كتاب العلم (06)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول الشارح -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: (قوله: «ومن سلك طريقًا») نحن وقفنا على هذا، («ومن سلك طريقًا» هو من جملة الحديث المذكور، وقد أخرج هذه الجملة أيضًا مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديث غير هذا، وأخرجه الترمذي وقال: حسن، قال: ولم يقل له صحيح؛ لأنه يقال: إن الأعمش دلس فيه فقال: حُدثت عن أبي صالح.

قلت: لكن في رواية مسلم عن أبي أسامة عن الأعمش: حدثنا أبو صالح، فانتفت تهمة تدليسه)، الترمذي -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- على تساهله ما حكم على الحديث بالصحة لتهمة تدليس الأعمش، مع أنه صحّح ما هو أشد من هذا -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو معروف من تساهله وسعة الخطو في تصحيحه، حتى إن بعض الباحثين من المعاصرين حكم على أن جميع ما قال فيه الترمذي: حسن فقط أنه ضعيف، لكن هذا الكلام ليس بمطرد، نعم حسَّن أحاديث ضعيفة، وحكم على بعض الأحاديث بالصحة، وفيها ضعف، لكن مع ذلك لا يطرد أن يقال: كل حديث حكم عليه الترمذي بأنه حسن أن يكون ضعيفًا. قد يقوى القول: إذا ضم إلى الحسن الغرابة، لو قال: حسن غريب قوي الظن بضعفه، لكن مع ذلك ليس هناك حكم عام مطرد كما يطلقه بعضهم، الترمذي متساهل في التصحيح، وبعضهم يقول: إنه معتدل، والحافظ الذهبي في السير تكلم على هذه النقطة.

 والشيخ أحمد شاكر -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- يرى أن تصحيحه معتبر؛ لأنه هو الآخر متساهل جدًّا الشيخ أحمد شاكر، يقول: وتصحيحه معتبر وتوثيق لرجاله، يعني إذا صحَّح حديثًا يقول: إن كل رجاله ثقات عند الترمذي. هذا الكلام ليس بصحيح، والواقع يرده؛ لأن الترمذي إنما يصحح بالشواهد التي يشير إليها بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، وإلا فقد يطلق الصحة على سند فيه انقطاع ظاهر؛ لأنه صح عنده بالشواهد. وأما كونه توثيق للرجال، هذا الكلام ليس له حظ من النظر وإن قال به أحمد شاكر؛ لأنه هو متساهل أيضًا، وقد أحصيت عليه في جامع الترمذي فيما حقَّقه أحمد شاكر أكثر من عشرين راويًا حكم بأنهم ثقات، وعامة أهل العلم على تضعيفه.

(قوله: «طريقًا» نكَّرها ونكَّر «علمًا»؛ ليتناول أنواع الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية)؛ لأنه قال: «يلتمس فيه علمًا»، والعلم هو الموروث المشار إليه في الحديث نفسه عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، (وليندرج فيه القليل والكثير) «من سلك طريقًا» ولو كان الطريق قصيرًا جدًّا من البيت إلى المسجد، خطى يسيرة، و«علمًا» ولو كان قليلاً. لماذا؟ لأنه نكرة في سياق الشرط فتعم القليل والكثير والقصير والطويل. لكن هل يدخل فيه من يتابع الدروس وهو في بيته من طريق الآلات؟ هذا ما سلك طريق.

طالب: .......

الحسية هذا الأصل.

طالب: .......

لا لا لا.

طالب: .......  

لا لا لا، طريق للمحل يشتري جهازًا. الإخوان كل شيء له أجره وثوابه، ولن يعدم الأجر في بذل المال، ولن يعدم الأجر في بذل الوقت والجهد، وأيضًا العكوف على هذه الآلة لتحصيل العلم أيضًا هذا أجر عظيم. طيب الذي مسك كتابه وهو بالبيت ويقرأ هذا سلك طريق؟ نفس الشيء.

طالب: .......

