كتاب الحج (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه ووالدينا وجميع المسلمين-، كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97].

 حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان".

قال: أخبرنا.

"قال: أخبرنا".

مالك.

"قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال".

عنهما.

"عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان الفضل رديف رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، وجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «نعم»، وذلك في حجة الوداع".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد،

 فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "كتاب الحج" الكتاب عُرِّف مرارًا في مناسبات كثيرة، وأنه مصدر كتب يكتب كتابًا، وكتبًا، وكتابةً، والأصل في هذه المادة الجمع، فيه تفاصيل مضت أكثر من مرة.

 الحج بفتح الحاء وكسرها، بفتح الحاء وكسرها، لغتان معروفتان، وبهما قُرئت الآية آية آل عمران المذكورة في الترجمة، الحَج هو الأشهر بالفتح، والكسر قال الطبري: إنه لغة أهل نجد، والحَج لغة من عداهم، وذكر بعضهم أن الحَج المصدر، والحِج اسم المصدر، وقيل عكس ذلك، وعلى كل حال الحَج في اللغة هو القصد، هو قصد المعظَّم، وفي الاصطلاح قصد مكة والمشاعر لأداء هذه الشعيرة العظيمة بأركانها وواجباتها، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

 في نسخة أبي ذر: بسم الله الرحمن الرحيم، بعد كتاب الحج، وقد يوجد في بعض النسخ في كتب أخرى بسم الله الرحمن الرحيم كتاب كذا، ومرّ بنا مرارًا أن بعض النسخ تقدِّم البسملة على الترجمة وبعضها تؤخر البسملة عن الترجمة، والأمر في هذا سهل، من قدَّم البسملة؛ لأنه هو الأصل وأن البداءة بها، ومن أخرها عن الترجمة قال: مثل سور القرآن يذكر اسم السورة ثم البسملة، والأمر في هذا واسع.

 "باب وجوب الحج وفضله" باب وجوب الحج وفضله، وجوب الحج لا إشكال فيه، وأنه ركن من أركان الإسلام معلوم من الدين بالضرورة، والأدلة القطعية تدل عليه، وحديث ابن عمر في الآية التي يسوقها المصنف فيها مؤكدات على الوجوب، في حديث ابن عمر: «بُني الإسلام على خمس»، يعني دعائم أو على خمسة يعني أركان «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والحج وصوم رمضان» والحج وصوم رمضان، كذا في المتفق عليه، وفي صحيح مسلم قدِّم الصيام على الحج في رواية عند مسلم، وإلا فقد قيل لابن عمر لما قال: «والحج وصوم رمضان» قال له: صوم رمضان والحج؟ قال: لا، الحج وصوم رمضان، والرواية الثانية صحيحة في الصحيح تقديم الصيام على الحج، وهو قول جمهور أهل العلم، في مصنفاتهم وفي ترتيبهم للأركان، والرواية المتفق عليها فيها تقديم الحج على الصيام، ولا شك أن الحج ركن من أركان الإسلام، وجاء فيه أحاديث كثيرة ترغِّب فيه، وأخرى تشدد في أمر من تركه، وأنه كما جاء عن عمر فليمت إن شاء يهوديًّا وإن شاء نصرانيًّا.

 على كل حال تقديم الصيام أو تقديم الحج أمر مفاضلة بين الأركان ولا يؤثر هذا، لكن الإشكال في ردِّ ابن عمر على من قال له: صوم رمضان والحج؟ قال: لا، الحج وصوم رمضان؛ لأن ابن عمر رواه على الصيغة الثانية: «صوم رمضان والحج» في الصحيح، فرده على هذا المتعجل الذي ردَّ عليه من غير علم يريد أن يؤدبه لا يرد إلا بعلم، أنا عندي خبر أنا سمعته من الرسول- عليه الصلاة والسلام-، هكذا، وسمعته هكذا كما بيَّنه في موضعٍ آخر، وعلى كل حال الجمهور على تقديم الصيام على الحج، وأنه الركن الرابع، والخامس هو الحج.

 "وفضله" استشكل بعضهم ذكر الفضل، وأن النصّ الآتي فيه الدلالة على الوجوب، استشكل والاستشكال ليس في محله؛ لأن من لازم الوجوب الفضل، بل الفضل يشمل الواجب والمندوب، والواجب أولى بالفضل من المندوب، «وما تقرب إلي عبدٌ بأحب إلي مما افترضته عليه»، فهو فيه فضل عظيم، وجاء فيه نصوص: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» فمثل هذا لا يحتاج إلى تقرير، هذا معلوم بالضرورة من دين الإسلام.

