أقوال أهل الحديث في زيادة الثقة

السؤال
ما أرجح أقوال أئمة الحديث في مسألة زيادة الثقة؟
الجواب

زيادة الثقة بالنسبة للقواعد المتَّبعة المطَّردة عند المتأخرين يختلفون فيها، فمنهم مَن يقول: تُقبل الزيادة مطلقًا؛ لأن كون هذه الزيادة خفيتْ على غيره ليس بحجة على من حفظها، فمَن حفظ حجة على مَن لم يحفظ، فيُطلقون أن الزيادة من الثقة مقبولة، فتُقبل مطلقًا.

والقول الثاني: أنها مردودة مطلقًا؛ لأن القدر المتفَق عليه في الحديث دون الزيادة، وهذه الزيادة مشكوكٌ فيها، والأصل الاحتياط للرواية، فلا تُقبل هذه الزيادة.

ومنهم مَن يقول: الحكم للأحفظ.

ومنهم من يقول: الحكم للأكثر.

هذه قواعد مطَّردة موجودة في كلام العلماء، لكن يبقى أننا لو نظرنا إلى أحكام الأئمة على هذه الزيادات -وفي حكمها الاختلاف في الوصل والإرسال والوقف والرفع-، لا شك أننا إذا قارنا بين أقوال الأئمة لوجدنا أنه لا قاعدة لهم مطَّردة في ذلك، فتجد الإمام أحمد يقبل هذه الزيادة ويرد تلك الزيادة، ويقبل الوصل من هذا، ويقبل الإرسال من ذاك، ويقبل الوقف في هذا الحديث، ويقبل الرفع في حديث آخر، فليست لديهم قواعد مطَّردة، وإنما يحكمون على الأحاديث بجملتها أو بأبعاضها وجُمَلها من زيادات وغيرها بالقرائن، فالذي ترجِّحه القرائن يحكمون به، ولذلك قد تجد الحديث فيه زيادة يقبلها أحمد ويردها البخاري، أو تجد الحديث يقبله أحمد موقوفًا، ويقبله البخاري مرفوعًا، ويقبله ابن معين موصولًا، ويحكم عليه أبو حاتم بأنه مرسل، وهكذا، فلا تجد قاعدة مطَّردة، وإنما الحكم عند الأئمة المتقدمين للقرائن.

لكن متى يستطيع طالب العلم أن يحاكي المتقدمين في معرفة القرائن؟ إذا صافَّهم وساواهم في المحفوظ؛ لأن العلمَ علمُ حفظٍ، فيحتاج إلى حفظٍ بحيث يحكم بجميع ما جاء في الباب على بعضه، فإذا رأى أن هذا الخبر بالنسبة لمرويات فلان يُشبه أن يكون محفوظًا قبِله، وإذا كان بعد عرضه على مروياته ومرويات غيره يُشبه أن يكون غير محفوظ -ولو كان هو من أحفظ الناس- ردَّه.

وإذا نظرنا إلى حديث: «لا نكاح إلا بوَليٍّ» [أبو داود: 2085]، حكم البخاري بوصله، مع أن مَن أرسله كالجبل: شعبة، وسفيان، لكن هناك قرائن لا يُدركها آحاد المتعلمين، ومَن أراد نموذجًا لهذه القرائن فليقرأ ما كتبه الترمذي حول هذا الحديث، فهو يعرف أن المسألة فيها دِقَّة وشفوف لا تتهيأ لكثير من المتعلمين، فقد يُفني الإنسان عمره في التخريج ودراسة الأسانيد وجمع الطرق، ومع ذلك ما شم رائحةً لهذه القرائن؛ لأن المسألة تحتاج إلى استيعاب لأحاديث الباب، ودون ذلك خَرْط القتاد، فأين المتعلِّم في أزماننا -بل قبلنا بقرون- ممن يحفظ سبعمائة ألف حديث، أو ستمائة ألف حديث، إلى مائة ألف حديث؟ مَن يحفظ هذا القدر؟ لا شك أن مَن يحفظ مثل هذه الأعداد الهائلة، وقد أُوتي نَفَسًا حديثيًّا، لا شك أنه يحكم بالقرائن، ويوفَّق ويُسدَّد -بإذن الله-.