له أجر، أجر طلب العلم وإنفاق المال وإنفاق الوقت والجهد، هذا كله له أجر. ويبقى أن العلم المراد به الموروث عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ونحن نرى من يتساهل في الفتوى في الأوقاف والوصايا الموقوفة على طلاب العلم يقول: العلم عام، خله طالب علم هندسة، علوم، رياضيات، وما أدري أيش؟ طيب الزراعة علم، والصناعة علم، والتجارة علم.

طالب: .......

لكن العلم الذي سبق ذكره: «وإنما ورثوا العلم»، ماذا ورثوا؟ نعم، يتمادى بعضهم يقول: إنه يدخل في الأوقاف والوصايا من سلك الطريق يلتمس علمًا ولو عند الكفار، ابتعاث وغيره ينفق عليه من الوصايا والأوقاف! {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [النور: 40]!

طالب: .......

أين؟

طالب: .......

لا، ....... يحتاج إلى النية؛ لأن العالم إما أن يكون من ورثة الأنبياء، وإما أن يكون من أول من تُسعر بهم النار، المسألة ليست بالسهلة، مذلة قدم عظيمة.

طالب: .......

ما هم في الأجر سواء، في أصل الأجر كلهم على أجر إن شاء الله، كلهم على خير.

(قوله: «سهَّل الله له طريقًا» أي في الآخرة، أو في الدنيا بأن يوفقه للأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة، وفيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه؛ لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة.

 قوله: وقال أي الله -عزَّ وجلَّ-).

طالب: .......

هذا الأصل فيها، هذا الأصل أنها حفت بالمكاره، لكن من انتقل من مرحلة المجاهدة إلى التلذذ.

(قوله: وقال، أي الله -عزَّ وجلَّ-، وهو معطوف على قوله لقول الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ} [فاطر: 28] أي يخاف مِن الله مَن علم قدرته وسلطانه وهم العلماء؛ قاله ابن عباس) {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8]. أسعد الناس بهذه الآية أهل العلم؛ لأنهم هم أهل الخشية.

(قوله: {وَمَا يَعْقِلُهَا} [العنكبوت: 43] أي الأمثال المضروبة) وقد كان بعض السلف إذا قرأ هذه الآية أو قرأ مثلاً من الأمثال وما فهمه بكى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، إذًا أنا لست منهم.

(قوله: {وَمَا يَعْقِلُهَا} [العنكبوت: 43] أي الأمثال المضروبة. قوله: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} [الملك: 10] أي سمع من يعي ويفهم، {أَوْ نَعْقِلُ} [الملك: 10] عقل من يميز، وهذه أوصاف أهل العلم) {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]، والمراد بالسمع والعقل المثمر، يسمعون، لكن ما النتيجة من هذا السماع؟ ما الفائدة؟ وما رُتب عليه؟ أحيانًا السمع وبال أحيانًا، تستمع به محرم أو تستمع به ما ينفع ولا تستفيد، مجرد قيام حجة عليك، وكذلك العقل.

(وهذه أوصاف أهل العلم، فالمعنى: لو كنا من أهل العلم لعلمنا ما يجب علينا فعملنا به فنجونا.

قوله: "وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «من يرد الله به خيرًا يفقهه»" كذا في رواية الأكثر، وفي رواية المستملي: «يُفَهِّمْهُ» بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم، وقد وصله المؤلف باللفظ الأول بعد هذا ببابين كما سيأتي) يعني من حديث معاوية -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، (وأما اللفظ الثاني فأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب العلم من طريق ابن عمر عن عمر مرفوعًا وإسناده حسن، والفقه هو الفهم) أي أن تكون الرواية «يفهمه» رواية بمعنى؛ لأن الفقه هو الفهم.

(قال الله تعالى: {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78] أي لا يفهمون، والمراد الفهم في الأحكام الشرعية.

قوله: «وإنما العلم بالتعلم» هو حديث مرفوع أيضًا أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضًا بلفظ: «يا أيها الناس تعلموا، إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه») واطرد هذا: الحلم بالتحلم، إلى غير ذلك من الملكات والأوصاف، إنما منها ما هو غريزي، ومنها ما هو مكتسب، وقد يكون الإنسان في غريزته أو جُبل على شيء من الشدة أو سوء الخلق، لكنه بالتمرين وترويض النفس تعدل خلقه.