 {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ}[آل عمران:97] عند أبي ذر، وقول الله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران:97] أو حَجُّ البيت على القراءتين، هي مضبوطة عندنا في اليونينية بفتح الحاء، حَج وهي من أضبط النسخ وأتمها، ولعل هذا ما يراه الإمام البخاري -رحمه الله- كغيره من الأئمة، رأوا الفتح، كما أن قراءة الكسر سبعية، وهي المشهورة المتداولة، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران:97] ولله، وهذه من صيغ الوجوب، وأُكِّد الوجوب ب على، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:97] الاستطاعة جاء تفسيرها بأنها الزاد والراحلة، ولا شك أن من بعُد عن مكة يحتاج إلى زاد وراحلة، وقد يستغني عن الراحلة فيحج راجلًا كما سيأتي في الترجمة الثانية، الاستطاعة منها ما جاء في الخبر وإن كان فيه مقال أنها الزاد والراحلة لمن بعد عن مكة، ومنها القدرة البدنية وهي القدرة المالية، ومنها المحرم بالنسبة للمرأة، ومن النوازل التي أدرجها العلماء في الاستطاعة الإجراءات الرسمية، الإجراءات الرسمية، فمن مُنِع من الحج؛ لأنه ليس لديه تصريح هذا غير مستطيع، هذا غير مستطيع، وينتظر حتى يؤذن له، ويصرَّح له، ولا يقال: بادِر بالإنابة عنك؛ لأن النائب يحتاج إلى تصريح.

 ومن القدرة المالية القدرة على نفقة الحج بأنظمته وتنظيماته، كالحملات. شخص يستطيع أن يحج بسيارته، وأعوانه، ولا يكلف الحج ألف ريال، والسيارة بركابها ما يأكلون بألفي ريال، ولو كانوا عشرة، لكن الآن كل حاج بعشرة آلاف، إذا كانوا لا يستطيعون هذا قد يعسر على الأب الذي عنده جمع من الأولاد وجمع من البنات أن يحججهم في حملات فهذا غير مستطيع، حتى يكتمل عنده المبلغ المطلوب، ونسمع عن المسلمين الفقراء في أقاصي الدنيا يبيعون ممتلكاتهم، يبيعون دوابهم، يبيعون مزارعهم ليحجوا، وقد يمكثون في الطريق أشهر، وهذا قبل الوسائل الحديثة وبعدها، هناك فقراء لا يستطيعون أجرة السيارة أو أجرة الطائرة ومع ذلك حرصهم على أداء هذه الشعيرة يحملهم على أن يقدموا على الأقدام، وقد يحملون أشياء من متاع وطعام، وقد يحملون آلات يتكسبون من ورائها، على ظهورهم، يحملون آلات، الذي يحمل ماكينة خياطة، والذي يحمل ماكينة سن السكاكين، وغيرها، يتكسبون بها، وهي من حديد، ويمشون على الأقدام آلاف الأميال، ولا يحرمون الأجر إن شاء الله تعالى؟

 وقد يمر الحج وينتهي ويواصلون المشي للحج الذي يليه، وضرب أفراد المسلمين في مثل هذا أمثلة قد لا يتصورها الناس في عصرنا هذا، لا نتصور أن الحج طريقه يأخذ ستة أشهر، خمسة أشهر، بل يأخذ شهرين أو ثلاثة حتى على الدواب، وكل ما ترف الناس وتيسرت أمورهم زادت المشقة النفسية، وإن اضمحلت وتضاءلت المشقة الجسدية، الآن الطريق ساعات أحيانًا ساعة وأحيانًا ساعتان أو ثلاثة أو أربعة، ويصل، ولا يحتاج ولا إلى تغيير ثيابه، إلا عند الميقات، هذا من التيسير، ولا يقال: إن الأقدام أفضل من الطائرة، ولا الطائرة أفضل من السيارة على ما سيأتي في الباب الذي يلي هذا؛ لأن المشقة لذاتها ليست مقصودة من مقاصد الشرع، لكن إذا حصلت المشقة فكما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- تبعًا للعبادة: «أجرك على قدر نَصَبِكِ»، الإنسان لا يقصد المشقة لذاتها.

