طلب الزوجة الطلاق بسبب تعامل زوج تزوجها وهي ثيِّب وذات أولاد

السؤال
امرأة داعية إلى الله -عز وجل- تقدَّم لها رجل داعية من طلبة الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه-، فقبلتْ به وقدَّمتْه على عدد كثير ممن تقدَّموا لها، علمًا أنها مطلقة وذات أطفال، فتزوجها هذا الرجل وعقد عليها بنفسه بحجة أنه مأذون شرعي، والآن مضى على زواجها شهران، ولم يُختم العقد لا من المحكمة ولا من المأذونية، وكذلك وليها في النكاح والشهود لم يوقعوا على دفتر الضبط، وكلما سافرتْ معه إلى منطقته حجز لها تذاكر الطائرة باسم زوجته الأولى، وأسكنها في شقة أو في فندق كذلك باسم زوجته الأولى، فماذا تفعل؟ هل تطلب منه الطلاق؟ علمًا أنها ناصحتْه ويرفض. وأرجو توجيه كلمة إلى الإخوة الذين يرغبون في التعدُّد أن يتقوا الله -عز وجل-.
الجواب

يقول: (فتزوجها هذا الرجل وعقد عليها بنفسه بحجة أنه مأذون شرعي)، يعني: حصل الإيجاب من الولي والقبول منه، بأن قال الولي: (زوجتك بنتي -أو أختي- فلانة)، فيقول: (قبلتُ)، بحضور شاهدين، هذا لا بد منه، وليس من الضرورة أن نأتي بمأذون، بل إذا حصل الإيجاب والقبول بحضور الولي والزوج والشهود، ورضا المرأة، فالعقد صحيح.

يقول: (والآن مضى على زواجها شهران، ولم يُختم العقد لا من المحكمة ولا من المأذونية)، نعم توثيق العقد إنما هو للإجراءات النظامية؛ للإلزام به فيما لو حصلتْ خصومة، وإلا فالأصل أن العقود الشرعية تتم بالإيجاب والقبول والشهادة.

(وكذلك وليها في النكاح والشهود لم يوقعوا على دفتر الضبط)، وجود مثل هذه الأمور توقع في النفس ريبةً أن هناك أمورًا يخفيها الزوج عن هذه الزوجة، وأن له مقاصدَ غير ما أظهره لها، لكن لا أثر لها على حقيقة العقد، فإذا حصل الإيجاب والقبول بحضور الولي، ولم تُحدَّد مدة؛ لئلا يكون متعة، وبوجود الشهود، فهذا العقد صحيح.

(وكلما سافرتْ معه إلى منطقته حجز لها تذاكر الطائرة باسم زوجته الأولى -لأنها مضافة معه في دفتر العائلة، والثانية ما أضيفتْ-، وأسكنها في شقة أو في فندق كذلك باسم زوجته الأولى، فماذا تفعل؟ هل تطلب منه الطلاق؟)، الأمر إليها، فإن كان بقاؤها على هذا الوضع يرضيها فتبقى؛ لأن المسألة مسألة عرض وطلب، فهذه مطلقة، وعندها أولاد، وتتصوَّر أن الإنسان سيتفرَّغ لها وكأنه شاب ما عنده زوجة ولا شيء! وليس معنى هذا أنه يُفرَّط بحقوقها، فهي لها حقوقها الكاملة في الشرع، فلها أن تطالب بحقوقها، وإذا رضيتْ أن تتنازل عن بعض الحقوق؛ لما عندها من نقص في عرف الناس، فكونها مطلقة ليست مثل البكر عند الناس، وكونها ذات أولاد أيضًا تحتاج إلى تنازل، فالمسألة: الأمر لا يعدوها، فإذا تنازلت {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء: ١٢٨] فيُصلَح بينهما، لكن هل يُصلَح بينهما بأن تأخذ الحقوق كاملة، ويأخذ الحقوق كاملة؟! هذا ما صار صلحًا، إنما يحصل الصلح بتنازل الطرفين، والمسألة -مثل ما ذكرتُ- عرض وطلب، فإذا تبيَّن أن الرجل فوق مستوى هذه المرأة -مثلًا-، وأراد أن يضغط عليها من خلال هذا الذي حصل، أو العكس تبيَّن أن الرجل أقل من نظر المرأة، وأرادت أن تضغط عليه، فهذا الذي يوجِد مثل هذه الاختلافات، مع أن المطلوب العشرة بالمعروف، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وجاءت وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر لحظة من حياته: «استوصوا بالنساء خيرًا» [البخاري: 3331]، والمرأة عانية -أسيرة- عندك، لا بد أن تنصفها، ولا يجوز لك بحال أن تظلمها، لكن إذا كان من حقوقها ما لا تستطيعه ولا تقدر عليه وخيَّرتَها وقلتَ: (ما عندي إلا هذا، والباقي لا أستطيعه)، فإذا رضيتْ بالقبول فالأمر لا يعدوها، وإذا كان الوضع لا يرضيها وقالت: (لا والله أُريد الفراق) فيلزمك أن تفارقها، ومن حقها أن تطلب الطلاق، والطلاق حل شرعي للمشاكل الزوجية.