(«ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» إسناده حسن إلا أن فيه مبهمًا اعتَضَد بمجيئه من وجه آخر، وروى البزار نحوه من حديث ابن مسعود موقوفًا، ورواه أبو نعيم الأصبهاني مرفوعًا، وفي الباب عن أبي الدرداء وغيره، فلا يُغتر بقول من جعله من كلام البخاري. والمعنى: ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلم)، (على سبيل التعلم) يعني من بلغه العلم من غير قصد، سمع كلامًا عارضًا فثبت في ذهنه هذا يؤجر عليه أم ما يؤجر؟ العلم بالتعلم بالقصد، وفرق بين السماع والاستماع، ولذا يقرر أهل العلم أن المستمع للقراءة يسجد خلاف السامع.

(والمعنى ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ من الأنبياء ورثتهم على سبيل التعلم. قوله: وقال أبو ذر، إلى آخره، هذا التعليق رُويناه موصولاً في مسند الدارمي وغيره من طريق الأوزاعي. حدثني أبو كثير، يعني مالك بن مرثد، عن أبيه قال: أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال: ألم تُنهَ عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي) هو ممنوع؛ لأنه لما رجع من الشام إلى المدينة اجتمع عليه الناس؛ لأنه في عرف الولاة الذين رأوا المصلحة في منعه في كلامه شيء من الإثارة، وعموم الناس يحبون أهل الإثارة، لما رجع إلى المدينة اجتمعوا عليه -رَضِيَ اللهُ عنهُ وأرضاه-، فاضطروا إلى نفيه إلى الربذة ومات هناك، وأبو ذر معروف منزلته في الإسلام، ما أحد يطعن فيه، لكن المسألة مصالح ومفاسد.

ومثل ما قلنا في درس الأمس: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [البقرة: 114]، قلنا: إذا كان المنع خوفًا على الدين فالسلف منعوا القصاص، واقتضى النظر نفي أبي ذر، من يتطاول على أبي ذر -رَضِيَ اللهُ عنهُ وأرضاه-، وإذا كان الخوف من الدين دخل في الآية. المقصود هذه مسألة أثرناها بالأمس في درس أضواء البيان. على كل حال الوالي يقدر المصالح والمفاسد وهذه الديانة بينه وبين ربه، ولينظر السبب الباعث على هذا المنع، كالخائف على الدين هو مؤتمن على الدين. نعم. المقصود أن هذا الحاصل. الناس يحبون من عنده شيء ويجتمعون عليه، يعني ما هو مأخوذ، كذا مجرد سماع من غير قصد. نعم لا بد من تصحيح النية وإلا ما يفيد. التعلم ما يؤجر عليه هذا، لكن وجود العلم عنده وعمله بهذا العلم هذا الذي يؤجر عليه.

طالب: .......

أين؟

طالب: .......

هو علم، هو تسميته علمًا؛ لأنه علم من الموروث عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، لكنه ما تعب عليه، مر وسمع هذا من غير قصد ولو ما سمع لكان الحكم سواء عنده، ولا قصد الاستماع إليه ولا قصد التعلم، المسألة قصد، إنما الأعمال بالنيات، حمل العلم إذا كان عاملاً به يُسمى علمًا، ولو كان في الأصل ما قصد، لكن إذا عمل به صار علمًا، وأما ما يحمله الفساق وإن كان في الأصل علمًا لكن لا يسمى علمًا في الحقيقة، جهل. «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله»، {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: 17] دل على أن الذي يعصي جاهل، وليس المراد في الآية الذي لا يعرف الحكم؛ لأن الذي يعرف الحكم تقبل توبته ولو عرف الحكم، لكن لا يسمى عالمًا.

