تعليق على تفسير سورة الأنعام من أضواء البيان (08)

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى: "مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَبْحَثِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَدْ قَدَّمْنَا إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَجُمْهُورهِمْ عَلَى أَنَّهُمَا يُخْرَصَانِ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَالِكِينَ يَحْتَاجُونَ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ؛ فَبِسَبَبِ ذَلِكَ شُرِعَ خَرْصُ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ، وَيُخْرَصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَجَرَةً شَجَرَةً، حَتَّى يُعْلَمَ قَدْرُ مَا فِي الْجَمِيعِ الْآنَ مِنَ الْأَوْسَاقِ، ثُمَّ يَسْقُطُ مِنْهُ قَدْرُ مَا يَنْقُصُهُ الْجَفَافُ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنَ الْعِنَبِ أَوِ الرُّطَبِ، وَإِذَا جَفَّ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مَثَلًا، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْيَابِسَيْنِ، لَا مِنَ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ، وَإِذَا خَرَصَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا خَلَّى بَيْنَ مَالِكِيهِ وَبَيْنَهُ، وَبَعْدَ الْجِذَاذِ يَأْتُونَ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ عَلَى الْخَرْصِ الْمَذْكُورِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا، وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الِاحْتِيَاطِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالرِّفْقِ بِأَرْبَابِ الثِّمَارِ، فَإِنْ أَصَابَتْهُ بَعْدَ الْخَرْصِ جَائِحَةٌ، اعْتُبِرَتْ، وَسَقَطَتْ زَكَاةُ مَا اجْتَاحَتْهُ الْجَائِحَةُ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ الْجَائِحَةِ بَعْدَ الْخَرْصِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

فيما تقدم مما ذكره المؤلف فيما يتعلق بزكاة الحبوب والثمار، قد يقول قائل: في قوله –جلَّ وعلا-: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام:141] يحتاج إلى وقت بعد بدو صلاحه إلى وقت حصاده، يحتاج إلى وقت، فمن الذي يضمن حق الفقير من بِدو الصلاح واعتبار الانتفاع بالأكل منه قبل أن يجف ويُحصَد، يعني في وقت الالتقاط منه مما يؤكل؟

قيل: يُضمَن حق الفقراء بالخرص، يُخرص قبل أن يُحصَد، فيُضمن حق الفقراء بهذا الخرص؛ لأنه لا يمكن وزنه ولا كيله ولا... على رؤوس النخل، وعلى الشجر، فيُضمن حق الفقراء بالخرص، والخرص جاءت به النصوص الصحيحة، وأمر به النبي- عليه الصلاة والسلام-.

على كل حال هو طريقٌ مُعتبر لتقدير الثمار، الخرص معناه: أن يأتي الشخص الخبير بهذا الشأن وجرت العادة أنه يُوجد خبراء لا يختلف تقديرهم عن الواقع إلا بشيءٍ يسير، وقد لا يختلف، وهذا أمرٌ سائر وسائغ إلى يومنا هذا، يُوجد خبراء في الزروع والثمار يخرصون ويُقدِّرون الثمرة، فلا يكاد خرصهم يُخطئ حزرهم، وتقديرهم لا يكاد يُخطئ؛ لأنهم أهل خبرة.

والخبير بأي شيءٍ من أمور الدنيا يُدرك مغازيها وتقديرها وحجمها بدقة، كل أهل فن يعرفون فنَّهم إذا ترددوا فيه، فالمزارعون يعرفون قدر الثمار، ويتفاوتون في هذا، لكن هناك منهم خبراء لا يختلف تقديرهم عن الواقع، وإن اختلف في شيءٍ يسير لا يُعتبر، وقُل مثل هذا في سائر المِهن والحِرف وأمور الدنيا، وهذا شيءٌ مُجرَّب مثل: القافة أو قُصاص الأثر لديهم خبرة ومعرفة ويدلونك على المراد؛ لأن لهم خبرة، الماشية لها أهلها، والسيارات لها أهلها، تجد الخبير من أهل السيارات يُخبرك ولو لم يطَّلِع على الواقع كأنه كهانة.

قُل مثل هذا في العلم بفروعه، من المحدثين من يعرف علة الحديث من سماعه أو من قراءته ولو لم يطَّلع على ما وراء ذلك؛ حتى قال بعضهم: عِلمنا بهذا –يعني علل الحديث- كهانة عند الجاهل، تقول له: ما السبب؟ يقول لك: ما أدري، لكن فيه علة، والدليل على ذلك أنك تسأل ابن معين، فيقول: فيه كذا، تسأل علي بن المديني، يقول: فيه علة، تسأل الإمام أحمد: فيه عِلة، يتفقون على هذا وإن لم يستطع التعبير عنها، خبرة وكثرة التردد على الشيء يُولِّد مَلكة عند الإنسان تجعله يحكم بمجرد هذه الخبرة.

