شرح علم الحديث من النقاية (3)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- "وإن تقدم موت أحد القرينين فسابق ولاحق" القرينان اللذان يشتركان في الأخذ عن شيء واحد، اللذان يأخذان عن شيخ واحد، فقد يكون بين موتهما أكثر من مائة سنة قرينان، فأحدهما يأخذ عن الشيخ في أول عمره في بداية تعليمه ثم يموت قبل الشيخ بخمسين سنة مثلا، متصور هذا شاب في العاشرة أو في الحادية عشرة أو في الخامسة عشرة يحضر عند شيخ درسا ثم يموت هذا الشاب، ثم يعمَّر الشيخ بعده خمسين سنة، ثم يحضر في آخر الوقت شاب ثم يعمر بعد الشيخ سبعين سنة فكم تكون المدة بين الأول والثاني؟ يعني مائة وعشرين سنة، وأكثر ما وجد من هذا مائة وخمسون سنة، الإمام البخاري أخذ عن تلميذه أبي العباس السراج وتوفي سنة ست وخمسين ومائتين، ثم أخذ عنه الخفاف وتوفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، يعني ما يقرب من مائة وأربعين سنة، يعني أنا شرحت العمدة سنة تسع وتسعين لو قدر أن شخصا حضر هذا الشرح ومات في تلك السنة أو بعدها بسنة- سنة أربعمائة- وقدر أن يمد في العمر عشرين أو ثلاثين يعني إلى سنة خمسين أو ستين، ثم يحضر في ذلك الوقت شاب صغير ثم يعمر بعد ذلك إلى سنة خمسمائة وعشرين مثلا أو خمسمائة وثلاثين تكون المسألة طويلة جدا، يعني بعض الناس يستغرب كيف يكون بين طالبين مائة وخمسين سنة لأنه يظن أن عمر الطالب مائة وخمسون، عمر الطالب ليس مائة وخمسين سنة، وإنما تباعد ما بين موت ووفاة أحد الطالبين هذا السابق وهذا اللاحق، وصنف فيه الخطيب كتابا مطبوعا بهذا الاسم السابق واللاحق، "أو اتفقوا على شيء فمسلسل" اتفقوا على وصف أو حالة أو هيئة أو قول أو فعل يسمى مسلسلا، على حالة حدثني قائما، أو هو أول حديث سمعته منه وكلهم يقولون هذا، حدثني فقبض على لحيته، مسلسل بالمحمدين الإسناد كله اسمه محمد من الأول إلى الآخر هذا يسمى مسلسلا، يعني تتابع الرواة كلهم على حال أو وصف أو قول أو ما أشبه ذلك هذا يسمونه المسلسل، وفيه أيضا مصنفات، ومنه الحديث المسلسل بالأولية: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه حديث «الراحمون يرحمهم الرحمن» ومازال تسلسله إلى يومنا هذا بالأولية لكنه في بدايته ينقطع عند سفيان بن عيينة، "أو اسما فمتفق ومفترق" الخليل بن أحمد ستة كلهم اسمهم الخليل بن أحمد هذا المتفق والمفترق، ويحصل في هذا لبس كثير لا بد من التمييز بالأشياء التي تميز بين الواحد منهم والآخر، ويحصل في هذا خلط كبير، بكر بن عبد الله المزني وبكر بن عبد الله أبو زيد هل يمكن أن يختلط هذا بهذا؟ بينهم اثنا عشر قرنا أو ثلاثة عشر قرنا، وتجد من هؤلاء الذين يحققون من يلتبس عليه مثل هذا الأمر يدعون التحقيق، يعني إذا وجد من اختلط عليه الأمر في تفسير القرطبي يقول: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس مرارا يقول هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، كثيرا ما يقول ابن القيم مثل هذا الكلام ويقصد بذلك ابن تيمية فهل في كل موضع يقصد ابن تيمية؟ لا، القرطبي المفسر مات قبل ولادة شيخ الإسلام أو في طفولة شيخ الإسلام فضلا عن شيخه أبي العباس القرطبي صاحب المفهم، فتجد بعض من يخطف المعلومات ويعلق على الكتب يقع في مثل هذه الأوهام، كالشخص الذي لم يقف على ترجمة ابن اللبون في كتب التراجم، بحث عن ترجمة ابن لبون ما وجد، فمثل هذه الموضوعات العناية بها متعينة، قال الليث في كتب اللغة ثم يترجم لليث بن سعد، أو قال أبو حاتم في كتب اللغة يترجم لأبي حاتم الرازي أو أبي حاتم ابن حبان كل هذا خطأ لا بد من التمييز، كل هذه الأمور المشتركة فالليث بن المظفر غير الليث بن سعد، وأبو حاتم السجستاني الذي يدور اسمه في كتب اللغة غير أبو حاتم الرازي المحدث الكبير أو أبي حاتم ابن حبان، قال: "أو اسما فمتفق ومفترق أو خطا فمؤتلف ومختلف" اتفقوا في الخط دون اللفظ مثل عَلِي وعُلَيّ، ومثل عَبيدة وعُبيدة، الخط واحد لكن اللفظ مختلف، "أو الآباء خطا مع الأسماء أو عكسه في المتشابه وهو مركب من النوعين اللذين قبله" مثل شريح بن النعمان وسريج بن النعمان، "وصيغ الأداء سمعت وحدثني للإملاء" لأن في الرواية طرفين أحدهما التحمل والثاني الأداء، فالتحمل هو الأخذ عن الشيوخ، والأداء هو تبليغ الحديث للطلاب والتلاميذ، فالأصل في التحمل السماع من لفظ الشيخ، وحينئذ يؤدي الطالب الذي تحمل بطريق السماع بسمعت وحدثني، ويقول "للإملاء"  الإملاء نوع من أنواع الطريق الأول من طرق التحمل وهو السماع من لفظ الشيخ، فالسماع يحصل سواء كان بإملاء أو بغير إملاء بمجرد إلقاء وحينئذ يقول سمعت وحدثني "فأخبرني وقرأت للقارئ"، إذا قرأ الطالب على الشيخ بطريق العرض القراءة على