(قال: ألم تنه عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي؟ لو وضعتم) الآن إذا مُنع الإنسان من التعليم أو مُنع من أي عمل خيري، إن كان هذا العمل متعينًا عليه فيدخل في باب: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وإذا كان فرض كفاية يجب عليه أن يلتزم. (أرقيب أنت عليَّ؟ لو وضعتم) الصمصامة على هذه وأشار إلى قفاه يعني رقبته، ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.

(فذكر مثله، ورُويناه في الحلية من هذا الوجه، وبيَّن أن الذي خاطبه رجل من قريش، وأن الذي نهاه عن الفتيا عثمان -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، وكان سبب ذلك أنه كان بالشام فاختلف مع معاوية في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34]) أبو ذر يرى أن ما زاد على الحاجة كنز وغيره لا، المعتمد عند أهل العلم أن ما أُديت زكاته فليس بكنز ولو زاد على الحاجة. وتمسك بقول أبي ذر دعاة الاشتراكية، وألفوا في ذلك: الاشتراكي الزاهد أبو ذر الغفاري. خلنا نتشبث بأدنى شيء. هو إذا كان أحد مضطرًّا لما زاد عليك فلا يجوز أن تنام شبعان وجارك جائع، وفي حال الاضطرار الإمام يفرض على الناس.

(فاختلف مع معاوية في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34]، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب خاصةً، وقال أبو ذر: نزلت فيهم وفينا، فكتب معاوية إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر، فحصلت منازعة أدت إلى انتقال أبي ذر عن المدينة، فسكن الرَّبَذة بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة، إلى أن مات، رواه النسائي.

وفيه دليل على أن أبا ذر كان لا يرى بطاعة الإمام إذا نهاه عن الفتيا؛ لأنه كان يرى أن ذلك واجب عليه لأمرِ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتبليغ عنه) وهذا مثل ما قلنا: إذا كان متعينًا عليه، فرض عين، هذا يدخل في «لا طاعة لمخلوق»، وإذا كان يوجد من يقوم مقامه بأن كان فرض كفاية غير متعين عليه لزمته الطاعة.

(ولعله أيضًا سمع الوعيد في حق من كتم علمًا يعلمه، وسيأتي لعلي مع عثمان نحوه. والصَّمصامة بمهملتين الأولى مفتوحة هو السيف الصارم الذي لا ينثني) قيل: الذي له حد واحد.

(قوله: هذه، إشارة إلى القفا وهو يذكر ويؤنث، وأنفذ بضم الهمزة وكسر الفاء والذال المعجمة أي أمضي، وتُجِيزوا بضم المثناة وكسر الجيم وبعد الياء زاي أي تكملوا قتلي، ونكر كلمةً؛ ليشمل القليل والكثير، والمراد به يبلغ ما تحمله في كل حال، ولا ينتهي عن ذلك ولو أشرف على القتل)، ويبقى أن الإنسان إذا خاف على نفسه فله أن يترخص، وإن ارتكب العزيمة مثل أبي ذر لا سيما في الواجب العيني حمد كما فعل الأئمة أحمد وغيره.

(ولو في كلامه لمجرد الشرط من غير أن يلاحَظ الامتناع، أو المراد أن الإنفاذ حاصل على تقدير وضع الصَّمصامة، وعلى تقدير عدم حصوله أولى، فهو مثل قوله: لو لم يخف الله لم يعصه، وفيه الحث على تعليم العلم واحتمال المشقة فيه والصبر على الأذى طلبا للثواب. قوله: وقال ابن عباس، هذا التعليق وصله ابن أبي عاصم أيضًا بإسناد حسن، والخطيب بإسناد آخر حسن، وقد فسر ابن عباس الربانيَّ) لأنه قال: قال ابن عباس: كونوا ربانيين حلماء فقهاء، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.