يؤتى بسيارة إلى المعارض بمجرد نظرة عابرة من غير أن يتفحَّص، يقول: هذا الكبوت مرشوش، وهذا الصدَّام ما أدري أيش، يقولون هذا ويعرفون، بل جيء ببعض العميان الذين لديهم شيءٌ من الاهتمام وأخبروا عن هذا.

فلا يُقال: إن هذا ظن وتخمين، ومجرد رجمٌ بالغيب كما قال بعض من يقول بعدم شرعية هذا التقدير وهذا الخرص.

طالب: ...........

لا لا، منضبط بدليل الواقع، وما حصل من بعض الصحابة الذين أمرهم النبي –عليه الصلاة والسلام- قدَّروه بالمكاييل فوافق، وعندنا في المزارعين من لا يختلف قوله عن الواقع، يدخل البستان من أوله إلى آخره ويمشي بين النخيل ويقول: المجموع كذا، مثل ما قال المحدِّث: كهانة عند الجاهل، يقول: هذا كهانة عند الجاهل.

"وَمِمَّنْ قَالَ بِخَرْصِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ: الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، وَمَرْوَانُ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ".

نقف عند هذا عبد الكريم بن أبي المخارق مضعَّف عند أهل العلم في روايته، ووثقه الإمام مالك مغترًّا به، يقول: غرَّني بكثرة جلوسه في المسجد، يبقى أنه في الرواية ضعيف، وفي فقهه قوة، وقوله مُعتبر كما قيل في غيره من العلماء، يعني أبو حنيفة ضعَّفوه في الحديث، وهو الإمام الأعظم عند كثير من المسلمين.

ابن إسحاق إمام أهل المغازي تُكلِّم فيه بكلامٍ كثير، عاصم بن أبي النجود القارئ أحد القُراء المشاهير الذين تُعتبر روايته من القراءات المتواترة، وهو معروف ونُبِذ في حفظه.

ذكرنا مرارًا أنه قد يتجه المرء إلى شيءٍ يضبطه ويتقنه، وإن أخل ببعضه، يعني كون أبي حنيفة– رحمه الله- يُرمى بسوء الحفظ ليس معناه أنه لا يفهم أو لا يستقر في ذهنه شيء، لكنه اتجه إلى تحرير المسائل وضبط المسائل العلمية، وما يتعلق بها، فضبطها وأتقنها، الحديث غفل عنه في تحرير المسائل بالرأي والعقل، ولا يخلو من مستند، فضبطه وأتقن هذا، وغفل عن هذا، وقُل مثل هذا فيمن قيل فيه بسوء الحفظ بالنسبة للرواية، وأما بالنسبة للدراية فعندهم من الفهم والدقة والتنظير هذا موجود في سائر الفنون، هناك أئمة فحول كبار أثْروا العلم بجميع أنواعه وفروعه وفنونه.

مثلًا ابن الملقن الذي شرح البخاري بثلاثين مجلدًا، يقولون: إنه من غير كتاب لا يمشي، إذا جلس في مجلس تسأله ما... لكن إذا مسك كتابًا بدأ يؤلِّف ويُحرر ويُنقح هذا كثير فيمن فيه ضعف، أما من تُسعفه الحافظة فقد يكون في حافظته يستحضر الأمور، لكن لا يستطيع أن يُفرِّع عليها، ويكون في فهمها أقل من ذاك.

وذكرنا ما يتعلق بالجلالين في مناسباتٍ كثيرة، السيوطي يحفظ مائتي ألف حديث، ويقول: لو وجدت غيرها لحفظته، ومع ذلك لو كلِّف في مسألة حسابية لكان تكليفه بنقل جبل أشق من ذلك، وشريكه المحلي حاول حفظ ملزمة مِن كتاب الشيرازي الثاني غير المهذب.

طالب: ..........

لا، مشهور عندهم ومشروح.

(التنبيه) يقول: حاولت حفظ أول ملزمة من الكتاب، وجلست مدةً طويلة، ويقول: ارتفعت عليَّ الحرارة، وظهر فيه بثور، وما حفظ شيئًا، ويقولون: إن فَهمه يثقب الألماس أو ما أدري الفولاذ، قالوا مثل هذا.

فهي مواهب، فلا تُكلف شخصًا ضعيف الحافظة بما يحفظه فلان، تقول: إن فلانًا هذا أحفظ لكذا وكذا، والذي يتجه لشيء مع نيته الصادقة ودأبه في تحصيله يُدركه، بإذن الله.

الآن يُقال: فلان يحفظ من أسماء الناس ما يمر عليه بعد أربعين سنة، خمسين سنة يذكر فلانًا، بينما آخر يمر عليه من الغد يقول: مَن؟ يسأله.

