محاولة دفع الابن النجيب إلى الاهتمام بالعلم مع سرعة تَملمُله

السؤال
أرى في ابني -أصلحه الله- علامات النجابة، وأُحاول جهدي أن أربطه بالكتاب والعلم، ولكن أرى فيه سجيَّة الملل السريع، فما الحل والطريقة الملائمة لمثل هذه المشكلة؟
الجواب

الإشكال أن الملل له أسباب، فقد يكون غريزيًّا، فبعض الشباب وبعض الصغار من أصله ملول، حتى الكبار بعضهم فيه ملل، ولذا يأتي كثير من طلاب العلم يسأل ويقول: (هل الأفضل أن أقتصر على فنٍّ واحد حتى أتقنه، وأنتقل إلى الفنِّ الآخر، أو أنوِّع وآخذ الفنون كلها في يوم واحد، ومن الغد كذلك؟)، نقول: انظر إلى تركيبك، هل أنت صبور أو ملول؟ إن كنتَ ملولًا فلا تلزم كتابًا واحدًا؛ لأن مآلك إلى الانقطاع، ولكن نوِّع؛ لأن التنويع يقطع الملالة والسآمة، وإن كنتَ صبورًا فالزم كتابًا واحدًا أو فنًّا واحدًا، بحيث إذا انتهيتَ منه تنتقل إلى غيره.

وأيضًا الكتب وطبيعتها، فبعضها يبعث على الملل، وبعضها يبعث على الهمة والنشاط، فطالب العلم المتقدِّم الذي يقرأ في الكتب المطولة، أو حُبِّبتْ إليه القراءة، ويريد أن يقرأ وهو في الجامعة -مثلًا- فبمَ يبدأ؟ إن بدأ بـ(فتح الباري)، ونظر إلى الساعة كل خمس دقائق، سينتهي الوقت وما قرأ ورقة! وأشد منه (إرشاد الساري)، لكن لو قرأ في (الكرماني) يمكن في ساعة أن يقرأ ثلاثين صفحة، فهو كتاب سهل، و(النووي على مسلم) في ساعة يقرأ عشرين صفحة، وهذه الكتب التي تَسْهُل قراءتها تُعين على الاستمرار، وتقطع طريق السآمة والملل، لكن الكتب المستغلقة التي حتى في طباعتها ما وُفِّق طابعوها وناشروها إلى أن تُطبع بطريقة سهلة وميسَّرة، وتكثُر فيها البياضات، وتكثُر فيها الفواصل والمقاطع، هذه تبعث على الملل، ولكن مثل: (شرح الكرماني) يمكن أن يُقرأ كله كاملًا -اثني عشر مجلدًا- في شهرين؛ لأنه سهل، و(النووي على مسلم) يمكن أن يُقرأ في ثلاثة أشهر، لكن (فتح الباري) يحتاج إلى ثلاث سنين، و(إرشاد الساري) يمكن يحتاج إلى سنتين؛ لأن كيفية الطباعة لها دور، وأسلوب المؤلِّف له دور، ففرق بين أن تقرأ في (فتح الباري) وتجد همَّته منصبَّة إلى بيان الطرق -مثلًا-، وفي تراجم الرواة إلى ما يهتم به في دائرة التصحيح والتضعيف، بينما اهتمام النووي -لأنه عابد- بعبادات الرواة، فلان مكث أربعين سنة يقوم الليل، أو مكث كذا من السنين، المهم أنه يرغِّب في العبادة، والنفس تشرئب إلى مثل هذه الأخبار، والكرماني في تراجمه للرواة يُطيل، ومع ذلك ينتقي الأخبار الغريبة من أحوال هذا الراوي، والنفس أيضًا تنساق وراء هذه الأخبار، بينما ابن حجر يهتم بتضعيفه وتقويته؛ لينتفع به الشاهد أو المتابِع، لكن الطالب يَمل من مثل هذا؛ لأنه علم محض ثقيل على النفوس، بينما الكتب الأخرى التي فيها شيء من الطرفة، تُعين طالب العلم على الاستمرار في القراءة.