(وقد فسَّر ابن عباس الرباني بأنه الحكيم الفقيه، ووافقه ابن مسعود فيما رواه إبراهيم الحربي في غريبه عنه بإسناد صحيح، وقال الأصمعي والإسماعيلي: الرباني نسبة إلى الرَّب أي الذي يقصد ما أمره الرب بقصده من العلم والعمل، وقال ثعلب: قيل للعلماء: ربانيون؛ لأنهم يَربُّون العلم أي يقومون به، وزيدت الألف والنون للمبالغة. والحاصل أنه اختُلف في هذه النسبة هل هي نسبة إلى الرب أو إلى التربية، والتربية على هذا للعلم، وعلى ما حكاه البخاري لتعلمه، والمراد بصغار العلم ما وضح من مسائله، وبكباره ما دق منها) يمكن أن يقوم مقام هذا صغار العلم تدريس المتون الصغيرة لصغار المتعلمين، وكباره تدريس الكتب المتقدمة للطلاب الذين حصلوا من العلم ما حصلوا.

(وقيل: يعلمهم جزئياته قبل كلياته، أو فروعه قبل أصوله، أو مقدماته قبل مقاصده، وقال ابن الأعرابي: لا يقال للعالم: رباني حتى يكون عالمًا مُعلمًا عاملاً.

فائدة: اقتصر المصنف في هذا الباب على ما أورده من غير أن يورد حديثًا موصولاً على شرطه، فإما أن يكون بيَّض له ليورد فيه ما يثبت على شرطه أو يكون تعمَّد ذلك؛ اكتفاءً بما ذكر، والله أعلم).

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَالعِلْمِ كَيْ لاَ يَنْفِرُوا.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا».

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا»".

يقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَالعِلْمِ كَيْ لاَ يَنْفِرُوا"، ثم ذكر حديث "ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ؛ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا»". وفي الباب الذي يليه قيل لابن مسعود، ابن مسعود كان يُذكِّر في الحديث التالي، يذكر الناس كل خميس، درسًا في الأسبوع، قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددتُ أنك ذكرتنا كل يوم؟ قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أني أُملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بها مخافة السآمة علينا. يعني مثل أن كانت الدروس في وقت أدركناه عن شيوخنا في كل يوم خمسة دروس، فهل نقول: هذا خلاف السنة، أو المقصود بذلك العامة الذين يملون، ويرون أن هذا يشغلهم عن أمور دنياهم، وأما طالب العلم الراغب فيختلف حكمه.  

أنت افترض أنك بمسجد، والإمام كلما انصرف إلى الناس فتح كتابًا وبدأ يقرأ على الناس، يملون. الآن مرتين بالأسبوع بعد صلاة العصر دقيقتين أو ثلاثًا وأكثر الناس يقومون قبل أن يبدأ على طول يمشون، يملون بلا شك، وإن كان هذا فيه خلل في الناس وإلا فالأصل في المسلم أنه لا يمل من قال الله وقال رسوله في شيء يسير دقائق، دقيقتين ثلاث يقرأ له حديثًا واحدًا أو اثنين. لكن بالنسبة للعلم الذي يحتاجه الناس، ويرغب فيه الطلاب، ويوجد من يتصدى له ما يدخل في مثل هذا، وابن حجر يمكن يتكلم عن هذا بكلام.

النووي -رَحِمَهُ اللهُ- كان عنده باليوم اثنا عشر درسًا، في اليوم الواحد. والإنسان أعني طالب العلم والمعلم إذا وصل إلى مرحلة أنسه بالعلم؛ لأن المسألة أن العلم عبادة، وهو مما يُتقرب به إلى الله -جَلَّ وعَلا-، والجنة كما هو معروف حفت بالمكاره. نعم طلب العلم في أول الأمر فيه ثقل، والتعليم في أول الأمر فيه ثقل، ونوافل العبادات من الصلاة والصيام فيها ثقل، لكن لا تلبث أن تنقلب إلى لذة بعد انتهاء مرحلة المجاهدة، فلا يقال: إن مثل هؤلاء الطلاب يملون ولا تطول عليهم، الوضع يختلف؛ لأنهم بحاجة، متى يحصلون العلم إذا كان درس في الأسبوع فقط؟ متى؟ العلم طويل ليس بالقصير، ذو فنون، ويحتاج إلى أوقات، ويحتاج إلى معاناة. طيب، من أفضل العلم، لكن أنت ترى أن هذا يصلح لأن يكون الدراسة ساعة في الأسبوع؟ تاريخ الأمة من أولها إلى آخرها التعليم مستمر، وما بدأت الدروس ساعة في اليوم إلا لما زحم أهل العلم في الوظائف، وإلا فكان قبل كل وقتهم في التعليم.