 {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ}[آل عمران:97] هذا استدل به من يقول بكفر تارك الحج، وهو قول معروف عند المالكية ورواية عند الحنابلة أن تارك الأركان العملية يكفر، ولو لم يجحد، أما تارك الشهادتين فهذا لا نصيب له ولم يدخل في الإسلام جملة، وتارك الصلاة جاء فيه الأحاديث الصحيحة: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»، «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة»، وأما بقية الأركان فمحل خلاف، والجمهور على أنه لا يكفر إذا لم يجحد، وإذا جحد فكافرٌ بالإجماع، رواية عند الحنابلة وقول معروف عند المالكية أن تارك أحد الأركان مجرد ترك يكفر، والجمهور على خلافه، ومما يستدل به من يقول بكفره {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97]، {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97] جاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه-: انظروا من كانت له جِدَة فلم يحج فاضربوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين، وجاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أحاديث مشددة في الأمر.

 قال -رحمه الله-: "حدثنا عبد الله بن يوسف" هو التِّنِّيسي المصري من شيوخ البخاري، ومن مشاهير الآخذين عن الإمام مالك، قال: "أخبرنا مالك" وهو ابن أنس إمام دار الهجرة، "عن ابن شهاب" محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الإمام المشهور، "عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس" حبر الأمة وترجمان القرآن -رضي الله عنهما- قال: "كان الفضل" أخو ابن العباس، "رديف رسول الله –صلى الله عليه وسلم-" الرديف الذي يركب وراء الراكب على الدابة، وأردف النبي –صلى الله عليه وسلم- من حُصِر عددهم بثلاثين رجلاً أردفهم يعني ركبوا خلفه -عليه الصلاة والسلام-، رديف رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق، إرداف الواحد والاثنين أيضًا إذا كانت مطيقة لذلك، أما إذا كانت لا تطيق فإنه لا يجوز الإرداف ولو بواحد.

 "رديف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فجاءت امرأة من خثعم" قبيلة خثعم غامد؟

طالب: ..........

شهران؟

ماذا يدريك؟

طالب:...

ما هو من جهتكم؟

طالب:...

لما قال بعضهم بعض الشراح قالوا: غامد بطنٌ من جهينة، رد عليه بعضهم بأنه خثعم لكن كلٌّ يخطئ ويصيب. على كل حال هي من قبائل العرب المشهورة، المعروفة.

 "فجعل الفضل ينظر إليها" فجعل الفضل ينظر إليها، يعني نظرًا محرمًا بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصرف وجهه، يغيِّر المنكر بيده -عليه الصلاة والسلام-، يصرف وجه الفضل فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر الذي ليست فيه المرأة، فقالت هذه المرأة الخثعمية، وجاء في وصفها أنها كانت وضيئة، فالمرأة إذا ظهر منها شيء ولو كان غير مقصود؛ لأن المرأة تبين وضاءتها بأدنى طرف منها ولو بأصبع أو طرف رجل أو ما أشبه ذلك، تفتن، تفتن الرجال، على النساء أن يتقين الله -جل وعلا- في أنفسهن وفي غيرهن، لا تكن مثار فتنة أو تفتتن هي وتقع في المحرم.

 "فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر" والنظر إلى النساء المحرمات محرم، والنظر من النساء إلى الرجال غير المحارم محرم، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}[النور:30]، والأمر أمر للرجال، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[النور:31]، "وجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج" فريضة الله، الحج واجب، الركن فريضة الإسلام.

 "أدركت أبي شيخًا كبيرًا" شيخًا كبيرًا، ومع ذلك لا يثبت على الراحلة، لا يثبت على الراحلة، "أفأحج عنه؟ قال: «نعم»" الذي لا يثبت على الراحلة إذا ركب سقط؛ لأنه يوجد نوع من الناس ولو كان شبابًا لا يثبت على الراحلة، إذا تحرك تحرك معها، وبعض الناس ثابت على الراحلة، ولا يلزم شدّه على الراحلة، ما يقال يُربَّط على الراحلة، وشدُّ المتاع ومثله شدُّ من لا يثبت على الراحلة كهذا ليس مثل شدّ حزام الأمان أو شبهه، أنت متربع وجالس ولا عليك خطر، وأبواب مغلقة، لكن على الراحلة لازم تربط، ولهذا لا يلزم شدّه ولا ربطه؛ لأنه قد ينخنق ويموت.

طالب:...

الذي يخاف من الطائرات يركب السيارة.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

بحار، يركب الباخرة أو يخاف من البحر؟

طالب:...

