كتاب بدء الوحي (038)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول: في مناسبة تجاوز ورقة لعيسى، وذكره لموسى: ألا يقال إنه مقر بنبوة عيسى باتباعه له، وأراد أن يبين أنه مقر بنبوة موسى بذكره له في الحديث؟

هذا كلام جيد، يقول: ذكرت في درس سابق من شرح صحيح البخاري في كتاب الفتن أن البخاري روى عن عمرو بن عبيد كما لا يخفى أنه معتزلي، وروى عنه البخاري ما يوافق بدعته، فكيف هذا وهو يخالف قاعدة أهل المصطلح ألا يروى عن المبتدع ما يوافق بدعته، إلى آخره. في مثل هذه الحالة إذا روى البخاري عن مبتدع داعية مثلًا إلى بدعته كعمران بن حطان وعمرو بن عبيد فإنه لا يروي عنهم ما يتفردون به، ما يروي عنه إلا ما يوافقه عليه الناس، ويكون محفوظًا من حديث غيره، ويثبت برواية غيره، ثم لا مانع أن يخرج الحديث عمن هذه صفته وإلا عامة أهل العلم أنه لا يُروى عن الداعية، ونقل عليه ابن حبان الاتفاق، لكن خرّج البخاري لعمران بن حطان وعمرو بن عبيد المعتزلي المعروف، وذاك خارجي معروف من رؤوس المبتدعة ودعاتهم، لكنهم لا يروون عنهم ما يتفردون به، رواية المبتدع ما يؤيد بدعته هذه تهمة، هذه تهمة، هم قالوا في الرواية عن الخوارج أنهم من أصدق الناس لهجة وتجاوزوا بالرواية عنهم ما لم يتجاوزوا فيه عن غيرهم من المبتدع، لكن لا شك أن الرواية عن الخوارج بما يؤيد بدعتهم هذا تهمة.

هذا يقول: حول الإشكال الذي أوردناه في الفصل الماضي عن الشرح الكبير، حينما قال الحافظ ابن حجر: وقد بينّا ذلك في مقدمة الشرح الكبير، والمقدمة هي هدي الساري ومعروف أنها مقدمة لفتح الباري، فماذا عن الشرح الكبير؟

أطلنا الكلام في هذا وما وصلنا فيه إلى نتيجة مقنعة، في كلام اطلعنا عليه فيما بعد للسخاوي في الجواهر والدّرر لعله يحل بعض الإشكال، ونقله أخونا هذا السائل يقول: ألا يمكن أن تكون المقدمة للشرح الكبير ثم بعد أن شرع في الشرح الكبير رأى الهمم قصرت خصوصًا أنه لم يبين في هدي الساري أنها مقدمة لفتح الباري، ويدل على ذلك قول السخاوي في الجواهر: وكان عقب فراغ المقدمة شرع في شرحٍ أطال فيه النَّفَس، وكتب منه قطعةً تكون قدر مجلدٍ، ثم خشي الفتور عن تكميله على تلك الصفة، فابتدأ بشرحٍ متوسط وهو فتح الباري، هذا كلام نفيس من السخاوي، وهو من أعرف الناس بابن حجر.

طالب:..

إلى حد ما نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ما زال الكلام للإمام ابن مالك -رحمه الله تعالى- في شواهد التوضيح في مسألة نداء ما لا يصلح للنداء؛ لأنه يقرِّر ضعف ما ذهب إليه كثير ممن تكلم على هذه المسألة وهي مسألة دخول حرف النداء على ما يصلح للنداء، قال: إنه ضعيف؛ لأنهم قالوا: لا بد أن يُقدَّر ما يصلح للنداء {يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ}[سورة النساء:73]، ليتني أكون جذعًا أو أكون حيًّا كأنه يقول: يا قوم أو يا فلان، ومثله: {أَلَا يَسْجُدُواَ}[سورة النمل:25] على قراءة الكسائي، يعني ألا يا قوم اسجدوا، قال: لأن قائل يا ليتني قد يكون وحده فلا يكون معه منادىً ثابت ولا محذوف، كقول مريم -عليها السلام-: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا}[سورة مريم:23] ليس عندها أحد حينما قالت ذلك، مع أنه أبدى بعض الإخوة في الدرس الماضي أنه لا مانع من أن تقول وحدها يا ليتني بمعنى يا رب ليتني مِتُّ قبل هذا، قال: ولأن الشيء إنما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه، إذا كان الموضع الذي ادُّعي فيه حذف مستعملاً فيه ثبوته كحذف المنادى قبل أمر أو دعاء، فإنه يجوز حذفه لكثرة ثبوته فإن الآمر والداعي يحتاجان إلى توكيد اسم المأمور والمدعو بتقديمه؛ فإن الآمر والداعي يحتاجان إلى تأكيد اسم المأمور والمدعو بتقديمه على الأمر والدعاء، استُعمل ذلك كثيرًا حتى صار موضعه مُنَبَّهًا عليه، إذا حُذِف فحسُن حذفه لذلك.