وبالمقابل هذا يحفظ من أسماء رجال الحديث أضعاف أضعاف ما يحفظه ذاك من أسماء الرجال، فالمسألة مسألة اهتمام، فإذا اهتم الإنسان لشيء وعنده مقومات تُعينه على ذلك فما الذي يمنع؟

عبد الكريم بن أبي المخارق، يقول مالك: غرَّني بكثرة جلوسه في المسجد، فوثقه، نُقِل عنه توثيقه، والجمهور على تضعيفه، فكونه يُنقل رأيه في مثل هذه المسائل في الغالب أن يكون له قصة تتعلق بشيءٍ من هذا، وإلا ما يُنقل قوله، هذا في الغالب أن يكون له قصة متعلقة بالموضوع دعت إلى نقل كلامه، وإلا ما هو من الفقهاء المعروفين ولا من أهل الحديث ولا من كذا، لكن حصلت له قصة متعلقة بهذا عند من له شأن في الباب فنُقِل قوله.             

"وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي (الْمُغْنِي)، وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ الْخَرْصَ بِدْعَةٌ، وَمَنَعَهُ الثَّوْرِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: الْخَرْصُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ حُكْمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخَرْصُ تَخْوِيفًا لِلْقَائِمِينَ عَلَى الثِّمَارِ؛ لِئَلَّا يَخُونُوا، فَأَمَّا أَنْ يَلْزَمَ بِهِ حُكْمٌ فَلَا".

هذا قول هؤلاء الذين لا يرون الخرص، يقولون: إن الذي حصل من النبي –عليه الصلاة والسلام- في قضايا الخرص التي سيرد ذكرها هذا تخويف لأهل الزروع الثمار أننا عرفنا الذي عندكم فلا تكتموا شيئًا، وإلا ما يلزم به حُكم مُعوَّل على المكيال والميزان.

فهذا الكلام ليس بصحيح.

"قَالَ مُقَيِّدُهُ -عَفَا اللَّهُ عَنْهُ-: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ تُبْطِلُهُ نُصُوصُ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَأَتَيْنَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةٍ لِامْرَأَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اخْرِصُوهَا» فَخَرَصْنَاهَا، وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَةَ أَوْسُقٍ، وَقَالَ: «أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ» وَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا؟ قَالَتْ: بَلَغَ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ، فَهَذَا الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْخَرْصِ، كَمَا تَرَى.

وَعَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَبْعَثُ عَلَى النَّاسِ مَنْ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ كُرُومَهُمْ وَثِمَارَهُمْ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ.

وَعَنْ عَتَّابٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَيْضًا قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ، كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ، فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْرًا، أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

وَالتَّحْقِيقُ فِي حَدِيثِ عَتَّابٍ هَذَا: أَنَّهُ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عَتَّابًا؛ لِأَنَّ مَوْلِدَ سَعِيدٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَعَتَّابٌ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، وَقَدْ أَثْبَتَ الْحُجَّةَ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدٍ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَقُولُونَ بِعَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي (شَرْحِ الْمُهَذَّبِ): إِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يُحْتَجُّ بِمَرَاسِيلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ مُطْلَقًا".

لأن الإمام الشافعي يقول: وإرسال ابن المسيب عندنا حسن، وقالوا: إنها فُتّشت كلها فوجدت موصولة عن طريق صهره أبي هريرة، فهو حُجة، مراسيل سعيد لاسيما عند الشافعية حُجة، ولا يترددون في ذلك، لكن غيرهم يرون أن الشروط منطبقة على قبوله، وأنه من كبار التابعين لاسيما إذا وُجِد ما يؤيد هذا المرسل من مرسلٍ آخر عن رجال غير طريق رجال السند الأول أو شهد له نصٌّ من القرآن أو حديثٌ آخر، أو مُسند يشهد له مرسل يُرسله غير رجال المرسل الأول بالشروط المعروفة عند أهل العلم.

وعلى كل حال مراسيل سعيد فيها قوة، ولديه تحرٍّ واحتياط بخلاف الحسن وغيره.

"وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِنَّمَا يُحْتَجُّ بِمَرَاسِيلِهِ إِذَا اعْتَضَدَتْ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: أَنْ يُسْنِدَ".

يُسنَد، يُسنَد أو يُرسَل يعني: يأتي من طريقٍ آخر سواءً كان مسندًا أو مرسلًا.

"أَوْ يُرْسَلَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، أَوْ يَقُولَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ هُنَا؛ فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ -عَفَا اللَّهُ عَنْهُ-: وَبِمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ تَعْلَمُ اتِّفَاقَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْمُرْسَلِ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يَحْتَجُّونَ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا، فَظَهَرَ إِجْمَاعُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ هَذَا الْمُرْسَلِ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيُّ".

الأئمة الثلاثة يقول الشيخ: "يَحْتَجُّونَ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا" المعروف أن مالكًا وأبا حنيفة يحتجون بالمراسيل، وغيرهم منهم من يحتج به بشروط كالشافعي، ومنهم من لا يحتج به.

وَاحْتَجَّ مَالِكٌ كَذَا النُّعْمَانُ

 

بِهِ وَتَابِعُوهُمَا وَدَانُوا

وَرَدَّهُ جَمَاهِرُ النُّقَّادِ

 

لِلْجَهْلِ بِالسَّاقِطِ فِي الْإِسْنَادِ

"وَرَدَّهُ جَمَاهِرُ النُّقَّاد" يعني: المرسل.

