الفرق بين التشدُّد في الدين، والتربية الذاتية

السؤال
ما الفرق بين التشدُّد في الدين، والتربية الذاتية؟ مع ذكر الأمثلة على كل نوع، فقد أشكلتْ على كثير من التائبين الجُدد.
الجواب

على كل حال التشدُّد في الدين أن يزيد على القدر المُحدَّد شرعًا، فيلتزم به، ويُلزِم به غيرَه، فيتشدَّد ويتنطَّع في الأمور التي فيها فسحة، نعم كون الإنسان يَحزم نفسه، ويركب العزائم، ويُقلِّل من الرُّخص، ويترك كثيرًا من المباحات؛ خشية أن تَجرَّه إلى المكروهات والشُّبَه، ثم إلى المحرمات، فهذا وَرَع، وليس بتشدُّد، لكن لا يُلزِم به غيرَه، وإنما يُلزِم الناس بما دلَّ عليه الكتاب والسنة، فالإنسان قد لا يتوسَّع في أمور الدنيا، فمن الناس -وهو موجود- مَن لا يركب السيارة، لكن مع ذلك هل له أن يُحرِّم على الناس ركوب السيارة؟ ليس له ذلك، ومَن الناس مَن لا يستعمل الكهرباء، فهل يجوز له أن يُحرِّم على الناس استعمال ما أحلَّه الله لهم؟ أبدًا، لكن هل يُلزَم بأن يستعمل الكهرباء، أو يركب السيارة؟ وهو يرى الإباحة لا التحريم، لكنه يقول: (أنا لا أتوسَّع في هذه المباحات، وأحمل نفسي على العزيمة، وأُربيها على هذا؛ لئلا تَجرني إلى المكروهات والشُّبَه، ثم إلى المحرمات)، فهذا لا يُلام، إلَّا إذا حصل بسبب ذلك ترك واجب، كأن يقول: (لا أستطيع أن أحج الفريضة؛ لأني لا أبلغ مكة إلا بسيارة، وأنا لا أركب السيارة)، نقول: يجب عليك أن تركب السيارة، أما في أمورك العادية، وحاجاتك التي تقضيها بدون سيارة، فما نُلزمك بركوب السيارة، لكن لا تُحرِّم على الناس ما أحلَّ الله لهم.

فكون الإنسان يَحزم نفسه، ويعامل نفسه بالعزائم، لا يُلام، وقد كان جمع من السلف يتركون تسعة أعشار الحلال؛ خشية أن يقعوا في الحرام، فكوني لا أتوسُّع في المباحات لا أُلام، لكن كوني أُحرِّم على الناس ما أحلَّ الله، فهذا محلُّ اللوم، وهذا محلُّ التشدُّد.