هذا من الرياء، أم من ضعف الإيمان، أم ماذا؟
الجواب

لا شك أن الإيمان يزيد وينقص، ففي بعض الحالات يزيد الإيمان ويرتفع ويحصل التأثُّر والبكاء والخشوع، وأحيانًا يغفل الإنسان فيقرأ ما قرأه بالأمس ولا يحصل التأثُّر، ولا شك أن القرآن مؤثِّر.

وقد يقول قائل: إننا نسمع الآيات من القارئ الفلاني فنتأثَّر ونبكي، ونسمع نفس الآيات من قارئٍ آخر ولا نتأثَّر! هذا كثير، فيقولون: صار تأثُّرنا بالصوت لا بالقرآن، فيُقال لهم: التأثُّر بالقرآن المتلو بهذا الصوت، بدليل أن هذا القارئ لو قرأ غير القرآن ما أثَّر، ولا شك أن تزيين القرآن بالصوت والتغني بالقرآن مطلوب؛ ليتأثَّر السامع، ومَن سمع أو قرأ القرآن كما قيل في ترجمة زرارة بن أوفى -رحمه الله-: إنه قرأ قول الله –جلَّ وعلا-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8] فأُغمي عليه ومات، هكذا قال أهل العلم، وشيخ الإسلام ابن تيمية يُثبِت مثل هذا، وأنه قد يصل به الأمر إلى الوفاة. قال قائل: هل زرارة بن أوفى أول مرة يقرأ هذه الآية؟ ولماذا لم يمت في المرة الأولى؟ يُقال: إن الإيمان يزيد وينقص، فوافق هذه المرة زيادة في الإيمان، وحصل منه ما حصل، وإن كان بعض العلماء ومنهم محمد بن سيرين يُشكِّك في مثل هذا، ويقول: (الذي يُغمى عليه ويُغشى عليه من سماع القرآن نجعله على جدار، فإن سقط فهو صادق). وشيخ الإسلام يقول: إنه ممكن، قالوا: الرسول –عليه الصلاة والسلام- ما حصل منه هذا، ولا الصحابة -رضي الله عنهم-، وإنما حصل فيمن بعدهم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، يقال لهم: القرآن قوي وثقيل ومؤثِّر في قلوب أهل الخشية والرِّقة، ولما نزل على قلب محمد –عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام الثقيل القوي نزل على قلبٍ قوي فاحتمله ولم يحصل منه شيء، وكذلك الصحابة –رضوان الله عليهم-، وفيمن بعدهم ظل استشعار القوة للقرآن مع ضعف المورود -ضعف القلوب-، فحصل التأثر إلى هذا الحد، ثم بعد ذلك خلفتْ خلوفٌ لا يستشعرون قوة وعظمة القرآن، والقلوب ضعيفة، فلا يحصل شيء. وعلى كل حال هذا ما يُقرِّره شيخ الإسلام.

وأما بالنسبة لملازمة القرآن، والاستفادة منه، والاستعانة بالله -عزَّ وجلَّ- للتأثُّر به، فقد جاء في الحديث الصحيح أن «مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {الم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» [الترمذي: 2910]، والقرآن أكثر من ثلاثمائة ألف حرف، ففي الختمة الواحدة ثلاثة ملايين حسنة، والختمة إما أن تؤدَّى على الحدر في أسرع فرصة، والقراءة المعتدلة من ربع ساعة إلى ثلث ساعة للجزء الواحد، فتكون الختمة في عشر ساعات، أي ثلاثة ملايين حسنة في عشر ساعات، وإما أن تؤدَّى بالوجه المأمور به الذي هو التدبُّر والترتيل، والأجر في ذلك أضعاف أضعاف ما جاء في أجر الحروف، فينقص عدد الختمات بالنسبة لأجر الهذِّ والحدر. وابن القيم يُمثِّل مَن خَتم عشر مرات بالحدر، ومَن ختم مرتين أو ثلاثًا -مثلًا- بالترتيل: أن الذي قرأ بالحدر كمَن قدَّم عددًا من الدُّرر الصغيرة قيمتها ألف، والذي قرأ بالترتيل كمَن قدَّم دُرَّةً بعشرة آلاف، فبينهما فرق ولو قَلَّ عدد الختمات وعدد الحروف المقروءة.

وبالتَّدبُرِ والتَّرْتِيْلِ فاتْلُ كِتَا
 

 

بَ اللهِ لا سِيَّمَا في حِنْدِسِ الظُلَمِ
 

وقراءة القرآن على الوجه المأمور به -كما يقول شيخ الإسلام- تُورِث القلب من الإيمان والعلم والطمأنينة ما لا يُدركه إلا من فعله.

فَتدبَّرِ القُرآنَ إن رُمتَ الهُدى
 

 

فالعِلمُ تحتَ تَدبُّر القُرآنِ
 

والله أعلم.