قال: ومن ثبوته قبل الأمر: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}[سورة الأعراف:19]، {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ}[سورة البقرة:40]، {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ}[سورة الأعراف:31]، {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}[سورة هود:76]، {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[سورة مريم:12]، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ}[سورة لقمان:17]، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ}[سورة الأحزاب:1]، ومن ثبوته قبل الدعاء: {قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}[سورة الأعراف:134]، {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}[سورة يوسف:97]، {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[سورة الزخرف:77] ثم أورد: {أَلَا يَسْجُدُواَ}[سورة النمل:25].

ألا اسلمي يا دار مي

 يقول: فحسّن حذف منادىً قبل الأمر والدعاء اعتياد ثبوته في محل ادِّعاء الحذف بخلاف ليت فإن المنادى لم تستعمله العرب قبلها ثابتًا، فادعاء حذفه باطل؛ لخلوه من دليل، فتعين كون يا التي تقع قبلها لمجرد التنبيه مثل ألا.

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة        بوادٍ وحولي إذخر وجليل

 ومثلها في قوله: {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ}[سورة آل عمران:119] وفي قول السائل عن أوقات الصلاة: ها أنا ذا يا رسول الله، إلى أن قال: وقد يجمع بين ألا ويا توكيدًا للتنبيه، كما جُمع بين كي واللام ومعناهما واحد في قول الشاعر:

أردت لكيما إلى آخره.

يقول ابن حجر في قوله: يا ليتني: فيه دليل على جواز تمني المستحيل، دليل على جواز تمني المستحيل إذا كان في فعل خير؛ لأن ورقة تمنى أن يعود شابًّا، وهو مستحيل عادةً قال: ويظهر لي أن التمني ليس مقصودًا على بابه، ويظهر لي أن التمني ليس مقصودًا على بابه، بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبره به، والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به. لكن ما المانع من أن يكون التمني على بابه؛ ليُحصِّل من أجر الاتباع وأجر النصرة ما يمكن تحصيله؟

طالب:...

يعني قبل ما يدرى ما حكمه لعله نُسخ هذا الحكم، لا، له نظائر، له نظائر في النصوص، لكن قول ابن حجر: ويظهر لي أن التمني ليس مقصودًا على بابه، بل المراد تأكيد التصديق، أنا أقول: لا يمنع أن يكون التمني على بابه؛ ليُحصِّل ما يُحصِّل من أجر التصديق والنصرة.

طالب:...

ما ذكره ابن حجر، ليتني أكون حيًّا، وللأصيلي: يا ليتني أكون حيًّا إذ يُخرجك قومك من مكة، إذ يخرجك قومك من مكة توضيح لابن الملقن يقول: استعمل فيه إذ في المستقبل كإذا، وهو استعمال صحيح كما نبّه عليه ابن مالك.

طالب:...

يعني الجذع تقدَّم تعريفه، تقدَّم، فات في أول الأمر.

طالب: .............

 يعني الجذع بالتفصيل لا، لكن شابًّا قويًّا، شابًّا فتيًّا هذا تقدَّم. وفي الأصل في الحيوان ثم استعمل في هذا كله تقدَّم.

طالب:...

المقصود به قوة الشباب.

يقول ابن الملقن في توضيحه: استعمل فيه إذ في المستقبل كإذا وهو استعمال صحيح كما نبّه عليه ابن مالك. ابن مالك ماذا يقول في شواهد التوضيح؟: وقوله إذ يخرجك قومك استعمل فيه إذ موافقة لإذا في إفادة الاستقبال، وهو استعمال صحيح غفل عن التنبيه إليه أكثر النحويين، وننتبه لقوله: غفل عن التنبيه إليه أكثر النحويين. وفيه مناقشة بين ابن حجر والعيني حول هذه الغفلة، منه قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ}[سورة مريم:39]، وقوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ}[سورة غافر:18]، وقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ}[سورة غافر:71]، وكما استعملت إذ بمعنى إذا استعملت إذا بمعنى إذ، ويكون حينئذٍ من باب تقارض الحروف، وحلول بعضها مكان بعض، وتضمين الحروف معاني بعضها البعض الآخر، وكما استعملت إذ بمعنى إذا استعملت إذا بمعنى إذ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ}[سورة آل عمران:156] يعني ضربوا في المستقبل أم في الماضي؟ هو في الماضي {أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا}، وكقوله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}[سورة التوبة:92] وكقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا}[سورة الجمعة:11]، إذا رأوا حصل أو ما حصل؟ حصل قبل نزول الآية حصل.

 لأنهم لو كانوا عندنا ما ماتوا ولا قتلوا، ولا أجد ما أحملكم عليه مقولان فيما مضى، وكذا الانفضاض المشار إليه واقعٌ أيضًا فيما مضى، فالمواضع الثلاثة صالحة لإذ، وقد قامت إذا مقامها.