لكن خوف حقيقي أم وهمي؟ الوهمي إذا كان الخوف حقيقيًّا بمعنى أن هذا طريق مخوف لا يلزم، إذا كان مجرد وهمي فمثل ما قيل فيمن يتطلب الماء للوضوء في الليل، بعض الناس إذا وقف الماء عنده في البيت لا يستطيع الخروج للمسجد، يكاد أن يجَن إذا خرج في الظلام، هل هذا يعذَر أو لا يعذَر؟

الخوف الحقيقي يغلب على ظنه أن هناك سبُعًا يريد أن يأكله ويهجم عليه هذا معذور لا شك، لكن المخاوف الوهمية نعم هي عند بعض الناس أشد من المخاوف الحقيقية عند بعضهم، فإذا وصل به الأمر إلى هذا يكاد أن يجَن، وفي صحيح البخاري ترجمة إذا خافت الأم على ولدها أن يجَن هل تمنعه من الصلاة في المسجد لصلاة الفجر أو لا؟

راجعوا المسألة.

"لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «نعم»، وذلك في حجة الوداع" وذلك في حجة الوداع، قالوا: إن النبي –صلى الله عليه وسلم- حجَّ قبل الهجرة مرتين، حجَّ قبل الهجرة مرتين، وجبير بن مطعِم رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- وقد وقف بعرفة استنكر ذلك، كيف يقف بعرفة مع الناس وهو من الحمس الذين لا يخرجون من الحرم؟ جبير بن مطعِم قبل أن يسلم، قبل أن يسلم ذهب يبحث عن بعير ضلَّ له، فوجد النبي –صلى الله عليه وسلم- وقف مع الناس في هذه الحجة التي كانت قبل الهجرة وقبل أن يفرض الحج، قبل أن يفرض الحج، وذلك في حجة الوداع، ما حجَّ النبي– صلى الله عليه وسلم- بعد فرض الحج على خلافٍ في وقت فرضه، الجمهور على أنه فُرض سنة ست من الهجرة، ويستدلون بهذا على أنه لا يجب على الفور، والمحرر والمحقق أنه فُرِض سنة تسع، وبمجرد ما فُرض أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أن يحج بالناس، ولم يحج -عليه الصلاة والسلام-، لماذا؟

لأن العراة يطوفون بالبيت، والنبي لا يطيق رؤيتهم حتى يُنظَّف البيت من العراة، ثم يحج في السنة التي تليها، فمن أخَّر حجه لعذر لا يلام، هناك أعذار تمنع من المبادرة بالحج، ولكن مع الأسف أن توجد أو يعتذر أو يتعذر بعض الناس بأعذار واهية، وسمعنا من طلاب العلم من يقول: يؤخر الحج هذه السنة؛ لأن البحث مطلوب بعد الحج مباشرة، ما يستطيع أن يحج حتى يكمل البحث، هذا عذر؟

 أجِّلْ الدراسة، ولا تؤجِّلْ فريضة، ومن الناس من يقول: هذه السنة ربيع، والقادمة ممكن ما يصير فيه ربيع نحن نحج، هل هذا عذر؟ لا يجوز، والله هذا حرام، «تعجَّلوا الحج» جاء الأمر بتعجله، وما تدري ما يعرض لك، على كل حال وذلك في حجة الوداع يعني الحجة التي حجها النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر سِنَيِّه وودع الناس بقوله: «لعلي لا ألقاكم بعد اليوم» -عليه الصلاة والسلام-.

نعم.

"باب قول الله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج27 :28]، وقوله: فجاجًا الطرق الواسعة.

 حدثنا أحمد بن عيسى قال: حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهلُّ حتى تستوي به قائمة.

حدثنا إبراهيم قال: أخبرنا الوليد قال: حدثنا الأوزاعي أنه سمع عطاءً يحدث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- إن إهلال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من ذي الحليفة حين استوت به راحلته، رواه أنس وابن عباس".

رضي الله عن الجميع، يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب قول الله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}[الحج:27]" يأتوك رجالًا يعني مشاة على الأقدام على الأرجل، وعلى كل ضامر من الإبل المُضمَّرة الضوامر العجاف، من طول المسافة ومشقة الطريق، وهذا الإتيان استجابةً للنداء، {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ} يأتوك، يأتوك ما قال: يأتونك لماذا؟

لأنه جواب الطلب، جواب الطلب، أو جواب شرط مقدر: إن تؤذن يأتوك، {رِجَالًا} على الأقدام، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}[الحج:27] على الإبل أو الوسائل، وهذا وصف ضامر للإبل التي ضَمُرَت وعَجُفَت ضمرت بطونها من مشقة الطريق، وقد يكون قلة ما تأكل أو ما تجده في طريقها، {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:27] رجالًا، وعلى كل ضامر يعني ركبان.