مسلم نقل الإجماع على رد المراسيل.

وَصَاحِبُ التَّمْهِيدِ عَنْهُمْ نَقَلَهْ

 

وَمُسْلِمٌ صَدْرَ الْكِتَابِ أَصَّلَهْ

"وَصَاحِبُ التَّمْهِيدِ عَنْهُمْ نَقَلَهْ" يعني عن الجمهور رد المرسل.

"وَمُسْلِمٌ صَدْرَ الْكِتَابِ أَصَّلَهْ" الذي هو رد المراسيل.

والشيخ يقول: "وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يَحْتَجُّونَ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا" مالك وأبو حنيفة يحتجون بالمرسل، أحمد في روايةٍ عنه دُوِّنت في كُتب الحنابلة وفي مقدماتهم فيه الاحتجاج بالمرسل من ضمن الأصول التي يعتمد عليها الإمام أحمد، لكن لا نعتمد هذه الرواية ونترك ما نُقِل عنه مع غيره من أهل العلم من رد المراسيل.

طالب: ..........

إن لم يجد في الباب غيرها كما يحتج بالضعيف؛ لأنه أقوى عنده من رأي الرجال، هذا الكلام معروف عند أهل العلم، لكن عند التحرير المرسل مردود؛ لأن الساقط مجهول يحتمل أن يكون صحابيًّا، وأن يكون تابعيًّا، إن كان الساقط صحابيًّا فلا إشكال، وإن كان تابعيًّا فيحتمل أن يكون رواه عن صحابي، ويحتمل أن يكون رواه عن تابعيٍّ آخر، إذا رواه عن تابعيٍّ آخر فلا بُد أن نقف على هذا التابعي لنعرف قدره في ميزان الجرح والتعديل؛ لأنه ثبت أن التابعي يروي عن تابعي، وقد يروي عن تابعيٍّ ثانٍ وثالث ورابع وخامس، يروي تابعيٍّ عن تابعي، ويروي ثلاثةٌ من التابعين بعضهم عن بعض، ويروي أربعة، ويروي خمسة، وأطول إسناد في الدنيا ما فيه رواية ستةٍ من التابعين بعضهم عن بعض، فإذا وُجِد مثل هذا الاحتمال، وكان في هؤلاء التابعين أحدٌ ضعيف وأُسقِط ذهبت قضية مسألة الثقة في هذا الراوي وأنه لا يروي إلا عن ثقة، والذي رواه عنه يُمكن أن يكون روى عن ضعيف وهكذا؛ ولذا يقول:     

وَرَدَّهُ جَمَاهِرُ النُّقَّادِ

 

لِلْجَهْلِ بِالسَّاقِطِ فِي الْإِسْنَادِ

مجهول إذا كان ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، فإن سلِم هذا من الضعف ما سلِم هذا وهكذا.

طالب: ..........

الذي يمشي على قاعدة مطرِّدة مثل الفقهاء، ويقول: إمامه يقبل المراسيل، فيقبلها على عواهنها، وعلى كيفياتها المختلفة هذا شيء، لكن المحدِّث له نقد دقيق، قد يقبل هذا المرسل ويرد ذاك، ولا يكون من باب التحكم.

طالب: ..........

على كل حال المسألة طويلة الذيول، والخلاف لن ينحسم، ولكن الإنسان مُطالب بما يدين الله به، وألا يتسرَّع في الأحكام؛ حتى يدرس المسألة، ويكون على بينة من حكمها، ومن دليلها، لا بُد أن يكون على بينة.

فيه مسائل دون فهمها من المتأخرين، ودون معرفة دليلها وإن عرف الدليل في الظاهر، لكن حقيقة الدليل ووجه الاستدلال فيه خفاء، خفاءٌ شديد، يعني لما يقول الإمام البخاري بتصحيح -وهذا من العجائب- بتصحيح حديث «لاَ نِكاحَ إِلاّ بِوَلِي» مع كون من أرسله كالجبلين، شُعبة وسفيان يقولون: مرسل، والبخاري يُصحح!

مَن الأئمة إلا شُعبة وسفيان وأمثالهم؟! وهم أقرب إلى الرواة من البخاري، ما الذي جعل البخاري يُصحح الحديث؟

في نُكتة لا يعرفها إلا من عاصر الرواة، يقول الترمذي: وشُعبة وسفيان رويا هذا الحديث في مجلسٍ واحد، فكأنهما راوٍ واحد. مَن الذي يعرف مثل هذه العلة من المخرِّجين الشباب الموجودين الآن الذين لمعت أسماؤهم على الكتب وظهرت، يعرفون مثل هذا؟

والله المستعان.  

"وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ مُتَّصِلًا، فَقَالَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ.