هو يقول: غفل عنه أكثر النحاة، وهو استعمال صحيح غفل عن التنبيه إليه أكثر النحاة. يقول ابن حجر: تعقبه شيخنا شيخ الإسلام، تعقبه شيخنا شيخ الإسلام ويريد به الغالب أنه يريد سراج الدين البلقيني. وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام بأن النحاة لم يغفلوه، بل منعوا وروده. وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام بأن النحاة لم يغفلوه، بل منعوا وروده، وأوَّلوا ما ظاهره ذلك، وقالوا في مثل هذا استعمل الصيغة الدالة على المُضي لتحقق وقوعه، يعني المستقبل إذا تُحُقِّقَ وقوعه عُبِّر عنه بالماضي {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}[سورة النحل:1] يعني عُبِّر عما سيأتي بالفعل الماضي أتى؛ لتحقق الوقوع. قال: وقالوا في مثل هذا استعمل الصيغة الدالة على المُضي لتحقق وقوعه، فأنزلوه منزلته.

وننظر في قوله: لم يغفلوه بل منعوا وروده، وأولوا ما ظاهره ذلك، يعني تأويلهم له يدل على منع الورود أم على وجود الورود؟ على وجوده لا على منع وروده، فأنزلوه منزلته، ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في التعبير حين يُخرجك قومك، وعند التحقيق ما ادعاه ابن مالك فيه ارتكاب مجاز. يعني استعمال الماضي للمستقبل والعكس فيه ارتكاب مجاز، وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز، يعني التأويل الذي ذكروه، وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز ومجازهم أولى؛ لما ينبني عليه من أن إيقاع المستقبل في صورة المُضي؛ تحقيقًا لوقوعه أو استحضارًا للصورة الآتية في هذه دون تلك مع وجوده في أفصح الكلام، مع وجوده، كيف يقول: منعوا وروده ثم يقول مع وجوده؟ مع وجوده في أفصح الكلام وكأنه أراد بمنع الورود ورودًا محمولاً على حقيقة الحال، لما قال البلقيني منعوا وروده كأنه أراد بمنع الورود ورودًا محمولاً على حقيقة الحال لا على تأويل الاستقبال.

 العيني يقول: قلتُ: بل غفلوا عنه، بل غفلوا عنه، كيف غفلوا عنه؟ العيني يقول: غفلوا عنه، والبلقيني يقول: ما غفلوا عنه، بل منعوا وروده، والعيني يقول: قلتُ: بل غفلوا عنه؛ لأن التنبيه على مثل هذا ليس من وظيفتهم، وإنما هو من وظيفة أهل المعاني، يعني ليس من علم النحو، وإنما هو من علم البلاغة؛ لأن التنبيه على مثل هذا ليس من وظيفتهم وإنما هو من وظيفة أهل المعاني، وقوله: بل منعوا وروده كيف يصحُّ وقد ورد في القرآن في غير ما موضع؟ وأولوا ما ظاهره ينافي أو ما ظاهره يعني قوله: وأولوا ما ظاهره ينافي قوله: منعوا وروده يدل على أنه موجود؛ إذ لا يؤول المفقود، إنما يؤول الموجود، ينافي قوله: منعوا وروده، وكيف نسب التأويل إليهم وهو ليس إليهم، وكيف نسب التأويل إليهم وهو ليس إليهم يعني إلى النحاة وهو ليس إليهم وإنما هو إلى أهل المعاني؟

قوله: ومجازهم أولى؛ لأنه يقول ابن مالك ارتكب مجاز وغيره الذين منعوا وروده ارتكبوا مجاز قال: ومجازهم أولى؛ لأن ابن مالك يقول: تأتي إذا بمعنى إذ، وإذ بمعنى إذا، يقول: ارتكب مجاز، لماذا؟ لأن ورود إذ بمعنى إذا استعمالٌ لها في غير ما وضعت له، وهذا حدّ المجاز عند من يقول به والعكس كله استعمال لأحد الحرفين في غير ما وضع له، وهذا هو المجاز عند من يقول به، ابن مالك ارتكب مجاز، وهم أيضًا ارتكبوا مجاز؛ لأن استعمال ما يدل على الاستقبال في المُضي استعمالٌ له في غير ما وضع له والعكس كذلك.