الشيخ تسمى العرض يقول من تلقى أو من تحمل الخبر بطريق العرض يقول أخبرني، أو قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع، وهذا هو الطريق الثاني وهو مجمع على صحة التحمل به كالأول وإن كان الأول أعلى منه، وبعضهم يفضل الطريق الثاني على الأول طريق الرواية بالعرض على السماع، عامة أهل العلم يفضلون السماع من لفظ الشيخ على القراءة على الشيخ وهي الأصل في الرواية، ومنهم من يرى العكس فيقول العرض على الشيخ أفضل وأقوى من السماع من لفظ الشيخ؛ لأن الشيخ قد يخطئ في طريق السماع طريق التحمل بالسماع إذا أخطأ الشيخ فإنه لا يجد من يصحح له، وإذا أخطأ الطالب حين التحمل بطريق العرض فإن الشيخ لا يتردد أن يرد عليه، ولكن الجمهور مشوا على الأصل، وأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يحدث والصحابة يسمعون ويتلقون عنه، "فأخبرني وقرأت للقارئ وقرئ وأنا أسمع للسامع" يعني إذا قرأ يقول أخبرني وقرأت للقارئ، والتفريق بين سمعت وحدثني وأخبرني هو مجرد اصطلاح وإلا فالإخبار والتحديث لا فرق بينهما؛ لأنه إذا قال أخبرني صحيح أن دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث، بدليل أن من قال لعبده من حدثني بكذا فهو حر، ومن قال لعبده من أخبرني بكذا فهو حر، التحديث لا يحصل إلا بالمشافهة بالكلام، والإخبار يحصل بما هو أعم من ذلك بالكلام، بالكتابة، بنصب العلامة، بالإشارة، كل هذا يحصل به الإخبار؛ ولذا قالوا أخبرني لمن روى بطريق العرض وهذا مجرد اصطلاح يعتني به الإمام مسلم، ولا يفرق بينهما الإمام البخاري، وعلى كل حال هذا اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح، "فأخبرني وقرأت للقارئ" يعني على الشيخ فاجمع إذا كان معك غيرك ممن حضر الدرس فقل أخبرنا وقرأنا على الشيخ أو ما أشبه ذلك، لكن في الغالب أنهم إذا سمع مع غيره قال أخبرنا، وإذا قرئ على الشيخ فيقول قرئ على الشيخ وأنا أسمع أو قرأت على فلان، وأما بالنسبة لمن سمع بمفرده يقول سمعت وحدثني، ومن سمع مع غيره يقول سمعنا وحدثنا، وإذا شك يعني مع طول العهد شك هل كان بمفرده أو معه غيره هل يقول سمعت أو سمعنا؟ إذا شك هل معه غيره هو متيقن لنفسه أنه سمع من الشيخ هل يقول سمعت أو سمعنا؟ وهل يقول حدثني أو حدثنا؟ يقول حدثني لأنه متيقن وجوده وسماعه من الشيخ، لكن بعضهم يقول حدثنا وسمعنا لماذا؟ لأن صيغة الجمع أضعف من صيغة الإفراد؛ لأن صيغة الإفراد تدل على أنه مقصود بالتحديث مقصود بالتسميع، وصيغة الجمع لا تدل على أنه مقصود بذلك، وحينئذ يعتمد الأضعف لأن الأقوى مشكوك فيه، وعلى كل حال الأمر في هذا فيه سعة والعرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، يعني إذا قال سمعنا ما فيه إشكال، كما نص على ذلك الإمام البخاري في صحيحه في تفسير سورة إنا أنزلناه، وسواء قال سمعت أو سمعنا فالمؤدى واحد "وقرئ وأنا أسمع للسامع" أما القارئ يقول قرأت على فلان قد يسمع قراءة القارئ وهو ممنوع من السماع فماذا يقول؟ الإمام النسائي دخل المسجد والحارث بن مسكين يقرأ عليه هل يقول أخبرني الحارث بن مسكين؟ لأنه قال فأخبرني وقرأت للقارئ، طيب ماذا يقول مثل هذا الذي مُنِع؟ النسائي منعه الحارث بن مسكين من السماع وطرده من المجلس صار يجلس وراء اسطوانة ويسمع هل يقول أخبرني؟ المستعملة للعرض والرواية بطريق العرض في مثل هذه الصورة؟ لكن الإمام النسائي- رحمه الله- يورد الخبر بدون صيغة، يقول: الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع، بدون صيغة لأنه ممنوع من السماع وهذا من ورعه- رحمه الله- "فأنبأ وشافه وكتب وعن للإجازة " نعم أنبأنا فيما يتحمل بطريق الإجازة وإن كان من حيث المعنى لا يوجد فرق يعني مؤثِّر بين حدثنا وأخبرنا وأنبأنا {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [سورة الزلزلة:4] {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [سورة فاطر:14] فالألفاظ متقاربة من حيث الأصل وفرقوا بينها في الاصطلاح "وأنبأ وشافه وكتب وعن للإجازة" من يروي بطريق الإجازة وهي الإذن بالرواية أذنت لك أن تروي عني صحيح البخاري، فيقول: أنبأنا، ويقول: "شافه" لأنه شافهه بالإجازة ما شافهه بالأحاديث هذه استعملها بعضهم، "وكتب" بمعنى أنه كتب إليه بالإجازة لا المكاتَبة "كتب وعن للإجازة والمكاتبة" كتب له  إجازة يقول: كتب إلي، كتب له بأحاديث يقول كتب إلي؛ لأنه قال "وعن للإجازة والمكاتبة" الألفاظ الأربعة: "أنبأ وشافه وكتب وعن للإجازة" وأيضا تصلح للمكاتَبة واستعمال عن للإجازة مع أنها تستعمل من صيغ الأداء في التحديث كما هو معلوم، وهي محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين أن يثبت اللقاء وألا يوصف الراوي بالتدليس.