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخَيِّرُ يَهُودَ وَيَأْخُذُونَهُ بِذَلِكَ الْخَرْصِ، أَوْ يَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْخَرْصِ؛ لِكَيْ يُحْصِيَ الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ تُؤَكِّلَ الثِّمَارُ وَتُفَرِّقَ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.

وَقَدْ أُعِلَّ بِأَنَّ فِيهِ وَاسِطَةً بَيْنَ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يُعْرَفْ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِدُونِ الْوَاسِطَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ مُدَلِّسٌ؛ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهَا تَدْلِيسًا، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ: ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ، قَالَ: فَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَرْسَلَهُ مَعْمَرٌ، وَمَالِكٌ، وَعَقِيلٌ".

عُقيل.

"وَعُقيل، فَلَمْ يَذْكُرُوا أَبَا هُرَيْرَةَ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: خَرَصَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسقٍ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (التَّلْخِيصِ) أَيْضًا: رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، الْحَدِيثَ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ خَيْبَرَ أَقَرَّهُمْ، وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خيثْمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ".

سهل بن أبي حثمة.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: .........

"عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَبَاهُ خَارِصًا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا خيثمة قَدْ زَادَ عَلَيَّ. الْحَدِيثَ".

طالب: أو إن أبا حَثْمَةَ.

والله الذي نحفظ في الحديث صلاة سهل بن أبي حثمة التي رويت على ستة أوجهٍ أو سبعة؟

طالب: .........

لا، ما هي بصلاة الكسوف.

رويت على ستة أوجهٍ أو سبعة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟

طالب: .......

الخوف، هو راوي صلاة الخوف.

"ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ حَدِيثَ عَتَّابٍ، وَحَدِيثَ عَائِشَةَ اللَّذَيْنِ قَدَّمْنَاهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الصَّحَابَةِ، لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ الصَّلْتِ بْنِ زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْخَرْصِ، فَقَالَ: «أَثْبِتْ لَنَا النِّصْفَ، وَأَبْقِ لَهُمُ النِّصْفَ، فَإِنَّهُمْ يَسْرِقُونَ، وَلَا نَصِلُ إِلَيْهِمْ».

فَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلِّهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْخَرْصَ حَكَمٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ بَاطِلٌ، بَلْ هُوَ اجْتِهَادٌ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ الثَّمَرِ، وَإِدْرَاكُهُ بِالْخَرْصِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمَقَادِيرِ وَالْمَعَايِيرِ، فَهُوَ كَتَقْوِيمِ الْمَتْلَفَاتِ.

وَوَقْتُ الْخَرْصِ حِينَ يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرِ، كَمَا قَدَّمْنَا؛ لِمَا قَدَّمْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ: بِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَبْعَثُ الْخَارِصَ، فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.

وَالْجُمْهُورُ الْقَائِلُونَ بِالْخَرْصِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ، فَقِيلَ: هُوَ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ بِهِ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَتَّابٍ مِنْ قَوْلِهِ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ، الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ".

سُنَّة يقولون: سُنَّة، قيل: سُنَّة؛ "لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ بِهِ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَتَّابٍ مِنْ قَوْلِهِ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"، ما الفرق بين الدليلين؟

طالب: ..........

"كَانَ يَأْمُرُ بِهِ"، الثاني: أمر به "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" فيه فرق؟

طالب: ..........

موجود أمامنا سُنَّةٌ؛ "لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ بِهِ" فيه فرق بين أمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بكذا، وبين قوله: افعلوا كذا؟ فيه فرق؟

طالب: .........

"كَانَ يَأْمُرُ بِهِ"، وأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بكذا، المسألة معروفة عند أهل العلم في نقل اللفظ النبوي، وبين التعبير عن اللفظ النبوي، يقول داود الظاهري وبعض المتكلمين: إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، أو نهانا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلا يدل على الإلزام؛ لأن الصحابي قد يسمع كلامًا يظنه أمرًا وهو في الحقيقة ليس بأمر، أو يسمع كلامًا يظنه نهيًا وهو في الحقيقة ليس بنهي.

الكلام مردود؛ لأنه إذا ما عرف الصحابة مدلولات الألفاظ النبوية فمن أين نبحث عنها؟ فكان يأمر وأمر ما فيه فرق عند عامة أهل العلم.

طالب: ...........

سهل بن أبي حثمة ما فيه غيره.

طالب: ...........

يأتي وهذا غلط نفسه، نفسه سهل ليس بسهيل؛ لأنه يأتي خطأ مثله. 

"قَالُوا: الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّهُ إِنْ تُرِكَ الْخَرْص قَدْ يَضِيعُ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ الْفُقَرَاءِ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ وَاجِبٌ يَسْتَوْجِبُ تَرْكُهُ الْعِقَابَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ قَوِيٍّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ الْقَائِلُونَ بِالْخَرْصِ، هَلْ عَلَى الْخَارِصِ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا؟ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبْعَ؛ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ".