قوله: ومجازهم أولى إلى آخره بعيدٌ عن الأولوية، يقول العيني: بعيد عن الأولوية؛ لأن التعليل الذي علله لهم هو عين ما علل به ابن مالك في قوله: استعمل إذ في المستقبل كإذا وبالعكس، فمن أين الأولوية؟

الآن ما الفرق بين كلامهم وكلام ابن مالك؟ كلام ابن مالك ينصب على الحرفين في المعنيين، وكلامهم انصب على المعاني دون التقيد بالحروف، فلا فرق على كلامه هو، على كلام العيني، لكن في المبتكرات محاكمة بين العيني وابن حجر في المحاكمة الرابعة قال: فهذا الذي ذكره ابن مالك قد أقره عليه غير واحد، وتعقبه شيخنا بأن النحاة لم يغفلوا عنه بل منعوا وروده، وأوّلوا ما ظاهره ذلك وقالوا في مثل ذلك: استُعمِلت الصيغة الدالة على المُضي لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته، ويقويه هنا أن رواية البخاري بالتعبير: حين يخرجك قومك إلى آخره. قلتُ: بل غفلوا عنه؛ لأن التنبيه على مثل هذا ليس من وظيفتهم، بل من وظيفة أهل المعاني، وقوله: بل منعوا وروده لا أدري كيف يصح وقد ورد في القرآن في غير ما موضع؟ هذا كلام العيني. وقوله: وأوّلوا ظاهره إلى آخره ينافي قوله منعوا وروده وكيف نسب إليهم التأويل وهو ليس إليهم.

يقول البوصيري في المحاكمات قلت: حاصل كلام ابن حجر، حاصل كلام ابن حجر الرد على ابن مالك في دعواه غفلة، في دعواه غفلة أكثر النحويين في استعمال إذ للمستقبل، بل منعوا ذلك مؤولين ما ظاهره الجواز، وحاصل ما للعيني الاعتراض من ثلاثة أوجه، حاصل ما للعيني الاعتراض من ثلاثة أوجه:

 الأول: قوله منعوا وروده فهو غير صحيح؛ لوروده في القرآن كثيرًا. الثاني: نسبة التأويل إلى إليهم وهو ليس إليهم، بل وظيفة علماء المعاني. يعني حينما يتكلم النحوي في علم المعاني أو من عُرف باهتمامه بعلوم البلاغة في مسائل النحو يُحجر عليه أم ما يحجر؟ إذا كان متمكنًا من العلمين؟ لا يحجر عليه، لكن هل هذا مراد العيني؟ هل هذا مراد العيني أن النحوي لا يسوغ له أن يتكلم بصفته نحويًّا نعم لكن بصفته متفنن جامع للعلوم ماذا يمنع؟ فيكون من أهل المعاني حينما يتكلم في فنهم.

كثيرًا ما يستدرك العيني على ابن حجر في حينما يدخل في هذه المسائل ولا سيما ما يتعلق بعلم النحو، ويشد عليه، ومرةً قال: وهذا يدلّ على أنه ما شمَّ من علم النحو شيئًا، والبوصيري في المحاكمة نفسها قال: وهذا يدل على أن ابن حجر قد أكل النحو أكلاً لمًّا، ولم يكتف بشمه شمًّا.

وهو ليس إليهم بل وظيفة علماء المعاني.

 الثالث: التهافت الذي بين منع الورود وتأويل الوارد الممنوع، وأقول: إن معنى وروده والظهور الذي أشار إليه قلم العيني، هو الظهور الذي أشار إليه قلم العيني، وأولوا ما ظاهره ينافي إلى آخره والممتنع ورود إذ مستعملة في الظاهر والباطن استعمال إذا على الحقيقة. الممتنع ورود إذ مستعملة في الظاهر والباطن استعمال إذا على الحقيقة، أما مجازًا فلا.

وأما قوله: ونسب التأويل إليهم وهو ليس إليهم فإنه كلامٌ إنما يظهر له معنى في نحو الفنون والمذاهب المختلفة القواعد والأصول، فلا يستدل بقاعدة حنفي على مالكي مثلاً ولا عكسه، يعني حينما تنفصل العلوم انفصالاً تامًّا نقول: ليس إليه، ليس للفقيه الصِرف أن يتكلم في علل الحديث، ليس له أن يتكلم في علم الحديث، وليس للنحوي أن يتكلم في القواعد الفقهية مثلاً إذا انفصلت انفصالاً تامًّا، وأما إذا تداخلت، وكثير من العلوم تتداخل كثير من العلوم تتداخل فإذا وجد هذا التداخل فللنحوي أن يتكلم، وللبلاغي أن يتكلم؛ لوجود هذه التداخل.