(علمًا أنها ناصحتْه ويرفض. وأرجو توجيه كلمة إلى الإخوة الذين يرغبون في التعدُّد أن يتقوا الله -عز وجل-)، أولًا: لا بد من العدل، فالذي يخشى ألَّا يعدل لا بد أن يقتصر على واحدة، {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، والعدل والإنصاف مطلوب مع كل أحد، فلا يجوز له بحال أن يُفضِّل زوجة على زوجة، إلَّا إذا خيَّرها بأمر يملكه فقال -مثلًا-: (والله يا بنت الحلال أنا ما عندي إلَّا هذا، وأنتِ مطلقة وعندكِ أولاد، وليس من المعقول أن تتساوي مع بنتٍ صغيرة أخذتُها)، فخيَّرها بين أمرين يملك أحدهما، وهي تملك الآخر، فتختار، وهذا مقتضى الصلح، فمقتضاه تنازل المرغوب عنه، أما المرغوب فيه فهذا لن يتنازل، ولا يحتاج إلى صلح، وهذا أمر معروف، لكن المرغوب عنه هو الذي يتنازل، فإذا نزلتْ كفة الرجل فسيتنازل والشكوى لله، وهذا معروف وليس بخاص بالرجال، بمعنى: أن الرجال هم الذين يظلمون فقط، فالنساء أيضًا يَظلمنَ، فلو تعطَّلتْ بعضُ منافع الرجل رأيتَ ماذا تفعل المرأة، فالمطلوب من الطرفين العدل والإنصاف، ومطلوب أيضًا العشرة بالمعروف، فللمرأة حقوق وعليها حقوق، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ}، فلا يجوز له أن يظلمها، وفي الغالب من خلال الواقع أن الذي يظلم هو المسيطر الذي بيده عقدة النكاح، فهذا يحصل من الرجال أكثر من حصوله من النساء، لكن إذا وجدت المرأة فرصةً فلا شك أنها ستستغلها، وليس معنى هذا أننا نُغري الرجال، لا، فالظلم لا يجوز، وقد حرمه الله -جل وعلا- على نفسه، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ} [الأنعام: 82]، وقوله: {بِظُلْمٍ}: نكرة في سياق النفي، فيشمل جميع أنواع الظلم بما في ذلك أقل أحواله، وتفسير النبي -عليه الصلاة والسلام- للظلم بالشرك تفسيرٌ للعام ببعض أفراده لا يقتضي الحصر عند أهل العلم ولا التخصيص، مثل تفسير القوة بالرمي «ألا إن القوة الرمي» [مسلم: 1917]، هل يعني: أننا ما نستعد للعدو إلا بالرمي، ووسائل القوة الأخرى نعطِّلها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- فسَّر القوة بالرمي؟! لا، وإنما هو تنصيص على بعض أفراد العام، وهذا لا يقتضي التخصيص. المقصود أن الظلم حرام، فلا يجوز للشخص أن يظلم نفسه، ولا يجوز له أن يظلم غيره، بل عليه أن يكون منصفًا «إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن -عز وجل-، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا» [مسلم: 1827]، {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] -نسأل الله العافية-، ففرق بين مقسط وقاسط، فهذا عادل وهذا ظالم، فعلى المسلم الذكر والأنثى – كلهم مخاطبون مكلفون – أن يتقي الله -جل وعلا- في نفسه، وفي زوجه، وفي أولاده.