يعني إن لم يوجد الخرص ويُشرَّع الخرص، فالإشكال أن فيه مشقةً عظيمة على أصحاب الثمار، وقد يضيع بعض الحقوق على الفقراء؛ لأنه يستمر من بدو صلاحه، وصلاحه للأكل وبين وجوب أخذ الزكاة منه وقت الوجوب بينهما وقت طويل، يحتاج أهل الثمار أن يأكلوا، فماذا يصنعون، يُسجلون كل ما أكلوه ويضمنونه للفقراء، أم ماذا يصنعون؟ يُخرَص ويُبيَّن مقداره، ويُحفَظ هذا القدر ويُنظَر فيما ينقصه إذا جف؛ لأن الرطب ينقص إذا جف، في الحديث الصحيح: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟» قالوا: نعم، قال: «فَلَا إِذًا». 

"وَابْن حِبَّانَ، وَالْحَاكِم، وَصَحَّحَاهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا، وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبْعَ» فَإِنْ قِيلَ فِي إِسْنَادِهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ نِيَّارٍ".

نيَار.

"مَسْعُودِ بْنِ نِيَارٍ الرَّاوِي، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَقَدْ قَالَ الْبَزَّارُ: إِنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ لَهُ شَاهِدًا بِإِسْنَادٍ مُتَّفَقٍ عَلَى صِحَّتِهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ بِهِ، قَالَهُ الْحَاكِمُ. وَمِنْ شَوَاهِدِهِ: مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «خَفِّفُوا فِي الْخَرْصِ» الْحَدِيثَ، وَفِي إِسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْخَارِصَ لَا يَتْرُكُ شَيْئًا".

القول: بأن الخارص يترك الربع أو الثلث رفقًا بأصحاب الأملاك والأموال، وأصحاب الثمار، وتُترك لهم فرصة يأكلون ويُهدون، ويتصدَّقون من غير الزكاة الواجبة هذا هو الأرفق بأصحاب الأموال، وما يقول به الشافعي من عدم ذلك هذا من باب الاحتياط لحقوق الفقراء، والشرع يأتي بالرفق بهذا، وعدم إهمال مصلحة هذا، ويُسدد بين الأمرين، ويرفق بالأغنياء، ويحتاط للفقراء فالمسألة إذا صح الحديث فلا كلام لأحد في الترك.

طالب: ...........

نعم، القياس أنه لا يترك شيئًا.

"قَالَ مُقَيِّدُهُ -عَفَا اللَّهُ عَنْهُ-: وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَتْرُكُ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبْعَ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِثُبُوتِ الْحَدِيثِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُعَارِضُهُ؛ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يَأْكُلُوا وَيُطْعِمُوا جِيرَانَهُمْ، وَضُيُوفَهُمْ، وَأَصْدِقَاءَهُمْ، وَسُؤَالَهُمْ".

وسؤَّالهم.

"وَسُؤَّالَهُمْ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَرِ يَتَسَاقَطُ، وَتَنْتَابُهُ الطَّيْرُ، وَتَأْكُلُ مِنْهُ الْمَارَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ لَهُمُ الْخَارِصُ شَيْئًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُمُ الْأَكْلَ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَلْزَمُ إِسْقَاطُهُ، وَلَا يَحْسَبُ عَلَيْهِمْ.

وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَهُوَ مُقْتَضَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ، فَإِنْ زَادَ الثَّمَرُ أَوْ نَقَصَ عَمَّا خَرَصَهُ بِهِ الْخَارِصُ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا زَادَ، وَتَلْزَمُهُ فِيمَا نَقَصَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَضَى.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُنْدَبُ الْإِخْرَاجُ فِي الزَّائِدِ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ مَا نَقَصَ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ -عَفَا اللَّهُ عَنْهُ-: أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ شَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ".

إذا خُرِص ألف وسق مثلًا كما قُدِّر سابقًا، ثم قيل: إذا جف يكون ثمانمائة، ثم لما جف وكيل وُجِد سبعمائة مثلًا أو تسعمائة، يعني نقص أو زاد.

ما الذي يلزم صاحب الثمر؟ أن يُخرج زكاة الثمانمائة ولا يزيد ولا ينقص كما خُرِصت، أو إذا زاد يلزمه إخراج الزائد وإذا نقص لا يلزمه إخراج الناقص؟ إذا كانت معلقة بالولاة ويأخذون ويرسلون السُّعاة؛ ليأخذوا هذه الزكاة من غير نقاش وهي مسجلة عندهم بأوراق إن أمكنه ألا يدفع إلا ما وجب عليه من خلال الواقع فالأمر كذلك لا ينقص ولا يزيد، لا يلزمه زكاة ما لم يحصل له، وإن كانت المسألة إلزامًا فيدفع ويُخلف الله عليه.

طالب: .........

نعم، هو يُلاحظ في الخرص كلٌّ على مذهبه أنه يخرصه فيما يرى، ثم يُقدِّره فيما يؤول إليه، ويحسم منه القدر الذي يُعفى عنه بالحديث السابق، ثم يخرج النتيجة الصافي.

طالب: .........

من الخرص.