وكثر استعمال عن في ذا الزمن

 

 

 

إجازة وهي بوصل ما قمن

 

والمكاتَبة فعندنا طرق التحمل السماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ التي هي العرض، والإجازة، والمكاتَبة، المكاتَبة روي بها أحاديث في الصحيحين وغيرهما من الصحابي إلى التابعي، ومن التابعي فمن دونه، "وأرفعها المقارنة للمناولة" أرفعها يعني أرفع الإجازة المقرونة بالمناولة، والمناولة يشترط لها الإجازة، يعني إذا كانت الرواية بالإجازة ما يشترط لها مناولة لكن المناولة إذا اقترنت بالإجازة صار أرفع لها، إذا كانت الرواية بالإذن في الرواية التي هي الإجازة، أما إذا كانت الرواية مناولة فقط يناوله الكتاب ويقول هذا من روايتي، هذا صحيح البخاري من روايتي ولا يأذن له بالرواية، هذه مناولة مجردة والرواية بها ضعيفة، يقول الحافظ العراقي:

وإن خلت عن إذن المناولة

 

 

 

قيل تصح والأصح باطلة

 

"وأرفعها المقارنة للمناولة وشُرِطت لها" شرطت الإجازة للمناولة إذ لا تصح المناولة بغير إجازة وتصح الإجازة بغير مناولة، لكن مع المناولة أكمل، "وللوجادة" الوجادة أن يجد بخط الشيخ الذي لا يشك فيه فيروي بطريق الوجادة إذا كان من شيوخه، وكثيرا ما يقول عبد الله بن أحمد في المسند وجدت بخط أبي، فإذا كان من شيوخه ولا يشك في خطه يجوز له أن يروي لكن مع بيان الحال يقول وجدت بخط فلان، أو وجدت بخط أبي، لكن هي مفيدة للاتصال إذا كان من شيوخه نعم، إذا كان لقيه وأخذ عنه لا بأس، لكن إذا كان بينه وبينه مفاوز هل نقول أنه يروي عن شيخ الإسلام بالوجادة وهو يعرف عن شيخ الإسلام، لا يمنع أن يقول وجدت بخط فلان وكثير من الكتب والحواشي التي تعلَّق على الكتب من هذا النوع، إذا كنت لا تشك في خط القارئ فلك أن تنسب، لكن ما ترويه على طريق الرواية المتصلة لأن بينك وبينه مفاوز، "وللوجادة والوصية" من أوصى بكتبه عند وفاته أو سفره لفلان هل يجوز أن يروي بمجرد الوصية؟ نسب لابن سيرين أنه روى بها لكن عامة أهل العلم على أنه لا تصح الرواية بمجرد الوصية بالكتب، "والإعلام" إعلام الطالب مجرد إعلام بأن هذا الكتاب من مروياته، يطلعه على مكتبته وفيها كتب يرويها بالأسانيد، ويقول: هذا الكتاب أنا أرويه بالأسانيد وهذا الكتاب أرويه، ولا تصح الرواية بمجرد الإعلام ما لم تقترن بالإذن بالرواية "والإعلام للوجادة والوصية والإعلام" على كل حال طرق التحمل: السماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ، والإجازة، والمناولة، والمكاتبة، والوجادة، والوصية، والإعلام، ومن الأنواع.

طالب: ..........

ثمان.

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

مع الإذن بالرواية نعم أما مع عدمها فبعضها مقبولة وبعضها غير مقبولة.

