نكاح النصرانيَّة مع شبهة كونها مشركة

السؤال
رجل سألني بأنه يرغب في الزواج من غير مسلمة، وتَدِين بالنصرانية، فأجبتُه بأنه يتحرَّى من اعتقادها، حيث إن النصارى ليسوا على ملَّة واحدة، فمنهم مَن يؤمن بالتثليث فيُشركون آلهةً مع الله، أما إذا كانت موحِّدة لله بأن تقول: (لا إله إلا الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله)، فهذه من أهل الكتاب التي يجوز الزواج منها، كما دلَّ على ذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [المائدة: 5]. أرجو التحدُّث عن هذا الأمر إن كان صحيحًا، فالناس يجهلون مَن هم أهل الكتاب؟
الجواب

أهل الكتاب هم اليهود والنصارى. وأما شركهم وادِّعاؤهم وقولهم: (إن الله ثالث ثلاثة)، وقولهم: (عُزير ابن الله)، وقولهم: (المسيح ابن الله)، فهذا موجود وقت التنزيل، ووقت تشريع حِلِّ نسائهم.

فاليهود والنصارى فيهم شرك، وابن رجب وغيره يُقرِّرون أنهم ليسوا مشركين، وإنما فيهم شرك، أما كونهم كفارًا فهذا لا إشكال فيه، وهو محلُّ إجماع، حتى قال جمع من أهل العلم: مَن شكَّ في كُفْر اليهود والنصارى كَفَرَ إجماعًا، فهم كفار، لكن هل هم مشركون، حتى نحتاج إلى الاستثناء من تحريم نكاح المشركات؟

النص يدلُّ على جواز نكاح نسائهم، أما كونهم فيهم شرك، ففيهم شرك حتى وقت التنزيل، ووقت تشريع حِلِّ نكاح نسائهم، فنكاحهنَّ لا إشكال فيه، وهو جائز بصريح الآية، أما بالنظر للآثار والمفاسد المترتِّبة عليه فكلُّ إنسان ينظر في مصلحته، هل من مصلحته التزوُّج بمثل هذه المرأة؟ وهل في هذا خطر عليه وعلى أولاده، أو ليس فيه خطر؟ فمِن الناس مَن هو صاحب تحرٍّ، لا يقبل حتى بعض العفيفات، وبعض الصالحات يُراوح بينهنَّ، ويقول: هذه أفضل، وهذه احتمال كذا، وهذه إخوانها احتمال كذا، وبعض الناس تُذكَر له المرأة الصالحة الديِّنة الصيِّنة العفيفة، وقد تكون حافظة للقرآن، وقد تكون داعية، ثم يتوقَّف، لماذا؟ لأن أخاها عنده كذا، أو لأن أهلها عندهم كذا، فكيف بمثل هؤلاء النسوة اللاتي يعتقدنَ ما يعتقدنَ؟!

فالمسألة موازنة بين مصالح ومفاسد، وكل إنسان ينظر في مصلحته، وإذا كان النصُّ الصحيح جاء بأن الزانية لا يجوز نكاحها إلا إذا تابتْ وصحَّتْ توبتها، وبأن الطيِّبات للطيِّبين، فهؤلاء من باب أولى، فيجب أن يتوقَّف الإنسان في أمرهنَّ، لا طعنًا في أصل الحكم العام، فالأصل أن الحكم العام ثابت لا تغيير فيه: الجواز، لكن يبقى النظر في المصالح والمفاسد، وكم من إنسان زاغ وضلَّ بسبب زوجته، وكم من شخص ارتدَّ أولاده أو تنصَّروا أو تهوَّدوا بسبب أُمِّهم، فالإنسان عليه أن يحتاط لنفسه، ويحتاط لولده، وإذا كان الإنسان يتحسَّس في نكاح المسلمة الديِّنة الصيِّنة إذا كانت من بلد آخر مثلًا، فكثير من الناس لا يُقدِم على الزواج من امرأة تكون في بلدٍ آخر، ولو كان بين بلده وبلدها مئات الكيلوات -لا أقول: آلاف-؛ لأنه يقول: لو حصل فراق مثلًا، فأولادي ما مصيرهم؟ هذا كله من باب الاحتياط والاهتمام للأولاد، فضلًا عن أن تكون هناك حدود سياسية، واحتمال أن تسافر إلى بلدها الذين هم أقلُّ في النظر في المصالح والمفاسد من بلده، فالمسألة مسألة مصالح ومفاسد، وإلا فالحكم الشرعي لا إشكال فيه، ونكاح الكتابيات صحيح وجائز، لكن يبقى مسألة الخطر على النفس وعلى الولد.

وعمران بن حطَّان تزوَّج المرأة الخارجيَّة ودعواه مثل دعوى كثير من الشباب، فكثير من الشباب يبحث عن الجمال، ولا يبحث عن الدين، ويقول: (الدِّين يأتي بالدعوة، لكن الجمال ما الذي يأتي به؟ فندعوها، وندلُّها على الهدى، ويكون لنا مثل أجرها)! والذي يحصل العكس، هي التي تدعوه، وهي التي تؤثِّر عليه، فعمران بن حطان ما كان معروفًا بمذهب الخوارج، ثم لمَّا تزوَّج الخارجيَّة انقلب إلى داعية من دُعاة الخوارج -نسأل الله السلامة والعافية-، فالإنسان بحاجة إلى مَن يُعينه على أمر دينه ودنياه.