رفض بعض النساء الخُطَّابَ المستقيمين رغبةً في طلاب علم راسخين

السؤال
من النساء مَن تقدَّم بهنَّ السنُّ يرفضْنَ مَن يتقدَّم لخطبتهنَّ، بحجَّة أنهنَّ يُردْنَ طلاب علم راسخين، ولو تقدَّم لهنَّ مَن هو مستقيم، ويُرضى حاله ودينه، فما توجيهكم؟
الجواب

إذا تقدَّم مَن يُرضى دينه وأمانته وخلقه فلا يجوز ردُّه بحال، وقد تُعاقَب المرأة التي تردُّ مثل هذا بألَّا يتقدَّم لها بعده إلَّا مَن لا ترضاه، ثم في النهاية تَقبل.

وأما كونها تطلب طالب علم؛ فهذا لا شك أنه مطلب طيِّب؛ لأنه يعينها على أمر دينها ودنياها، ويتعاون معها على البرِّ والتقوى، لكن إذا لم يتقدَّم طالب علم راسخ، وهي تريد راسخًا!

والإشكال أن بعض الأخوات يسمعنَ كلام أهل العلم، وكلام طلاب العلم من خلال الدروس والأشرطة، فيُخيَّل إليهنَّ أنهم فوق منزلة التابعين، يعني: يضاهون الصحابة -رضي الله عنهم-: ما عندهم إشكالات، ولا خلافات، ولا منازعات...! أبدًا بيوتهم قريبة جدًّا من بيوت غيرهم، والمشاكل الموجودة في البيوت متقاربة. نعم أهل العلم لهم دور في القضاء على بعض المشاكل بالحكمة والسياسة، لكن قد يوجد بعض أهل العلم مَن جُبِل على سرعة الغضب، ثم بعد ذلك لا يكون هناك فرق بينه وبين غيره، إلَّا إذا انجلى عنه هذا الغضب، فالإشكال أن بعض الأخوات يُقدِمْنَ على مَن ينتسب إلى العلم، ممَّن يُسمع قوله، ويُظنُّ فيه أنه على خلاف واقعه، ثم إذا تقدَّم لخطبتها، أو لمَّحتْ، أو أوصتْ له، ثم تزوَّجها صُدمتْ، بل أهل العلم كغيرهم من أبناء جنسهم، ومن أبناء جيلهم، والمشاكل متقاربة، والبيوت مملوءة، وبيوت النبوَّة فيها المشاكل، فهي تظنُّ أنها إذا جاءت إلى بيت طالب العلم هذا أنها تتمُّ السعادة عندها، ولن ترى المشاكل بعد ذلك! وهذا الكلام ليس بصحيح، وكم من الأخوات مَن صُدمتْ، بل بعضهنَّ حصل لها نكسة؛ بسبب أنها تزوَّجتْ طالب علم توقَّعتْ من حاله أنه ما بينه وبين الجنة إلَّا خيط رقيق! وهذا الكلام ليس بصحيح، فظروف الناس واحدة، ومطالب النساء متقاربة، والشباب أيضًا في البيوت متقاربون، نعم للعالم وطالب العلم دور في التوجيه، لكن قد لا يستطيع أن يؤثِّر على بيته؛ لأن الهداية والقلوب بيد الله -جلَّ وعلا-، ثم إذا جاءت طالبة العلم هذه التي ملأتْ نفسها بالآمال، ثم بعد ذلك تُحبَط، وبعضهنَّ حصل لهنَّ نكسة، فعليها أن تتثبَّتْ، وعليها أن تتأكَّد قبل أن تُقدِم، وعليها أن تستصحب أن هذا العالِم أو طالب العلم بَشر مثل غيره، له ظروفه، وله حاجاته ومطالبه، وبعض طالبات العلم ممَّن أُشرِب قلبها حُبَّ العلم والقراءة، والخير والفضل، والتعبُّد والصيام والقيام، تَعجب أن هذا العالم يطلب منها ما يطلبه الشخص العادي، بأن يطلب منها أن تتجمَّل، وأن تتبعَّل له كغيره، فتتعجَّب أنها ما جاءت لهذا العالِم إلا للعلم وللعبادة، فكيف يطلب مثل هذه الأمور؟! لا، هو كغيره، فكثير من طالبات العلم بهذه المثابة، وبعضهنَّ حصل لها شيء من التغيُّر، فننصح الأخوات أن يتأكدنَ أن العلماء وطلاب العلم بَشر، والمشاكل في بيوتهم موجودة مثل بيوت الناس، نعم لهم دور في التوجيه، ولهم دور في النصح، ولهم أيضًا دور في التعليم والتربية، وقد يستفيد منهم أبعد الناس أكثر مما يستفيده أهل بيوتهم، وليس هذا فشلًا في طريقتهم وتعاملهم، أبدًا، إلَّا لأن النتائج بيد الله -جلَّ وعلا-، فقد يبذل العالم لولده، وقد يبذل لزوجته، وقد يبذل لبنته، وقد يبذل لأقاربه، لكن النتائج بيد الله، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]، ومع ذلك هو في الناس مؤثِّر، وفي بيته التأثير ليس بظاهر، لكن لا يُتَّهم بأنه قصَّر، فقد يكون بذل.

وهناك شريط اسمه: (الأسرة والعِلم)، أكَّدتُ فيه على هذه المسألة، وبسطتُها بالأمثلة.