"ومن الأنواع" يعني من أنواع علوم الحديث "طبقات الرواة وبلدانهم" طبقات الرواة وهذا من أهم المهمات بالنسبة لطالب الحديث إذا أراد أن يدرس رجال الأسانيد لا بد من معرفة الطبقات، وقد اهتم بها العلماء وصنفوا فيها منها: طبقات ابن سعد، وأيضا كتب الرجال صنف بعضها على الطبقات وبعضها على الحروف وبينت الطبقات، ونستفيد فائدة كبيرة من معرفة الطبقات في الاتصال والانقطاع، فلا يتصور أن شخصا من طبقة متأخر يروي عن شخص من طبقة متقدمة، يعني إذا عرفنا طبقة هذا الراوي وأنه من الثالثة ووجدنا من يروي عنه من الطبقة الثامنة هل نقول فيه اتصال أو انقطاع؟ انقطاع لأن معدَّل الطبقة بالنسبة لرجال الكتب السنة فيما قرره الحافظ ابن حجر ورتبهم على اثني عشرة طبقة عشرون سنة، متصور أن يروي من الخامسة عمن في السابعة أو حتى الثامنة وبينهما ستون سنة ممكن، أما أكثر من ذلك فيبعد ويستحيل إذا زاد الأمر على ذلك، فمعرفة الطبقات في غاية الأهمية لطالب الحديث، والطبقة الرواة المتشابهون في السن والأخذ عن الشيوخ "وبلدانهم" معرفة البلدان للرواة أيضا في غاية الأهمية، لاسيما معرفة البلدان المتشابهة والتي تتكرر أسماؤها مع تباين الأقاليم والأقطار، لا بد من معرفة هذه الأمور لأن تباين الأقطار وبعد البلدان يبعد احتمال السماع واللقي ما لم يثبت أن أحدهما سافر إلى بلد الثاني، وتوجد أسماء بلدان متشابهة منها ما هو باللفظ فتجد في الأندلس بلد حمص مثلا وفي الشام حمص، إذا قيل فلان بن فلان الحمصي نسب إلى حمص فهل هو من حمص الشام أو حمص الأندلس، والراوي عنه كذلك قد يكون أحدهما من حمص في الأندلس والثاني في الشام وما عرف عن أحدهما أنه انتقل إلى بلد الآخر فيحكم حينئذ بعدم الاتصال، فمعرفة مثل هذه الأمور مهمة جدا بالنسبة لطالب الحديث وإلا يقع في خلل كبير؛ لأنه قد يقول السن محتمِل للسماع والبلد واحد ما الذي يمنع أن يكون سمع، لكن إذا حققت ودققت وجدت أن البلد يختلف وهذا سببه عدم العناية والاهتمام بالبلدان- بلدان الرواة- وأحوالهم تعديلا وجرحا لا بد من أراد أن يتصدى للتصحيح والتضعيف والحكم على الأحاديث لا بد أن يعرف أحوال الرواة تعديلا أو جرحا ليُقبَل حديث المعدَّل، ويرد حديث المجروح من خلال كتب الرجال، وصنف فيهم كتب كثيرة جدا منها الكتب العامة لجميع الكتب وأصناف الرواة، ومنها الخاصة بأنواع من الرواة كالثقات أو الضعفاء، ومنها الكتب الخاصة بكتب معينة كالكتب الستة وغيرها وتفصيل هذا يطول، لكن لا بد من معرفة هذه الكتب التي تخدم كتب السنة عموما أو كتب معينة أو تبحث في رواة معينين كالضعفاء والثقات أو تبحث في الرواة عموما، ومن أنفع الكتب في هذا الباب تواريخ البخاري، والإمام أحمد ويحيى بن معين، والجرح والتعديل لأبي حاتم، والثقات والمجروحين لابن حبان وغيرها، من الكتب التي تفرعت عنها، ومما يخدم الكتب الستة الكمال في أسماء الرجال للحافظ عبد الغني، وتهذيبه للحافظ المزي، وتهذيب تهذيبه لابن حجر، والتقريب له، والتذهيب للحافظ الذهبي، والكاشف له، وغير ذلك من الكتب التي لا تخفى على آحاد المتعلمين، لكن تجب العناية بها والأخذ عنها وعدم الاكتفاء بالمختصرات؛ لأن بعض الطلاب يكتفي بالكاشف، أو يكتفي بالتقريب، أو يكتفي بالخلاصة وهي لا تعطيه حكما دقيقا لا بد أن ينظر في أقوال العلماء المختلفة ويوفق بينها على ضوء قواعد الجرح والتعديل ومراتبهما، مراتب الجرح والتعديل لا بد من معرفة مراتب الجرح ومراتب التعديل؛ لأن مراتب الجرح وإن كانت متساوية في التضعيف وإن كانت يعني مشتركة في أو مشترِكة في تضعيف الرواة إلا أنها متفاوتة تفاوتا كبيرا، فرق بين وضّاع ودجال وبين من فيه ضعف، فرق بين هذا وهذا وبينهما مفاوز، ويحتاج إلى مثل هذا في معرفة من يُعتد به ويعتبر به ومن لا يعتبر به، كذلك مراتب التعديل متفاوتة، أوثق الناس، أو ليس به بأس، ومحله الصدق، وبينهما مراتب ومفاوز يحتاج إليها عند الترجيح بين الرواة وبين الأخبار، والأسماء أسماء الرواة لا بد من معرفتها من كتب الرجال وفي النخبة يقول الأسماء المجردة والأسماء المجردة ما معنى مجردة؟ مجردة من الأحكام أو من ماذا؟

طالب: ..........

التي جردت عن الجرح والتعديل؟

طالب: ..........

ما معناه؟

طالب: ..........

أحد عنده تحقيق الرغبة كأني رأيته..