 يقول: وأما قوله: نسب التأويل إليهم وهو ليس إليهم إنما هو فإنه كلام إنما يظهر له معنى في نحو الفنون والمذاهب المختلفة القواعد والأصول. فلا يستدل بقاعدة حنفي على مالكي مثلاً ولا عكسه، وأما العلوم المشتركة التي تُذكر في كل فن وكتاب فهي مشتركة مشاعة بين الجميع، وهذا يؤكد ما ذكرناه مرارًا أنه بالإمكان أن يتصدى شخص لتفسير القرآن، وينفذ من خلاله إلى جميع الفنون، ما المانع؟ يتكلم على التفسير ويتكلم على النحو، ويتكلم على البلاغة، وتكلم على الحديث، يفسر القرآن بالحديث، يتكلم على الفقه والاستنباط وغير ذلك، وأما العلوم المشتركة التي تُذكر في كل فن وكتاب فهي مشتركة مُشاعة بين الجميع. على أن الفنون قد تجتمع في واحد فمن وقف على شرح العيني وتأمل فيه بحكم يحكم بالبداهة، لو قلنا: إن الدخول في التأويل من نحوي على طريقة أهل البلاغة أو العكس ممنوع لقلنا: أول ما يمنع طريقة العيني في شرحه للبخاري، ولذلك يقول: فمن وقف على شرح العيني وتأمل فيه يحكم بالبداهة أنه -رحمه الله- أصولي نحوي بديعي صرفي محدث فقيه جدلي وهكذا. فهو من أهل كل فن وكذلك أمثاله. وكذلك أمثاله.

لكن قد يمتاز على ابن حجر في فنون، ويمتاز عليه ابن حجر في فنون، نعم يبحث مع ابن حجر الذي وافق شيخه في الرد على ابن مالك بقوله: إن النحاة لم يغفلوا عنه إلى آخره؛ لأن دعوى ابن مالك هي غفلة الأكثرين المؤذن بإشعار البعض، ولا أظن أن جميع النحاة، ولا أظن أن جميع النحاة في ذِكرٍ يعني مما...

 الطبعة ما هي بجيدة، الطبعة الليبية أفضل منها بالنسبة للمبتكرات، وطُبع أوّل مرة في ليبيا قبل سبعين سنة أفضل من الطبعة هذه الجديدة.

 يقول: وغير غافلين عن المسألة فاتفقا على عالمية البعض وغفلة البعض الآخر، فأين معنى تعقبه شيخنا؟ لقد ذهب أدراج الرياح فتأمل الجميع.

الآن هم بينهم خلاف في الواقع أم ما بينهم خلاف؟ حينما ذكر ابن مالك أنه غفل عنه أكثر النحويين، ابن حجر نقل عن شيخه أنهم ما غفلوا عنه، بل منعوا وروده، والعيني يتعقب منع الورود بالوجود وينقض هذا الكلام من كلام البلقيني نفسه، وتوجيه كلام ابن حجر والبلقيني شيخه جاء في كلام صاحب المبتكرات.

طالب:...

ما بينهم خلاف في الحقيق، ليس بينهم خلاف، إنما نظر ابن مالك إلى الحرفين فقط، وأن هذا يأتي بمعنى هذا، نظر ابن حجر الذي نقله عن شيخه البلقيني وأقرّه وردّ عليه العيني بقوة نظر إلى المعنى الأصلي، وأنه قد يرد المُضي ويراد به الاستقبال والعكس. الآن الفعل الماضي الذي هو في الأصل لما انتهى، إذا دخل أحدكم الخلاء، دخل فعل ماضٍ معناه أن الحدث وقع في الزمن الماضي، هل المراد أنه في الزمن الماضي أو المستقبل؟ يعني إذا أراد، فيذكر الماضي ويُراد به ما مضى من الزمان كما هو الأصل، ويُذكر ويراد به إرادة الشيء، إرادة الشيء، يعني قبل وقوعه، ويُطلق ويُراد به الشروع فيه لا الفراغ منه.

طالب:...

هو لو أراد حقيقة الأمر قلنا إن المعنى ...

طالب:...

استخدام إذ وإذا في الموضعين على الحقيقة، وإنما يدل على المراد السياق، ربما، قالوا: الأصل فيها التقليل، وقد تأتي ويُراد بها التكثير. {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}[سورة الحجر:2] نعم، هذا تقليل أم تكثير؟ تكثير، في المستخرجات من ألفية العراقي إذ خالفت لفظًا ومعنىً ربما

 إذ خالفت لفظًا ومعنىً ربما

يعني ربما خالفت لفظًا ومعنىً، يعني المستخرجات، فمخالفتها في اللفظ كثيرة، ومخالفتها في المعنى قليلة، فاستعمل اللفظ في معنييه، هل نقول: إن استعمالها حقيقي في الموضعين؟ والسياق هو الذي يُحدد؟ عند الشافعية يجوز استعمال اللفظ في معنييه أو في معانيه، لكن عند غيرهم لا.

 بعد هذا يقول: ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أو مخرجيّ هم؟» يقول النووي - في شرح القطعة التي شرحها من أوائل الصحيح لكتابي أو كتاب بدء الوحي والإيمان: أو مخرجي هم هو بفتح الواو وتشديد الياء هكذا الرواية، ويجوز تخفيف الياء على وجه والصحيح التشديد، وهو نحو قوله تعالى وتقدس: {بِمُصْرِخِيَّ}[سورة إبراهيم:22] وهو جمعٌ وهو جمع مُخرج فالياء الأولى ياء الجمع، والثانية ضمير المتكلم. وفُتحت للتخفيف؛ لئلا تجتمع الكسرة وياءان بعد كسرتين، وأما معناه فاستبعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخرجوه من غير سبب، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن منه فيما مضى ولا في ما بعده سببٌ يقتضي إخراجًا، بل كانت منه -صلى الله عليه وسلم- الأسباب المتكاثرات والمحاسن المتظاهرات الموجبات إكرامه، وإنزاله بأعلى الدرجات- أنفسنا له الفداء، صلى الله عليه وسلم-، ثم الكرماني نقل هذا الكلام بحروفه من النووي ولم يعزه له.