 وذكر الرجال على الأقدام وتقديمهم على الركبان، والركبان تخصيص من راحلته فيها ضعف، يدل على فضلهم لوجود المشقة الشديدة اللاحقة بهم، ولا يعني أن من كانت راحلته سمينة أو سيارته فارهة أنه لم يلبِّ النداء، لكن التنصيص على الأقل وما عُذِر، مع أن هذه المشقة موجودة، تلبيته للدعوة تدل على حرص عنده، وشدة امتثال لأمر الله -جل وعلا- فما عذر من كانت دابته سمينة أو سيارته فارهة أو مركبته مريحة، يعني الذي عنده مثل هذه الأمور إذا سمع كلام الله -جل وعلا- ينصُّ على الرجال وعلى الرواحل الضوامر يستحيي من نفسه أن يتعلل أو يتعذَّر، ولكنها الحكمة الإلهية، أكثر من يستجيب هؤلاء الفقراء وأرباب المشقات، ويتلذذون بذلك، بينما أهل الترف تجده يتخلف لأدنى سبب، تقديم الرجال على الركبان استدل به من يقول: إن الحج ماشيًا أفضل من الحج راكبًا، والدليل على ذلك تقديمهم في الآية، تقديمهم في الآية، والذين يقولون بتقديم الركوب على المشي قالوا: النبي -عليه الصلاة والسلام- حجَّ راكبًا، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، فالركوب أفضل، ولا ينبغي أن يُطلَق القول بفضل الركوب أو بفضل المشي مطلقًا، إنما على حسب ما يتيسر للمسلم، فما تيسر له فهو الأفضل في حقه، إن تيسر له الركوب فهذا أفضل وأيسر له، وإن لم يتيسر له الركوب، وارتكب العزيمة، وتحمل المشقة فلا شك أن هذا أفضل له، هذا أفضل له.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

هو هذا ترك، من العلل أن المشي كلٌّ يستطيعه، لكن هل هو مقصود لذاته؟

ليس بمقصود لذاته، المقصود الحج، فإذا وصلت إلى الأماكن المقدسة خلاص انتهى الإشكال، وأما قول من يقول: إن الراجل أفضل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حجَّ راكبًا؛ لئلا يشق على أمته؛ لأنه لو حجَّ ماشيًا لحجّ الناس كلهم مشاة إلا العاجز، وفضلوه من كل وجه، لكن يبقى أن الأصل الحجّ، حججت على سيارة، حججت على باخرة، حججت على طائرة، حججت على قدميك ما تجد، أديتَ الفريضة.

يأتين، ما قال: يأتون، عبَّر بالتأنيث، ما عبَّر يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتوك، فمقتضى السياق أن يقول: يأتون من كل فج عميق، لكنه أعاد الضمير على الضوامر على الرواحل، وهي مؤنثة، مما يدل على أن شرعنا يعتني بالإنسان عناية فائقة وهو الأصل، ولا يهمل هذه الدواب التي سخِّرت للإنسان ليمتطيها ويركبها في أعماله وحوائجه. {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:27] من كل فج عميق يعني من كل طريق بعيد، أو من كل بلد سواء بعُد وهو المشار إليه بعميق، أو قرُب من باب أولى، {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج27 :28]، منافع الحج الدينية والدنيوية لا تحصر، وفي كل عصر وجيل يظهر من المنافع ما لا يتوقعه من قبلهم، ومنافعه مستمرة، {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج27 :28] فجاجًا الطرق، فجاجًا الطرق، البخاري -رحمه الله تعالى- يذكر من غريب القرآن ما يناسب الحال، فجّ يفسر فجاجًا، وكذلك من غريب اللغة فيأتي بكلمات غريبة في اللغة ويفسرها، وقد يكون الغريب من الحديث المقصود أن هذه طريقة للإمام البخاري، إذا وجد أدنى مناسبة لكلمة غريبة سواء كانت في القرآن أو في السنة أو في لغة العرب فإنه يشير إليها، فجاجًا الطرق الواسعة، الطرق الواسعة.

طالب:...

والفج العميق المكان البعيد.

طالب:...

