الخروج لطلب العلم وترك الوالدين في المنزل

السؤال
من المعروف أن مِن مداخل الشيطان شغل العبد بالمفضول عن الفاضل، وإذا وازنَّا بين طلب العلم وبر الوالدين، يبرز سؤال: هل مِن البرِّ ترك الوالدين في المنزل، والخروج للطلب؟ وهل يختلف الحكم فيما لو كانا راضيين بهذا الخروج، أو رافضين، أو يفضلان عدمه؟ وهل يختلف الحكم كذلك إذا كان في البيت منكرات، فإذا خرج لطلب العلم قَلَّ انغماسه فيها؟
الجواب

المفاضلة بين العبادات أمر مطلوب، والانشغال بالمفضول عن الفاضل لا شك أنه استبدال للأدنى بالذي هو خير، فلا بد من الموازنة والمفاضلة بين هذه العبادات، فطلب العلم عبادة، ومِن طلب العلم ما هو واجب، ومنه ما هو واجب عيني، وبرُّ الوالدين واجب، فالسؤال: (هل من البرِّ ترك الوالدين في المنزل، والخروج للطلب؟ وهل يختلف الحكم فيما لو كانا راضيين بهذا الخروج...؟)، إذا كانا راضيين فالأمر لا يعدوهما، ولا شك أنهما بهذا الرضا -مما يعين الولد على طلب العلم- لهما نصيبهما من الأجر، أما إذا كانا رافضين فلا يخلو: إما أن يكون لحاجتهما إلى الولد، فلا شك أن حاجة الوالدين مقدَّمة. على أن هذه الحاجة المعتادة بين الناس لا تستغرق الوقت مهما كان، فإذا انتهت الحاجة فينصرف إلى طلب العلم، وعنده في مثل هذه الظروف التي نعيشها البدائل، فبإمكانه إذا رفض الوالدان أن يخرج لطلب العلم أن يُحضِر البديل عن الخروج ويطلب العلم وهو في بيته، فيُحضر المتن الذي يُراد شرحه، ويسمع الشروح المسجَّلة على هذا الشرح، ويستفهم عما يُشكل، وعنده آلات الاتصال، وأيضًا بإمكانه أن يتابع الدروس من خلال مواقع البث وغيرها، فبإمكانه أن يجمع بين هذه الأمور كلها.

لكن المُشكل أن بعض مَن ينتسب إلى طلب العلم -مع الأسف الشديد- لا يُلقي لوالديه أي بال، بل قد يخرج وهما في حاجة ماسة إليه، وقد تطلب الوالدة من ابنها أن يوصلها إلى مكان ما، فيعتذر بأنه يخرج لطلب العلم، أو يخرج لنزهة مع أصحابه وأقرانه، ويترك الوالدة، هذا لا شك في منعه، وهو أمر محرَّم، ومعصية للوالدة ظاهرة، لكن على طالب العلم أن يوازن بين هذه العبادات، وأن يُسدِّد ويُقارب.

وأيضًا على الوالدين أن يُمكِّنا الابن والبنت من طلب العلم الذي ينفعهما في الدنيا والآخرة، لا سيما ما يتعلَّق بحفظ القرآن، ولهما نصيب وافر من أجره، ويُلبسان كما جاء في الخبر التاج.

تقول: (إذا كانا يفضلان عدمه) أي: عدم الخروج لطلب العلم، فالمسألة مسألة مفاضلة، يعني: ليس برفض، وإنما منع خفيف، والأمر متروك فيه إلى تقدير الولد، فإن كان طلبه للعلم مما يجب، والمسألة مسألة مفاضلة، وأن بقاءه أفضل عندهما من خروجه، ولا يمنعانه من ذلك، فيَخرج إلى طلب العلم، ويعود إليهما؛ ليقضي حاجتهما.

تقول: (وهل يختلف الحكم كذلك إذا كان في البيت منكرات، فإذا خرج لطلب العلم قَلَّ انغماسه فيها؟)، أولًا: المكان الذي فيه منكرات لا يجوز أن يغشاه طالب العلم، ولا غير طالب العلم، فالمنكرات تجب إزالتها، والمنكر يجب إنكاره، بالأسلوب المناسب، والطريقة التي تُحقِّق المصلحة، ولا يترتَّب عليها أدنى مفسدة، لكن إذا لم يَزُل هذا المنكر فلا يجوز له البقاء، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فيجلس مع والديه في مكان ليس فيه منكرات، ويقضي حاجتهما من خلال هذا المكان، أما إذا ترتَّب على بقائه في البيت مشاهدة المنكرات وإقرارها، فإنه لا يجوز له أن يبقى، فليخرج عن هذا البيت، مع متابعة النصح وإسداء النصيحة للوالدين؛ لأن لهما من الحقِّ عليك ما يجعلك تتفانى في دعوتهما ونصحهما. المقصود أن مثل هذه الأمور تُقدَّر بقدرها.