(قوله: باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخوَّلهم، هو بالخاء المعجمة أي يتعهَّدهم، والموعظة النصح والتذكير، وعطف العلم عليها من باب عطف العام على الخاص؛ لأن العلم يشمل الموعظة وغيرها، وإنما عطفه؛ لأنها منصوصة في الحديث) «يتخولنا بالموعظة»، (وذكر العلم استنباطًا) وإلا فالأصل الموعظة، ما ذكر في الحديث، لكنه أيضًا يستنبط أنه كما أن هذا يمل هذا يُمل.

(قوله: لئلا ينفروا، استعمل في الترجمة معنى الحديثين اللذين ساقهما) «كراهة السآمة علينا»، و«يسروا ولا تعسروا»، «بشروا ولا تنفروا»، «كي لا ينفروا» يعني لا تنفروهم، بل بشِّروهم وخفِّفوا عليهم.

(وتضمن ذلك تفسير السآمة بالنفور وهما متقاربان، ومناسبته لما قبله ظاهرة من جهة ما حكاه أخيرًا من تفسير الرباني كمناسبة الذي قبله من تشديد أبي ذر في أمر التبليغ لما قبله من الأمر بالتبليغ، وغالب أبواب هذا الكتاب لمن أمعن النظر فيها والتأمل لا يخلو عن ذلك).

(قوله: سفيان هو الثوري) مع أنه ليس بينه وبين البخاري إلا واحد، والجادة أنه إذا كان واحدًا فالذي يغلب على الظن أنه ابن عيينة؛ لتأخره، والثوري الغالب أنه يكون بينه وبين صاحب الكتاب اثنان؛ لأنه متقدم.

قال: (سفيان هو الثوري، وقد رواه أحمد في مسنده عن ابن عيينة، لكن محمد بن يوسف الفريابي وإن كان يروي عن السفيانين فإنه حين يطلق يريد به الثوري، كما أن البخاري حيث يطلق محمد بن يوسف لا يريد به إلا الفريابي، وإن كان يروي عن محمد بن يوسف البيكندي أيضًا، وقد وهم من زعم أنه هنا البيكندي. قوله: عن أبي وائل في رواية أحمد المذكورة سمعت شقيقًا وهو أبو وائل) شقيق بن سلمة.

 (وأفاد هذا التصريح رفع ما يتوهم في رواية مسلم التي أخرجها من طريق علي بن مسهر عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله، فذكر الحديث: قال علي بن مسهر، قال الأعمش، وحدثني عمرو بن مرة عن شقيق عن عبد الله مثله، فقد يوهم هذا أن الأعمش دلَّسه أولاً عن شقيق، ثم سمى الواسطة بينهما، وليس كذلك؛ بل سمعه من أبي وائل بلا واسطة وسمعه عنه بواسطة، وأراد بذكر الرواية الثانية وإن كانت نازلةً تأكيدَه، أو لينبه على عنايته بالرواية من حيث إنه سمعه نازلاً فلم يَقنع بذلك حتى سمعه عاليًا، وكذا صرح الأعمش بالتحديث عند المصنف في الدعوات من رواية حفص بن غياث عنه، قال: حدثني شقيق، وزاد في أوله أنهم كانوا ينتظرون عبد الله بن مسعود ليخرج إليهم فيذكرهم وأنه لما خرج قال: أما إني أخبرُ بمكانكم) يعني أعلم بمكانكم، (ولكنه يمنعني من الخروج إليكم، فذكر الحديث.