يقول معرفة الأسماء المجردة والمفردة والكنى والألقاب والأنساب إلى آخره، قال الحافظ في شرحه: ومن المهم في هذا الفن معرفة الأسماء المجردة وقد جمعها جماعة من الأئمة فمنهم من جمعها بغير قيد، يعني بكونها أسماء ثقات أو ضعاف أو مذكورة في كتاب مخصوص كابن سعد في الطبقات، وابن أبي خيثمة، والبخاري في تاريخه، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ومنهم أفرد الثقات إلى آخر كلامه، وتعقَّب الشيخ قاسم بن قطلوبغا تلميذ المصنف بأنه إن كان مراده بالمجردة التي لا تقيد بكونهم ثقات أو ضعفاء أو رجال كتاب مخصوص فلا يظهر معنى قوله، ومنهم من جمعها بغير قيد، قال الملا علي قاري: الأسماء المجردة أي من الكنى والألقاب أعم من أن يكون أصحابها ثقات أو ضعاف مذكورة في كتاب دون كتاب، وبهذا اندفع اعتراض التلميذ بقوله إن كان المراد بالمجردة التي لا تقيد من كونهم ثقات أو ضعفاء أو رجال كتاب مخصوص فلا يظهر معنى قولهم، فمنهم من جمعها بقيد انتهى. قال الملا لكن لا يخفى أن الدفع إنما يتم لو ثبت أن جمع الأئمة مختص بمن لم يكن له كنية أو لقب أو بمن لم يشتهر بأحدهما، والظاهر أن جمعهم أجمع وأعم، وقال: وفي شرح أبي الحسن السندي بهجة النظر المراد بالمجردة العارية عن الخصوصيات المتقدمة من التوافق بالوجوه المذكورة ومن اشتهار مسمياتها بالكنى، يعني أن معرفة الأسماء مقيدة بالخصوصيات المذكورة من المهمات، وكذا معرفة الأسماء العارية عنها فمعرفة الكل من المهم إلى آخر الكلام.