طالب: .........

ليأكله لكن الذي يقول: لا يحسم شيء يُحسب عليه، والذي يُقول: يُترك لهم الربع أو الثلث يُلاحظ هذا فيه.

طالب: .........

ما تدري.. ما تدري.

"وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنَّهَا قَدْ تَجِبُ عَلَيْهِ، قَالَ خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيُّ فِي (مُخْتَصَرِهِ): وَإِنْ زَادَتْ عَلَى تَخْرِيصِ عَارِفٍ فَالْأَحَبُّ الْإِخْرَاجُ، وَهَلْ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوِ الْوُجُوبِ؟ تَأْوِيلَانِ".

يعني الأحب هل هو على ظاهره، فما يُخرِج إلا استحبابًا أو على سبيل الوجوب؟ تأويلان على ما قال.

"قَالَ شَارِحُهُ الْمَوَّاقُ مِنَ الْمُدَوِّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ خُرِصَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ فَرَفَعَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُزَكِّيَ".

يعني: الخارص رآه وقدَّره بخمسة، وهو في حقيقته لا يصل إلى خمسة، أربعة، فإذا جيء استحصال الزكاة أو أخذ الزكاة من قِبل السُّعاة هم ما عندهم إلا المكتوب لهم في الأوراق، قالوا: عندك خمسة أوسق، ادفع زكاتها، قال: أنا لما جذذتها وكِلتها ما طلع عندي إلا أربع.

"أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُزَكِّيَ"؛ ليبرأ من عهدة الواجب بيقين.

طالب: .........

أو العكس كله هذا وهذا، لو خُرِص له خمسة وتبين أربعة يُلزمونه بما كُتِب لهم.

طالب: .........

يدفع وأجرها عوضه على الله.

طالب: .........

هذه مسألة نظيرة لمسألة الظفر، فهل له أن يأخذ ما يقف عليه؟ خُفية في مقابل ما ظُلِم به، وإن أمكنه أن يُخفي بعض الشيء ليتقاضى بعد ما ظُلِم به، يعني افترض أنه خُرِص له خمسة وهو في الحقيقة أربعة، فأُخِذ من الزكاة خمسة، لكن عنده أشياء ثانية يلزمه فيها الزكاة، هل يأخذ ما يُقابل هذا الوسق الزائد أو لا؟ يُستحب له أن يُزكي كل ما طُلِب منه، وأجره على الله، يقول: "أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُزَكِّيَ". 

"أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُزَكِّيَ ابْنُ يُونُسَ".

يعني: قال ابن يونس.

"قال ابن يونس: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَفْظَةُ أَحْبَبْتُ هَا هُنَا عَلَى الْإِيجَابِ، وَهُوَ صَوَابٌ كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِحُكْمٍ، ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ خَطَأٌ صُرَاحٌ. ابْنُ عَرَفَةَ".

مثله قال ابن عرفة.

"قال ابن عرفة: عَلَى هَذَا حَمَلَهَا الْأَكْثَرُ، وَحَمَلَهَا ابْنُ رُشِدٍ، وَعِيَاضٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ".

يعني على مدلول اللفظ أحببت، وفي ألفاظ الأئمة مصطلحات قد تُفهَم على وجهها ومدلولها اللغوي، وقد تُحمَل من خلال مقارنتها بمسائل أخرى أو بأقوالٍ أخرى للإمام على غير ذلك، كما يقول الإمام أحمد أحيانًا: يُعجبني أو لا يُعجبني كذا، وهذا من ورعه في مسائل تستحق أكثر من هذا اللفظ، والإمام البخاري في نقده للرجال إذا قال: فيه نظر، فهو ضعيف شديد الضعف.

"قَالَ مُقَيِّدُهُ -عَفَا اللَّهُ عَنْهُ-: وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الزَّائِدِ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا النَّقْصُ: فَإِذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا نَقَصَتْ عَمَّا خُرِصَتْ بِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ مَا نَقَصَتْ بِهِ، وَإِنِ ادَّعَى غَلَطَ الْخَارِصِ.

فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْخَارِصَ أَمِينٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تُقْبَلُ دَعْوَاهُ غَلَطَ الْخَارِصِ، إِذَا كَانَتْ مُشَبَّهَةً".

"مُشَبَّهَةً" يعني: مقبولة، إذا كانت الدعوى مقبولة.

"أَمَّا إِذَا كَانَتْ بَعِيدَةً، كَدَعْوَاهُ زِيَادَةَ النِّصْفِ أَوِ الثُّلُثَيْنِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْجَمِيعِ".

لأنها مفترضة في أمين ائتمنه ولي الأمر، وفي عارف ما يُمكن أن يؤتى بخارص لا يعرف ولا يُقارب، ثم يُقال: يُقبل قوله، كسائر المهن، تأتي بطبيب لا يُحسن الطب، ويُخطئ تقول: هذا طبيب! ما ينفع، في التثمين إذا جيء بالسلعة لصاحب صنف، وقيل له: كم تستحق هذه السلعة؟ وقال: ألف، ثم ذهب بها إلى السوق ما سِيمَت إلا تسعمائة وخمسين أو ألف وخمسين، يعني قريب، ما يُخرجه هذا عن حد الخبرة.