فيما تقدّم في هذا الخبر من قول خديجة –رضي الله عنها- : كلا والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. يعني هل الإخراج من البلد داخل في الخزي؟ الروايات الأخرى: لا يُحزنك، الإخراج من البلد مُحزن أم غير مُحزن؟ وحصل له - عليه الصلاة والسلام- شيء من الحزن؛ لإخراجه من بلده؛ لأنها أحب البلاد إلى الله، ولولا أن أهلها أخرجوه ما خرج، فالقسم قالت: والله لا يخزيك الله. في رواية: لا يُحزنك، يعني هل وقع خلاف ما أقسمت عليه أم ما وقع؟ بالنسبة للحزن وقع، وبالنسبة للخزي ما وقع؛ لأن هذا الإخراج الذي يترتب عليه عِظم الأجر عند الله -جل وعلا- الإخراج من البلد وإن كان ثقيلًا على النفس ليس بخزي؛ لأن الخزي العار، وكون الإنسان يُخرج؛ لأنه قال الحق هذا ليس بخزي ولا عار. يقول ابن حجر، لأن هذا الكلام نحتاجه في كلام ابن حجر هذا.

طالب:...

لا، لكن أقسمت بحضرته - عليه الصلاة والسلام- أن هذا لا يحصل، حصل له الإخراج فهل الإخراج ينافي رواية الحزن أم يوافق ولا ينافي رواية الخزي؟ لأنه في كلام سيأتي يبين. يقول ابن حجر: وقد استغل ابن الدِّغنة أو الدُّغنة على خلاف في ضبطه بمثل تلك الأوصاف على أن أبا بكر لا يُخرج، وقد استغل ابن الدّغنة بمثل تلك الأوصاف على أن أبا بكر لا يُخرج قال قلتُ: الحديث الذي أشار إليه ابن حجر هو موجود في الصحيح، برقم ثلاثة آلاف وتسعمائة وخمسة، بالجزء السابع، صفحة مائتين وثلاثين يقول ابن الدِّغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، فإن مثلك يا أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. هل نقول: إن ابن الدِّغنة اطلع على ما قالته خديجة وحفظه وجاء به بحروفها؟ أو نقول: إن هذا من باب الموافقة؟ هو يتحدث عن أوصاف موجودة في الرسول - عليه الصلاة والسلام-، وذكرتها أم المؤمنين خديجة، وهي موجودة في أبي بكر وذكرها ابن الدِّغنة، يعني الترتيب بالألفاظ ترتيب الجمل كما هي هل يقع مثله اتفاقًا أو لا بد أن يكون أحدٌ نقل من الثاني؟ هم يقولون: إن الحافر قد يقع على الحافر، ويوافق قول الأول قول الآخر، يقولون هذا، ويذكرون بعض الأبيات التي تُنسب لأكثر من واحد، وأكثرهم يقرر أن الموافقة قد تقع في شطر بيت، أما في بيت كامل فهذا يبعد أن يحصل الموافقة فيه.

خديجة لما قالت: إنك والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وهذا في البخاري، قصة ابن الدِّغنَّة ماذا قال؟ قال: فإن مثلك يا أبا بكر لا يُخرج ولا يَخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. هذه أوصاف موجودة، يعني الإنسان قد يتكلم يشرح شيئًا أمامه بذكر أوصافه الموجودة، ثم يأتي بعده آخر يشرح أو يتحدث عن نفس الشيء بذكر الأوصاف، قد يحصل الاتفاق، لكن بالحرف يحصل؟ بنفس الترتيب؟ بنفس الجُمل؟ فما الذي يغلب على الظن؟ يعني أنت لما تتحدث عن هذا الكتاب وهو أمامك تقول: لونه أحمر، وفيه زخرفة ذهبية، وعنوانه مكتوب بالخط الفارسي، ومطبعته كذا، يجيء واحد يتحدث نفس الكلام ولا يقدم ولا يؤخر ولا يزيد ولا ينقص؟ وهي كلها موجودة تتكلم عن محسوس، تتكلم عن معانٍ هم يتكلمون عن معانٍ قد يخفى بعضها على بعضهم.