والكنى بأنواعها سواء كانت بأبي فلان أو أم فلان، سواء كانت بالابن أو بالبنت، أو بما عُرِف به، ولو لم يكن ابنًا أو بنتا، قد يعرف بأبي فلان وله أولاد، قد يكون يشتهر بأبي الأشبال وليس له ولد ولا بنات، أو يكنى ولم يولد له قط، المقصود أنه بأنواعها إذا صدرت بأب أو أم يعتنى بها ويفرَّق بين من اسمه كنيته ومن له اسم غير الكنية، قد وجد من الرواة من اسمه كنيته وتعرف له كنية أخرى، "والألقاب" وهي ما أشعر بذم أو مدح، وفي كل هذا مصنفات: الكنى للدولابي مطبوع، والألقاب لجمع من أهل العلم، نزهة الألباب في الألقاب لابن حجر، وكشف النقاب وغيرها من المؤلفات يحتاج إليها والأنساب وتكون للقبائل هذا هو الأصل، ينسب الراوي إلى قبيلته وهذه هي طريقة العرب، لكن لما كثرت الفتوحات وانتشر الناس في الأقطار اشتهرت النسبة إلى البلدان، فالهمْداني نسبة إلى القبيلة، والهمَذاني نسبة إلى البلد، فيفرق بين هذا وهذا، وألف في الأنساب السمعاني كتابا حافلا كبيرا في ثلاثة عشر مجلدا واختصره ابن الأثير في ثلاثة أجزاء أسماه اللباب، واختصر المختصر السيوطي في لب اللباب وكلها مطبوعة "والمنسوب لغير أبيه" نعم قد ينسب الإنسان لجده وينسب لمولاه كالمقداد بن الأسود نسب لغير أبيه، وقد يُنسَب لأبيه نادرًا فيُظَن أنه غيره، فإذا عرفنا هذا وهذا أَمِنَّا من هذا اللبس، ومن وافق اسمه أباه وجده أو شيخه اسمه محمد وشيخه محمد، أو أبوه محمد أيضا وجده كذلك، ووجد محمد بن محمد بن محمد وهذا كثير في المتأخرين، الغزالي كذلك محمد بن محمد بن محمد، ووجدنا في تواريخ مكة في القرن التاسع والعاشر من اسمه محمد بن محمد بن محمد إلى عشرة "من وافق اسمه أباه" يعني اسم أبيه وجده أو شيخه وشيخه، يعني شيخه وشيخ شيخه أيضا، أو اسم راويه وشيخه يروي عن محمد عن محمد عن محمد وهذا موجود في الرواة، وقد تكون هذه الأسماء مهملة، حدثنا: محمد عن محمد عن محمد وحينئذ يحتاج محتاج إلى تمييز هذا المهمل، "الموالي" الذين ينسبون إلى القبائل وهم ليس منها إنما ينسبون إليها بالولاء، وكثيرا ما ينسب إلى إلى القبائل ثم لا يكون من أنفسهم بل مولاهم، وجدنا في رواة الكتب الستة الكثير حتى من الأئمة من الحفاظ الكبار من الموالي وهذا لا يضيره شيئا أن يكون مولى؛ لأن المقياس التقوى فمن كان أتقى لله فهو أعز وأشرف عنده وأفضل عنده ولو كان المفضَّل عليه من قريش "والموالي والإخوة" وأُلِّف في الإخوة والأخوات من الرواة في المصنف لأبي داود وغيره من أهل العلم، يعني ومن المهم أيضًا من الأنواع أدب الشيخ والطالب، وهذا على طالب العلم أن يعتني به، على طالب العلم أن يتحلى بما ذكره أهل العلم من أدب الطالب، وعلى الشيخ أن يتحلى بما ذكره أهل العلم من أدب الشيخ، ويشتركان أعني الشيخ والطالب بالإخلاص قال- رحمه الله- "وأدب الشيخ والطالب" وقلنا أن هذا بالنسبة لطالب العلم أهم المهمات؛ لأنه يذكره بأشياء منها الواجب، ومنها المستحب، ومنها ما يعين على الطلب والإخلال به يعوق عن التحصيل، فإخلاص النية لله جل وعلا في التعلُّم وفي التعليم مشترك بين الشيخ والطالب، وكذلك الجِد والحرص على نفع الناس على الانتفاع والنفع هذا أيضا ينبغي أن يكون مشتركًا وغير ذلك من الآداب التي فصَّلها أهل