معنى قول الله تعالى: {ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا}

السؤال
ما معنى قول الله تعالى: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}؟ وفيمن نزلت؟
الجواب

قوله -جل علا-: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}، قبله قوله -جل علا-: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عمران: 188]، يقول المفسرون: يعني بذلك: المرائين المتكثِّرين بما لم يُعطَوا، فالذي يدَّعي لنفسه الدعاوى الطويلة العريضة ويقول: (أنا فعلتُ، وأنا فعلتُ، وأنا فعلتُ)، ولم يفعل من ذلك شيئًا أو فعل بعضه متكثِّرًا بذلك كما جاء في الحديث: «المُتشبِّع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور» [البخاري: 5219]، هؤلاء لا تحسبنَّهم بمفازة أي: بمنأى عن العذاب. {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} حب المدح والثناء جاء ذمه كثيرًا، وجاء مدح إخفاء العمل، يقول ابن القيم -رحمه الله- في (الفوائد) ما معناه: (إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حبِّك للثناء فاذبحه بسكين علمك ويقينك أنه لا أحد ينفع مدحه ويضر ذمُّه إلا الله -جل علا-)، وذكر حديث الأعرابي الذي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، إن حمدي زين، وإن ذمي شين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ذاك الله عز وجل» [الترمذي: 3267].

والذم جاء فيمن يُحب أن يُحمد بما لم يفعل، وأشار بعض أهل العلم أنه ليس في هذا ما يدل على ذم مَن يُحب أن يُمدح بما فعل، ولكن السلف والأئمة يَضرِبون عن بعض القيود صفحًا، ففي مثل هذا يمنعون حب المدح بالكلية سواء كان فيما فعله أو فيما لم يفعله، وإن كان القيد صريحًا في الآية، لماذا؟ احتياطًا للنفس؛ لأن الإنسان إذا استشرف للمدح بما يفعل استشرفتْ نفسه لما وراء ذلك: أن يُمدح بما لم يفعل. نظير ذلك: «فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» [البخاري: 3208]، هذا النص بهذا اللفظ يجعل المسلم على خوفٍ ووجلٍ واهتمامٍ واحتياطٍ ومراقبةٍ لحسن الخاتمة، وفي حديث آخر وهو صحيح: «إن الرجل ليعمل عملَ أهل الجنة، فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار» [البخاري: 2898]، فالأئمة والسلف لا ينظرون إلى مسألة «فيما يبدو للناس»، لماذا؟ لأنه إذا استصحب هذا حدثتْه نفسه أنه مخلص، وأنه لا يدخل في هذا الحديث؛ لأنه يعمل لله -جل علا- لا فيما يبدو للناس.

على كل حال مثل هذه القيود الدقيقة التي يفهمها أصحاب القلوب الحية السليمة يذكرها أهل العلم وأهل العمل والتقوى والعبادة، وما يأتي وراء ذلك زيادة خير وفضل، وإلا فالنص في الآية فيمن {يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}، فإذا أحب أن يُحمد بما فعل فمفهوم الآية أنه لا شيء فيه، لكن وما يدريك أنك إذا أحببتَ ذلك واستشرفتَ له بأن تُحب أن يمدحك الناس بأعمالك الصالحة: أن النفس تهفو إلى الزيادة من المدح حتى تتطاول إلى أن تُمدح بما لم تفعل، فتدخل في الوعيد في الآية، وكذلك النص والقيد ظاهر في قوله: «فيما يبدو للناس»، فالسلف لا يلتفتون إلى مثل هذا، وينظرون إلى حسن العاقبة وحسن الخاتمة بغض النظر عن كونه عَمِل مخلصًا أو في إخلاصه شيء، إنما ينظرون إلى العاقبة وحسن الخاتمة، والله أعلم.