 قال: فأنا لك جارٌ، اِرجع واعبد ربك ببلدك فرجع... إلى آخر الخبر وهو مُطول، وابن الدُّغُنّة بضم المهملة والمعجمة وتشديد النون عند أهل اللغة، وعند الرواة بفتح أوله وكسر ثانيه وتخفيف النون الدَّغِنَة على وزن الدثنة، والدُّغنّة أمه وقيل: أم أبيه، وقيل: دابته، ومعناها المسترخية، واختلف في اسمه فقيل: الحارث بن يزيد، وقيل: مالك، وقيل: ربيعة بن رُفيع وهو سيد القارة. وهو سيد القارة، قبيلة مشهورة من بني الهَون بن خزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر، وكان يُضرب بهم المثل في قوة الرمي، هذا ذكره الحافظ ابن حجر، وفيه طول، كلامه في طول.

طالب:...

نعم، لكن المستغرب الاتفاق بالحروف والترتيب وعدد الجمل.

طالب:...

يعني هذا محفوظ عند كل واحد يطبق على الشخص الذي تجتمع فيه؟

طالب:...

هذا يقتضي أن يكون محفوظًا عند الناس كلهم أن من اتصف بهذه الصفات تحصل له النتيجة، وكل من توافرت فيه صيغت مصاغها، يعني مثل ما يقال: إن هذا البيت ينطبق على كثير من الناس

 إذا قالت حذامِ فصدقوها         فإن القول ما قالت حذام

 نحن نتواطأ على هذا الكلام، فهل هذا مرصوف عند العرب لمن أريد مدحه بهذه الطريقة؟ يعني يمكن أن يأتي شخص لا علاقة له بهذا الحديث ولا بخديجة ولا بابن الدِّغنة ولا شيء يجد شخصًا ينطبق عليه ويأتي بهذه الحروف؛ لأنها محفوظة من ذي قبل؟ والله فيه بعد، فيه بعد.

طالب:...

يقول: قد يكون بعض الرواة؛ لأنه حفظ حديث بدء الوحي، واستقر في ذهنه لمّا ساق هذا الحديث ساقه على ما حفظ مما وُصف به النبي - عليه الصلاة والسلام-. ولا يلزم أن يكون ما قاله ابن الدُّغنّة بنفس النسق والترتيب، لا تنظر إلى النسق والترتيب، انظر إلى الجمل، ولو كان فيها تقديم وتأخير، هل نقول: إنه غيّر في الألفاظ، وزاد ونقص؛ لأنه حفظ ما وُصف به النبي - عليه الصلاة والسلام-؟ فيه بعد، ومثل هذا الاتفاق نادر، اللهم إلا إذا كان ابن الدُّغنّة حفظ ما قيل في النبي - عليه الصلاة والسلام- وطبقه على أبي بكر، فيكون المصدر واحدًا، ولا يمنع أن يتفق الناس على نقل كلام يتفقون عليه؛ لأن مصدره واحد.

«أو مُخرجيّ؟» يقول ابن مالك في شواهد التوضيح في كلام طويل يقول: الأصل فيه وفي أمثاله تقديم حرف العطف على الهمزة، الآن الذي معنا: أو مخرجيّ المقدم الهمزة على حرف العطف والأصل أن الهمزة همزة الاستفهام داخلة في الكلمة، والعطف يعطف هذه الكلمة على ما قبلها، فحرف العطف لا بد أن يتوسط بين المعطوف والمعطوف عليه، يعني إذا قلت: جاء خالد وداود، هل يجوز أن تقول: جاء خالد، ثم تأتي بحرف من داود وتعطف عليه الباقي؟ لا يجوز؛ لأنه حرف العطف، لا بد أن يتوسط بين المعطوف والمعطوف عليه، ما الحاصل هنا؟ الحاصل أنه تقدمت الهمزة على حرف العطف، والهمزة صلتها بالمعطوف لا بالمعطوف عليه، ولذا يضطر كثير ممن يتكلم في مثل هذه الكلمة وفي القرآن كثير من هذا النوع إلى أن يقدِّر معطوفًا بين الهمزة وبين الواو فيقول مثلاً: أو معاديّ ومخرجيّ؟ يأتي بمستفهم به تلتصق به الهمزة، ثم يأتي بحرف العطف ويعطف عليه الأمر الذي يُراد عطفه، وعلى هذا تتابع كثير من المفسرين وغيرهم ممن يتكلم على مثل هذه الكلمات.