يعني قصدك الرجال من قريب جاؤوا من بعيد، جاؤوا من بعيد، ذكروا أمس وهذا جاء من بيشة على الأقدام إلى مكة، كم كيلو من بيشة؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا لا، هم يقولون: أربعمائة وخمسون، لكن ما أدري عن حقيقة الأمر.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا لا، أقرب بكثير، أقرب، تابعة لعسير، لكن أقرب بكثير.

طالب:...

المشي في هذا الوقت ليس فيه مزية أجر، ما يقال: خطوات، ولا يقال كذا، إذا لم يستطع أجرة الركوب ومشى يؤجر عليه، وإذا كان يستطيع أُجرة الركوب فقريب من الشهرة، يعني وسائل الإعلام كلها صورت الرجال، والله -جل وعلا- عن تعذيب هذا نفسه لغني، لما أُغمي على الصائم في السفر، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أولئك العصاة»،  «أولئك العصاة».

 قال -رحمه الله-:  "حدثنا أحمد بن عيسى قال: حدثنا ابن وهب" عبد الله بن وهب المصري محدِّث مصر، "عن يونس" بن يزيد الأيلي، "عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله" ابن عمر بن الخطاب، "أخبره أن ابن عمر" أخبره أن أباه ابن عمر عبد الله بن عمر "-رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يركب راحلته بذي الحليفة" يركب راحلته بذي الحليفة، "ثم يهلُّ" يركب راحلته؛ لأنه حجَّ راكبًا، بذي الحليفة الميقات ميقات أهل المدينة ويقال لها: أبيار علي، ثم يهلُّ يعني يهلّ بعد ما يركب، وجاء أنه أهلَّ عند الشجرة، وجاء أنه أهلَّ في المسجد ولا تعارض؛ لأن كلاًّ من الرواة ينقل ما رأى، كل واحد من الرواة من رآه يهلُّ بالمسجد قال: أهلَّ بالمسجد، ومن رآه كابن عمر يهلُّ حينما ركب قال: أهلَّ بعد أن ركب راحلته، وكذلك من قال: أهلّ عند الشجرة، يركب  راحلته بذي الحليفة ثم يهلُّ "حتى تستوي به قائمة" حتى أو حين؟ المثبَت حتى وفي رواية أبي ذر: حين تستوي به قائمة.

 ثم قال: "حدثنا إبراهيم" هو ابن موسى، "قال: حدثنا الوليد" من الوليد؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

الوليد بن مسلم، "قال: حدثنا الأوزاعي" عبد الرحمن بن عمرو الإمام المعروف، "سمع عطاء بن رباح يحدث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- إن إهلال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من ذي الحليفة حين استوت به راحلته" مثل ما تقدم، "رواه أنس وابن عباس -رضي الله عنه-"، وهذه شواهد للحديث المذكور عن جابر والحديث المذكور عن ابن عمر.

طالب:...

إذا لم يذكر غيره هو ترجَّح إذ اقتصر عليه.

"باب الحج على الرحل:

وقال أبان: حدثنا مالك بن دينار عن القاسم بن محمد عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث معها أخاها عبد الرحمن، فأعمرها من التنعيم، وحملها على قتب، وقال عمر -رضي الله عنه-: شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين.

 حدثنا محمد بن أبي بكر قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا عزرة بن ثابت عن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: حج أنس على رحل ولم يكن شحيحًا، وحدَّث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حج على رحل وكانت زاملتُه".

زاملتَه.

"وكانت زاملتَه.

حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا أيمن بن نابل قال: حدثنا القاسم بن محمد عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله، اعتمرتم ولم أعتمر فقال: «يا عبد الرحمن، اذهب بأختك فأعمِرها من التنعيم» فأحقبها على ناقة فاعتمرت".