العلم، وسن التحمل للحديث والجمهور على أن الخمس يصح معها تحمل الأخبار بدليل حديث محمود بن الربيع في صحيح البخاري وأنه عقل المَجَّة التي مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه، جعلوا هذا السن حدا فاصلا فيكتبون لمن بلغ الخمس سمع، ولمن لم يبلغ الخمس حضر، وعلى كل حال المَرَدّ في ذلك إلى التمييز فلا فائدة في سماع من لم يميز ولو زاد على الخمس، يقول ابن الصلاح ولو بلغ الخمسين، وإذا ميز في الخمس أو قبل الخمس قبل سماعه وسجل اسمه في الطِّبَاق عند رواية الكتب أو الأحاديث فمَرَدّ ذلك على فهم السؤال ورد الجواب المطابِق، فإذا وجد التمييز صح السماع، "وسن التحمل والأداء" الأداء لا بد فيه وفي قبوله من البلوغ فلا تصح رواية الصبي لأنه غير مكلَّف وحينئذ لا يؤمَن على الحديث في أن يزيد وينقص أو يفتري؛ لأنه لم يكلَّف قل مثل هذا في الفاسق والكافر من باب أولى، لكن إذا تحملوا في حال الصغر أو في حال الفسق أو في حال الكفر ثم أدوا بعد ذلك بعد ارتفاع هذا الوصف، بأن كُلِّف الصبي، وتاب الفاسق، وأسلم الكافر صحت روايته ولو تحمل قبل إسلامه، وقبل عدالته وقبل تكليفه، فجبير بن مطعم تحمَّل الخبر حينما جاء في أسرى بدر في فداء الأسرى، وسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، كان كافرا ثم أدى ذلك بعدما أسلم وقبل حديثه وخرج في الصحيحين وغيرهما، وكتابة الحديث في أول الأمر جاء النهي عن الكتابة «لا تكتبوا شيئا غير القرآن ومن كتب شيئا غير القرآن فليمحه» من حديث أبي سعيد ثم بعد ذلك أذن بالكتابة «اكتبوا لأبي شاه» ويقول أبي هريرة: ما كان أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر مني حديثا إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب، ثم بعد ذلك تتابع الناس على الكتابة وأذن بها إذنا عاما، ثم تبناها عمر بن عبد العزيز فأمر ابن شهاب الزهري بكتابة السنة، ثم بدأ التصنيف والتدوين وجمع الأحاديث والآثار في الكتب، والكتابة لها آداب فيكتب الحديث بخط واضح لا لبس فيه ولا خفاء ولا تحريف ولا تصحيف، وكتابة الحديث وسماعه سماع الحديث وآداب السماع: أن يسمع بل يستمع الحديث ولا ينشغل عنه بغيره، لا بكتاب آخر ولا ينشغل بالحديث مع جاره ولا ينعس أثناء الدرس فيعتني بالسماع، وتصنيفه تصنيف الحديث إذا تأهل المؤلف للتصنيف عليه أن يبادر لأن التصنيف من أنفع ما يخلفه العالم ويستمر نفعه، وكم من شخص انتفع بمؤلفات ألفت منذ قرون، القرن الثاني والثالث ومازالت ينتفع بها إلى اليوم، بينما الذي لا يهتم بالتصنيف ولا يعتني به ولو علم الناس هذه الطبقة الذي تعلمت عليه تنقرض، لكن التصنيف يستمر، وإذا صنف وألف فأول من يستفيد هو لأن التصنيف من أعظم أسباب التحصيل وتثبيت العلم، ولا يعني هذا أن الإنسان يتطاول على العلم وكتب أهل العلم ويتصدى لذلك وهو ليس بأهل، إذا تأهل لذلك فلا شك أن التصنيف والتأليف من أنفع ما يخلفه العالم، "وكتابة الحديث وسماعه وتصنيفه وأسبابه" وأسباب الحديث أيضا صنف فيه مصنفات، ومعرفة أسباب ورود الحديث في غاية الأهمية في الإعانة على فهم الحديث، كما أن أسباب النزول مما يعين على فهم القرآن، التصنيف اختلفت وتباينت طرائق المحدثين فيه، فمنهم من