 مرةً سألت واحدًاعن كتاب قال: سبعمائة.. ألف وسبع، هذا خرص هذا؟! هذا الواقع، فقلت له: ما هذا التباين في تسعيرك؟ قال لي: أنا اشتريت نسختي بسبعمائة، ورأيتها بالمحل الفلاني بألف وسبع، هذا مُبرر؟! هذا يصلح خارصًا؟    

"وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ: يَسْقُطُ عَنْهُ مِنَ الْكَثِيرِ الَّذِي ادَّعَى قَدْرَ النَّقْصِ الَّذِي تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِيهِ، وَأَمَّا إِنِ ادَّعَى أَنَّ الْخَارِصَ جَارَ عَلَيْهِ عَمْدًا، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا لَوِ ادَّعَى جَوْرَ الْحَاكِمِ، أَوْ كَذِبَ الشَّاهِدِ، وَكَذَا إِذَا ادَّعَى أَنَّهُ غَلِطَ فِي الْخَرْصِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ مَا زَادَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنِ ادَّعَى رَبُّ الثَّمَرِ: أَنَّهُ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَهُ، فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا يُشْبِهُ قَوْلُهُ، كَمَا لَوِ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَهُ سُرِقَ بِاللَّيْلِ مَثَلًا قِيلَ بِيَمِينٍ".

قُبِل.

"قُبِل بِيَمِينٍ، وَقِيلَ: لَا".

يعني إذا كانت الدعوى معقولة ومقبولة وقريبة عمَّا إذا ادعى تلف المال بجائحةٍ ما وقعت قال: احترق، وما فيه علامة على احتراقه، غرِق ولا فيه علامة على الغرق، فهذا لا تُقبل دعواه.

"وَإِنْ أَضَافَ هَلَاكَ الثَّمَرَةِ إِلَى سَبَبٍ يُكَذِّبُهُ الْحِسُّ، كَأَنْ يَقُولَ: هَلَكَتْ بِحَرِيقٍ، وَقَعَ فِي الْجَرِينِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَحْتَرِقْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى كَلَامِهِ، فَإِنْ عُلِمَ وُقُوعُ السَّبَبِ الَّذِي ذُكِرَ، وَعُمُومُ أَثَرِهِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنِ اتُّهِمَ حَلَفَ، قِيلَ: وُجُوبًا، وَقِيلَ: اسْتِحْبَابًا".

لأن بعض الناس يستغل بعض الظروف، ثم بعد ذلك يدعي ما يدعي، يقول: تلف بحريق، بالفعل وُجِد حريق، لكن حريق ما يُتلِف هذه الكميات، ولا عُشر هذه الكميات، ثم يُريد أن يستغل وجود هذا السبب لإمضائه وإمراره على الجميع، في هذه الحالة إذا شك الحاكم يتحرى ويُحلِّفه، والله المستعان. 

"وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عَدَمُ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ وَلَا وُجُودُهُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى وُجُودِ أَصْلِ السَّبَبِ، ثُمَّ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْهَلَاكِ بِهِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الْأَخِيرُ لِلشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ غَيْرُ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، فَلَا يُخْرَصُ الزَّيْتُونُ، وَالزَّرْعُ، وَلَا غَيْرُهُمَا، وَأَجَازَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الزَّيْتُونِ، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ فِي سَائِرِ الْحُبُوبِ. 

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي التَّمْرِ، وَالْعِنَبِ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَرْصِ لَمْ يَرِدْ إِلَّا فِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

الثَّانِي: أَنَّ غَيْرَهُمَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو غَالِبًا إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا، وَالْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ زَبِيبًا، وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا كَذَلِكَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ ظَاهِرَةٌ مُجْتَمِعَةٌ فِي عُذُوقِهَا".

فيسهل خرصها، والعنب كذلك.

"وَالْعِنَبُ ظَاهِرٌ أَيْضًا مُجْتَمِعٌ فِي عَنَاقِيدِهِ، فَحَرْزُهُمَا مُمْكِنٌ".

"مُمْكِنٌ" يعني: الخرص.

"بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنَ الْحُبُوبِ، فَإِنَّهُ مُتَفَرِّقٌ فِي شَجَرِهِ، وَالزَّرْعُ مُسْتَتِرٌ فِي سُنْبُلِهِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْحَاجَةِ إِلَى أَكْلِهِ لَا يُحْسَبُ؛ لِمَا قَدَّمْنَا، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُحْسَبُ عَلَيْهِمْ كُلَّمَا أَكَلُوهُ مِنَ الْحَبِّ، وَلَا يُحْسَبُ مَا تَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ فِي دَرْسِهَا".

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه.

"