قوله: «كان يتخولنا» بالخاء المعجمة وتشديد الواو، قال الخطابي: الخائل بالمعجمة هو القائم المتعهد للمال، يقال: خال المال يَخوله تخولاً إذا تعهده وأصلحه، والمعنى كان يراعي الأوقات في تذكيرنا، ولا يفعل ذلك كل يوم؛ لئلا نَمل، والتخوُّن بالنون أيضًا يقال: تخون الشيء إذا تعهده وحفظه، أي اجتنب الخيانة فيه، كما قيل في تحنث وتأثم ونظائرهما، وقد قيل: إن أبا عمرو بن العلاء سمع الأعمش يُحدث هذا الحديث فقال: «يتخولنا» باللام فرده عليه بالنون، فلم يرجع لأجل الرواية، وكلا اللفظين جائز. وحكى أبو عبيد الهروي في الغريبين عن أبي عمرو الشيباني أنه كان يقول: الصواب «يتحولنا» بالحاء المهملة أي يتطلب أحوالنا التي ننشط فيها للموعظة.

قلت: والصواب من حيث الرواية الأولى، فقد رواه منصور عن أبي وائل كرواية الأعمش وهو في الباب الآتي، وإذا ثبتت الرواية وصح المعنى بطل الاعتراض.

قوله: «علينا» أي السآمة الطارئة علينا، أو ضمَّن السآمة معنى المشقة، فعداها بعلى، والصلة محذوفة، والتقدير: من الموعظة، ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية المِلال، وإن كانت المواظبة مطلوبةً لكنها على قسمين، إما كل يوم مع عدم التكلف، وإما يومًا بعد يوم، فيكون يوم الترك لأجل الراحة؛ ليقبل على الثاني بنشاط، وإما يومًا في الجمعة) يعني يوم في الأسبوع، (ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط، واحتمل عمل ابن مسعود مع استدلاله أن يكون اقتدى بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى في اليوم الذي عيَّنه، واحتمل أن يكون اقتدى بمجرد التخلل بين العمل والترك الذي عبر عنه بالتخول، والثاني أظهر. وأخذ بعض العلماء من حديث الباب كراهة تشبيه غير الرواتب بالرواتب بالمواظبة عليها في وقت معين دائمًا، وجاء عن مالك ما يشبه ذلك) النوافل المطلقة لا تتحدد بوقت، ولا تُلتزم التزام الرواتب.

طالب: .......

الصلاة وغيرها.

طالب: .......

الواضح من ابن مسعود أنه ما يذكر إلا كل أسبوع مرة.

طالب: .......

معه، يصلون معه كل وقت.

طالب: .......

يعني التذكير هذا قدر زائد على ما يطرأ ويحتاج إليه، كل ما سنحت فرصة ووجد الداعي، النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يصعد المنبر -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-. على كل حال الحاجة هي التي تحدد، فمتى وجدت الحاجة لا يجوز تأخير البيان عنها.

طالب: .......

نعم، لكن ما هي على هيئة الدروس التي يلزم فيها الجد، كانوا يتحدثون عن أيام الجاهلية، يعني يتحدثون في أمور الدنيا، ما هي بأمور جد وحزم مثل الدروس العلمية. ومع ذلك الحاجة قائمة وداعية، ولذلك في التعليم خمس دروس، في الجامعات خمس دروس. لكن قد يقال: إن الدرس الذي يشار إليه في درس ابن مسعود يمتد وقتًا أطول.

 وعلى كل حال هو إذا انتفت العلة التي هي السآمة ارتفع الحكم، وإذا وُجدت الحاجة وُجد الداعي.

طالب: .......

عادة الذي يسأم يسأل.

طالب: .......

هو الذي يترك المجال، حتى طلاب الجامعة ينبسطون مع من يحكون معه، وإذا ما جاء المدرس بعد .......، معروف هذا لكنهم ملزمون بهذا والمصالح ما تقوم إلا به.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا»".

والشاهد من هذا الحديث للترجمة: كي لا ينفروا، وفيه «ولا تنفروا»، والتنفير كما يكون بالتشديد في الأحكام يكون بتطويل الأوقات، ينفر الناس إذا طال وقت الدرس وملَّ الناس وسئموا صار فيه مجال للشيطان إذا طال المجلس، ولو كان مجلس ذكر ومجلس خير، وتعرفون أن المجالس لا سيما مجالس العامة وأشباه العامة إنما تحلو بالكلام العادي الذي ما فيه كلفة ولا به مشقة ولا تبعة.