قال -رحمه الله تعالى-: "باب الحج على الرحل" باب الحج على الرحل، الرحل هو ما يوضع على الدابة، ويركَب عليه، والغالب أنه يكون شيئًا متواضعًا بدليل ما جاء ما سيأتي عن أنس: حج على رحل ولم يكن شحيحًا، ولم يكن شحيحًا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حجَّ على رحل وكانت زاملته، هذا من التواضع في مثل هذا السفر، الذي هو سفر طاعة، فيحج الإنسان على المتيسر ولا يبحث عن الأشياء الغالية الثمن الباهظة التكاليف المريحة الراحة الشديدة، هذا سفر عبادة، بعض الناس يشترط الركوب أن يكون من نوع كذا، والأكل يكون من نوع كذا، والفندق يكون من النجوم المتعددة وهكذا، ووصل الترف ببعض الناس أنه يشترط أشياء كمالية قد لا يحتاجها، والحملات حملات الحج تتبارى في مثل هذا في تقديم الخدمات والتسهيلات للحجاج، لا يقال: إن الحاج لا بد أن يتعب نفسه، ولا بد أن يتكلف في حجه، المشقة ليست مقصودة لذاتها، لكن الترف مذموم، والغالب أنه إذا وُجِد الترف أثَّر ذلك على القلب، أناس يذهبون لقضاء العشر الأواخر من رمضان في مكة، ويجاورون البيت، ويشترطون من المساكن أفخرها، وفيها مما يلهي ويشغل من النقوش والزخارف مثل هذه لا تجتمع مع الخشوع، وأنواع المأكولات التي قد تصد الإنسان عن متابعة العبادة، وأدائها على الوجه المطلوب، لا يقال: إن الإنسان يضيق على نفسه، ويأكل الخشن، ويلبس الخشن، ويركب المتعب، لا، يتوسط في أمره، بقدر ما أُعطي ولا يبخل على نفسه؛ لأن بعض الناس يلوم الترف لا لذات الترف، وأنه مذموم في النصوص الشرعية، بل لشحّ عنده، وبعض الناس إذا قيل له: ذهب فلان إلى مكة شهر رمضان كاملًا وأنفق المبالغ الطائلة قال: هذا إسراف، ولا يجوز، ولو أعطاه مسكينًا أو فقيرًا أو أعان به مجاهدًا أو كذا وكذا لكان أفضل، وما قصده هذا، فهو لن يخرج شيئًا، لا هو فاعل للخير، ولا تارك الذين يفعلون الخير، لكن مع ذلك التوسط هو المطلوب، فعل الخير مطلوب، والنفقة فيه مخلوفة، ما لم يوجد الإسراف والتبذير، والبذخ والترف الزائد.

 "باب الحج على الرحل، وقال أبان" أبان يختلفون في صرفه ومنعه من الصرف، ومقتضى ضبطه بالضم المفردة ما هو بتنوين.

طالب:...

غير مصروف، ممنوع، ممنوع من الصرف، وممن منعه من الصرف ابن مالك، الإمام المشهور والمعروف، وغيره، ولكن قال بعضهم: من منع أبان فهو أتان، هذا يترجح عنده أنه مصروف، والقول الآخر أيضًا معتبر ولكلٍّ وجهه، والتشديد بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب الردي، أتان أنثى الحمار، ابن مالك أتان؟ إمام من أئمة العربية، وغيره من أهل العلم، لكن كأن المرجح أنه مصروف، كأنه مصروف، والسبب في ذلك أن النون أصلية أو زائدة؟ هي أصلية ولا زائدة؟

طالب:...

إن كان من الإبانة فالنون أصلية، وتكون حينئذٍ مصروفة، إن كان من الإباء ولا يأتي، فهو ممنوع ولا شك أن صرفه أولى، مثل حسان وعفان، تبعًا للنون هل هي أصلية أو زائدة.

 وقال أبان: "حدثنا مالك بن دينار" البصري الزاهد المشهور، "عن القاسم بن محمد" ابن أبي بكر، "عن خالته عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها-، أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بعث معها أخاها عبد الرحمن، فأعمرها من التنعيم وحملها على قتب" بعث معها أخاها عبد الرحمن، عائشة -رضي الله تعالى عنها- حجت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحرمت معه من ذي الحليفة ثم حاضت، ثم حاضت، وأمرها النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تأتي بجميع ما يأتي به الحاج غير ألا تطوف بالبيت، ومن لازم ذلك إذا لم تطف أنها لا تحل مع الناس، تبقى محرمة، وتدخل الحج على العمرة وتصير قارنة، وترجع كما تقول: أرجع بحج، ويرجع الناس بعمرة وحج؟

يعني ترجع بحج في الظاهر؛ لأن القارن عمله مثل عمل المفرد، والنساء اللواتي لم يبتلين بالحيض يرجعن بعمرة مستقلة ثم حج مستقل، فشقّ عليها ذلك، فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمرها من التنعيم، لتأتي بعمرة مستقلة كغيرها وإلا فقد اعتمرت؛ لأن القارن جمع بين الحج والعمرة، وعدوا عمرة النبي –صلى الله عليه وسلم- التي مع حجته وهو قارن من عُمَره الأربع، اعتمر أربع عُمر كلها في القعدة، كما في حديث عائشة وغيرها. فأعمرها من التنعيم، والتنعيم يقع في أدنى الحل، ولا يلزم أن يكون إحرام المعتمر من التنعيم، بل من أدنى الحل، ليخرج من الحرم فيجمع في نُسُكه بين الحل والحرم، وحملها على قتب، قتب فوق الراحلة، وفي الغالب أنه وضيع ليس بمريح ولا ناعم.