ابن مالك يقول: الأصل فيه وفي أمثاله تقديم حرف العطف على الهمزة، كما تقدَّم على غيرها من أدوات الاستفهام نحو: وكيف تكفرون؟ وكيف تكفرون؟ لو سقنا الآية على مثل ما سيق أو مخرجيّ قلنا: كيف وتكفرون، قدمنا الاستفهام على الواو، لكن الذي جاء في القرآن {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}[سورة آل عمران:101]، ونحو: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}[سورة النساء:88] ونحو {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ}[سورة الأنعام:81]، ونحو: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[سورة الأنعام:95]، ونحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}[سورة الرعد:16] ونحو: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ}[سورة التكوير:26]، كل هذه الآيات تقدَّم فيها حرف العطف على الاستفهام، والذي معنا في الحديث تقدم الاستفهام على حرف العطف، لماذا ما عوملت الهمزة معاملة غيرها من حروف الاستفهام؟

يقول: فالأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف كما جيء بعده بأخواتها، فكان يقال: أفتطعمون أو: أفكلما، وفي: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ}[سورة يونس:51]، {أَفَتَطْمَعُونَ}[سورة البقرة:75]، {أَفَتَطْمَعُونَ}[سورة البقرة:75]، {أَفَكُلَّمَا}[سورة البقرة:87]، {أَثُمَّ}، ينبغي أن يقال: فأتطمعون، فأتطمعون تُقدم الحرف على الهمزة، فأكلما، ثم إذا؛ لأن أداة الاستفهام جزء من جملة الاستفهام؛ لأن أداة الاستفهام جزء من جملة الاستفهام وهي معطوفة على ما قبلها من الجُمل، والعاطف لا يتقدم عليه جزء مما عُطف، مثل ما قلنا: جاء زيد وداود ما يمكن أن تفصل الدال من داود وتجعلها قبل الواو، وهي معطوفة على ما قبلها من الجمل، والعاطف لا يتقدم عليه جزءٌ مما عُطف، ولكن خُصَّت الهمزت بتقديمها على العاطف؛ تنبيهًا على أنها أصل أدوات الاستفهام؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام. يعني كل باب له أُمّ، كل باب من أبواب العربية له أُمّ، وتكون هذه الأُم لها من الخصائص والمميزات ما ليس لغيرها، مثل إنّ على ما تقدم، ومثل كان على ما سبق بيانه. ولكن خُصَّت الهمزة بتقديمها على العاطف؛ تنبيهًا على أنها أصل أدوات الاستفهام؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام، وقد خُولف هذا الأصل في غير الهمزة. فأرادوا التنبيه عليه، فكانت الهمزة بذلك أولى؛ لأصالتها في الاستفهام.

قال: وقد غفل الزمخشري في معظم كلامه في الكشاف عن هذا المعنى، فادعى أن بين الهمزة وحرف العطف جملة محذوفة معطوفًا عليها بالعاطف ما بعده، وفي هذا من التكلف ومخالفة الأصول ما لا يخفى. دائمًا يأتي مثل هذا في التفاسير، لا سيما المختصرات كالجلالين ونحوه يدخلون كلمة بين همزة الاستفهام وبين حرف العطف يصلح أن تكون معطوفًا عليها، يعني مثل ما عندنا ماذا نقول؟ أمعاديّ ومخرجيّ؟ قال: وقد تقدم في كلامي على يا ليتني أن المدعي حذف شيء يصح المعنى بدونه لا تصحّ دعواه حتى يكون موضع ادعاء الحذف صالحًا للثبوت، ويكون الثبوت مع ذلك أكثر من الحذف، وما نحن بصدده بخلاف ذلك، فلا سبيل إلى تسليم الدعوى. وقد رجع الزمخشري عن الحذف إلى ترجيح الهمزة على أخواتها بكمال التصدير، والأصل في أومخرجي هم: أومخرجويَ، أومخرجويَ هم، فاجتمعت واو ساكنة وياء فأُبدلت الواو ياءً، وأدغمت في الياء وأُبدلت الضمة التي كانت قبل الواو كسرة تكميلاً  للتخفيف كما فُعل باسم المفعول من رميت حتى قيل فيه: مرميّ، وأصله: مرموي، يعني على وزن مفعول، ومخرجيّ خبر مقدم، وهم مبتدأ مؤخر، ولا يجوز العكس، ولا يجوز العكس؛ لأن مخرجيّ نكرة، فإن إضافته غير محضة، إذ هو اسم فاعل بمعنى الاستقبال، فلا يتعرّف بالإضافة، وإذا ثبت كونه نكرة لم يصحّ جعله مبتدأً؛ لئلا تخبِر بالمعرفة عن النكرة دون مُصحِّح، ولو روي مخرجي مخفف الياء على أنه مفرد لجاز وجُعل مبتدأً، وما بعده فاعل سد مسد الخبر كما تقول: أومخرجي بنو فلان؛ لأن مخرجي صفة معتمدة على الاستفهام، مسندة إلى ما بعدها؛ لأنه وإن كان ضميرًا فهو منفصل، والمنفصل من الضمائر يجري مجرى الظاهر، ومن هذا القبيل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أحيٌّ والداك؟» انتهى كلام ابن مالك.

وفي التوضيح لابن الملقن شرح البخاري: إنما قال أو مخرجيّ هم؛ لأنها حرم الله وجوار بيته وبلدة أبيه إسماعيل، فلذلك تحركت نفسه، فأتى بهمزة الاستفهام على وجه الإنكار والتفجع لذلك، والتألم.

اللهم صلِّ على محمد.