(قوله: أبو التياح، تقدم أنه بفتح المثناة الفوقانية وتشديد التحتانية وآخره مهملة. قوله: «ولا تعسروا» الفائدة فيه التصريح باللازم تأكيدًا، وقال النووي: لو اقتصر على «يسروا» لصَدَق على من يسَّر مرةً وعسر كثيرًا، فقال: «ولا تعسِّروا» لنفي التعسير في جميع الأحوال، وكذا القول في عطفه عليه: «ولا تنفروا»، وأيضًا فإن المقام مقام الإطناب لا الإيجاز)؛ لأنه مقام تعليم.

(قوله: «وبشروا» بعد قوله: «يسروا» فيه الجناس الخطي) ؛لأن يسروا وبشروا الفرق يسير جدًّا، نقص نقطة من تحت وزيادة الإعجام في الشين، جناس خطي. (ووقع عند المصنف في الأدب عن آدم عن شعبة بدلها: «وسَكِّنوا»، وهي التي تقابل «ولا تنفروا»؛ لأن السكون ضد النفور، كما أن ضد البشارة النذارة، لكن لما كانت النذارة وهي الإخبار بالشر في ابتداء التعليم توجب النفرة قُوبلت البشارة بالتنفير، والمراد تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء).

 ولا يثقل عليه، شخص دخل في الإسلام لأول مرة ورغب فيه وشرح صدره، تمسكه ساعتين ثلاثة تعلمه! ما يصلح، يُبدأ فيه بالتدريج، حتى في الأحكام يُبتدأ فيها بالتدريج بالنسبة له، وكما جاء في خبر عائشة في بداية التنزيل: لو بدأ بتحريم الخمر قالوا: ما نترك الخمر، لو بدأ بتحريم الزنا قالوا: ما نترك الزنا، لكنه بدأهم بالتدريج إلى أن باشر الإيمان قلوبهم، وركنوا إليه، بعد ذلك تلقى إليهم الأحكام كما هي الحال بعد الهجرة.

طالب: .......

في شخص أسلم الآن؟

طالب: .......

لا، المسلم الذي يعيش بين المسلمين هذا معروف، هذا ما يخفى عليه الحكم، بعضهم يشير إلى مثل هذا في مثل ما لا يستطاع تركه جملة، مثل التدخين مثلاً، تقول له: اترك التدخين جملة، يحتاج إلى إيمان قوي وعزيمة ثابتة، لكن لو تركه بالتدريج والعزيمة والنية على تركه لكان له وجه.

( وكذلك الزجر عن المعاصي، ينبغي أن يكون بتلطف ليُقبل، وكذا تعليم العلم، ينبغي أن يكون بالتدريج؛ لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً، حُبب إلى من يدخل فيه، وتلقَّاه بانبساط).

 يعني طالب علم صغير تقول له: اقرأ فتح الباري، فيقرأ له صفحات، ويترك العلم كله! أو تقول له: اقرأ علل الدارقطني، هذا لن يكمل صفحة. أو العقل والنقل، تعارض العقل والنقل تقول له: اقرأ، طالب العلم المتوسط، حتى المتوسط ما يطيق مثل هذه العلوم، إنما بالتدريج، والعلوم مثل السطح، عالي المرتقى يحتاج إلى سلم درجة درجة درجة إلى أن تصعد.

(وكانت عاقبته غالبًا الازدياد بخلاف ضده) يعني إذا تلقاه بالتدريج، يعني الإنسان- وهذا مر علينا وعلى غيرنا في القراءة- تجده في أول يوم يقرأ له نصف ساعة ويمل، ثاني يوم يقرأ ساعة، ثالث يوم، إلى أن تستولي القراءة على وقته كله حتى وُجد من يقرأ خمسة عشر ساعة وهو يتلذذ بذلك لأنه تلقاها بالتدريج.

(بخلاف الضد، والله تعالى أعلم).