سبب كثرة العلماء الذين أكملوا شرح (صحيح مسلم) بعد كتاب (المُعلِم)

السؤال
ما السبب في كثرة العلماء الذين أكملوا شرح (صحيح مسلم) بعد كتاب (المُعلِم)، هل هو الموت، أو تقاسم الأبواب بينهم؟
الجواب

(صحيح مسلم) بُدِئ بشرحه من قِبل أبي عبد الله المازري في (المُعلِم في شرح صحيح مسلم)، وهذا الكتاب نواةٌ لما جاء بعده من الشروح، وهو مختصرٌ جدًّا، طُبِع في ثلاثة أجزاء متوسِّطة، وهذا الشرح فيه فوائد وفيه متانة، لكنه فيه إِعْوَاز كبير، فطالب العلم الذي يقرأ فيه يستفيد لكن لا يَشفي غليله ولا يُروي ظمأه.

ثم بعد المازري جاء القاضي عياض، فأكمل ما نقص عند المازري في كتابٍ أسماه: (إكمال المُعلِم في شرح صحيح مسلم)، فبدأت السلسلة من (المُعلِم)، وكمَّل القاضي عياض هذا النقص الذي في (المُعلِم)، وبقي نقص، فشرْح (صحيح مسلم) لم يتكامل في شرح المازري أو القاضي عياض.

ثم جاء الأُبي فصنَّف (إكمال إكمال المُعلِم)، كمَّل فيه ما نقص في كتاب القاضي عياض.

ثم جاء السنوسي فألَّف (مُكمِّل إكمال الإكمال).

والمازري مرَّ على الكتاب جميعه، وشرحه من أوله إلى آخره، فما يُقال: مات، ثم جاء فلان وأكمل! لا، ثم القاضي عياض كذلك أكمل ما نقص في الكُتب والأبواب من كتاب المازري، ولا يُقال: إنه كمَّل نقصًا متكاملًا في أبواب أو في كُتب، لا، وإنما في مسائل، ثم بعد ذلك جاء الأُبي فكمَّل ما يراه ناقصًا في كتاب القاضي عياض في مواضعه، أي: موزَّع على الكتاب، ثم بعد ذلك جاء السنوسي فصنَّف (مُكمِّل إكمال الإكمال)، وبقي إعواز، فالكتاب يحتاج إلى شرح مستفيض مثل شروح (البخاري).

وأبو العباس القرطبي شيخ أبي عبد الله القرطبي صاحب التفسير اختصر (صحيح مسلم)، ثم شرح هذا المختصر بشرحٍ نفيسٍ جدًّا سمَّاه: (المُفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)، وفيه فوائد كثيرة، وفيه إشكالات في مسائل الاعتقاد كغيره، فكل هذه الكُتب عليها ملاحظات؛ لأنها أُلِّفتْ على مذهب الأشعرية.

ثم بعد ذلك كم ترك الأول للآخر، هناك شروح لمتأخرين من الهنود وغيرهم فيها فوائد تُضَم إلى ما تقدَّم من الشروح، ومع ذلك (صحيح مسلم) بحاجة إلى شرح متكامل مُنضَّد ومنظَّم على طريقة الشروح وليس بإكمالات: كل واحد يُكمِل، نعم هذه المؤلَّفة تجعل المادة موجودة ومجموعة لمن يُريد الشرح.

ومن المتأخرين الذين شرحوا (صحيح مسلم) محمد علي آدم المدرس بالمسجد الحرام، وهذا شرح مطوَّل ونفيس، لكن المسألة أن (مسلم) فيه إشكالات، ونحن نشرحه في الدروس وتَمُرُّ علينا، ونناقشها مع الطلاب، وهي مدوَّنة في مواضعها عندنا، والذين شرحوا أشاروا إلى بعضها، فالمسألة أن (صحيح مسلم) ما أُعطي قدره مثل ما أُعطي (صحيح البخاري) من الشروح، وإن كانت الشروح إذا اجتمعتْ كلها يتكون لطالب العلم مادة علمية قد تفي بالغرض.

وقول السائل: (ما السبب في كثرة العلماء الذين أكملوا شرح (صحيح مسلم) بعد كتاب (المُعلِم)، هل هو الموت؟)، لا، المازري في قرارة نفسه أنه أكمل شرح (صحيح مسلم)، فشرَح الكتاب من أوله إلى آخره، لكن كم ترك الأول للآخر، وكذلك القاضي عياض.

ويقول: (أو تقاسم الأبواب بينهم؟)! بينهم مفاوز في الوفاة، كيف يتقاسمون الأبواب؟! بل كل مؤلِّفٍ ألَّف كتابًا حول الصحيح من أوله إلى آخره، لكن هناك إعواز في بحث المسائل، وهناك إغفال لبعض المسائل...إلى آخره، فكلٌّ يأتي فيُكمِّل ما يرى الكتاب بحاجةٍ إليه، ويرى طلاب العلم يحتاجونه، وليس الاحتمالان اللذان ذكرهما السائل صحيحين، وإنما مردُّه إلى ما ذكرنا، والله أعلم.