يصنف على الأبواب، ومنهم من يصنف على المسانيد، ومنهم من يصنف بالأسانيد، ومنهم من يصنف الكتب المجردة من دون الأسانيد، ومنهم من ينقل الأحاديث والآثار بطرقها، ومنهم من يقتصر على طريق واحدة إلى غير ذلك، منهم من يصنف على مسانيد الصحابة، وإذا صنف على المسانيد هل يرتبهم على الأفضلية أو على الحروف أو غير ذلك كل هذا موجود في مصنفات الأئمة، "وأسبابه" أسباب ورود الحديث عرفنا أن فيه مصنفات: البيان والتعريف لأسباب ورود الحديث الشريف، وأسباب ورود الحديث للسيوطي وغيرها، وعرفنا أن معرفة السبب تورث العلم بالمسبَّب، سواء كان ذلك في الحديث أو في القرآن؛ لأن الخبر قد يأتي فيه شيء من الإجمال، فإذا عرفنا السبب انتفى هذا الإجمال، وقد يزول التعارض بين أحاديث بمعرفة السبب فحديث «صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم» مع حديث عمران بن حصين «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب» لو جاء شخص ليصلي فريضة، ويقول: أنا يكفيني نصف الأجر نقول صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا لا تصح صلاتك إلا قائما إلا مع العجز، فالقيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة، طيب متنفل تصح صلاته من قعود؟ على النصف من أجر صلاة القائم ما الذي أخرج المتنفل من حديث عمران بن حصين «صل قائما» ومن الذي أخرج المفترض من حديث «صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم» إذا عرفنا سبب ورود الحديث الثاني انحل الإشكال، سبب الورود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمَّة يعني فيها حمى، فوجد الناس يصلون من قعود، فقال «صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم» فتجشم الناس الصلاة قياما؟ ما الدليل على أنها نفل؟ أنهم صلوا قبل حضوره، الفريضة لا يصلون إلا إذا حضر، وهذا في القادر على القيام، أما العاجز عن القيام أجره كامل ولو صلى قاعدا بدليل أنهم تجشموا الصلاة قياما فاستطاعوا أن يصلوا من قيام، ولو عجزوا عن الصلاة من قيام لكان الأجر كاملا وغير ذلك من الفوائد التي تؤخذ وتستنبط من أسباب النزول "ومرجعها النقل" هذه العلوم التي تقدمت مرجعها النقل ليست مجالا للاجتهاد، ضبط الرواة وأسماؤهم وألقابهم وكناهم هل تخضع لاجتهاد؟ يعني إذا وجدت اسم راوي في سند هل تجتهد في ضبطه من غير الرجوع إلى كتب الرجال؟ لا يمكن؛ لأن الأسماء توقيفية لا يستدل عليها بما قبلها ولا ما بعدها؛ ولذلك تجب العناية بها بالرجوع إلى كتب الرجال، وقل مثل هذا في بقية الأنواع، قال: "ومرجعها النقل فليست مما يدخله الاجتهاد بحيث يكون العلماء على طريقة ومنهج في هذه الأبواب ثم يأتي من يخالفهم" فنعم توجد مسائل اجتهادية يعني لو وجد شخص كتابا في رجال الكتب الستة وكتابا في رجال كتب الأربعة مثلا ثم ضم الكتابين إلى بعض نقول هذا ليس فيه إشكال لكن في محتويات هذه الكتب ليس له أن يجتهد إلا للتوفيق بين أقوال الأئمة من خلال قواعدهم في الجرح والتعديل، لا يجتهد في إضافة رجال لا يوجدون في هذه الكتب ممن ليس لهم رواية أو يجتهد في حذف من لهم رواية، هذه كلها مردها إلى ما كتبه أهل العلم في مصنفاتهم.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.