 وقال عمر -رضي الله تعالى عنه-: شدوا الرحال في الحج، شدوا الرحال، اربطوها على الدواب في الحج، فإنه أحد الجهادين، فإنه أحد الجهادين فيه مشقة على النفس، ففيه جهاد للنفس وللشيطان، أو جهاد الأعداء، الجهاد إذا أُطلق أُريد به الجهاد في سبيل الله، وجاء في الحديث: «الحج من سبيل الله»، «الحج من سبيل الله»، ولذا أفتى بعضهم بأنه يُصرَف له من الزكاة، السياق الذي قيل فيه: الحج من سبيل الله في قصة من أوقف أو حبَّس دابة للجهاد في سبيل الله، وأرادته امرأته أن تحج، فقال: «الحج في سبيل الله»، يعني أعطها الدابة، قالوا: يصرف للحاج من الزكاة كما يصرف للمجاهد في سبيل الله، لا شك أن الحج في سبيل الله من سبيل الله، والتعليم من سبيل الله، والتحفيظ من سبيل الله، وجميع وجوه الخير من سبيل الله، وفي سبيل الله ولوجه الله، فهل معنى هذا أنهم يعطون من الزكاة؟

لا، ما الذي يعطى هؤلاء منه؟

المحبَّس المسبَّل الموقَّف، الوقف يعطون منه، بدليل أن الدابة التي حُبِّسَت في سبيل الله أُمر بها فأعطيت الحاجة، فما كان من هذا النوع وهو وقف وليس بزكاة، وهو وقف يُعطى منه من أراد أن يحج، ويعطى منه من أراد أن يتعلم العلم ويتفرغ له، ويعطى له جميع وجوه البر، ولذا أفتى بعضهم أن الحج في سبيل الله فيعطى من الزكاة استدلالاً بهذا الحديث، الحديث في الزكاة أم في الوقف؟ في الوقف، ما هو في الزكاة، فلا يتم الاستدلال بالحديث على جواز صرف الزكاة في الحج، وعامة أهل العلم على أن سبيل الله المشار إليه في آية الزكاة المراد بهم الغزاة في سبيل الله، فإنه أحد الجهادين.

وقال محمد في رواية أبي ذر: "حدثنا محمد بن أبي بكر قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا عزرة بن ثابت عن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: حج أنس" يعني جدَّه أنس، وأنس عُمِّر حتى رأى من أحفاده وأولاد أحفاده العدد الكبير، بسبب الدعوة النبوية أن الله يبارك في ماله وولده، فهذا حفيده ينقل عنه أنه حجَّ "على رحل، ولم يكن شحيحًا"؛ لأن بعض الناس تجده يركب مراكب رديئة بسبب الشح، بسبب الشح، هذا يُذَم، أما إذا كان ركوبه من باب التواضع لا سيما في أسفار الطاعة والعبادة، ينبغي أن يتواضع الإنسان، ولم يكن شحيحًا.

 "وحدَّث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني أنسًا، "حج على رحل وكانت زاملتَه" زاملته التي يحمل عليها متاعه، فحمل عليها المتاع، وركب عليها، والمتاع بجواره أو تحته، كما يفعله بعض الناس. الذي يضع متاعه في المرتبة الأمامية بجواره أيًّا كانت سيارته، هذا من إيش؟ يقال له هذا؟ وفيه فرصة أن ..

طالب:...

الرسول -عليه الصلاة والسلام- فعل هذا ليقتدي به الناس، بعض الناس إذا سافر يأخذ معه عددًا من السيارات، ويحمل من الأمتعة ما لا يحتاجه، ويحمله على سيارات لا يحمل معه في سيارته التي يركبها شيئًا، المفترض أن يكون المسلم متوسطًا في أموره.

 ذكروا عن بعض الكبار أنه يحمل التريلات إذا أراد أن يخرج للنزهة أو رحلة برية أو ما أشبه ذلك، وبعض الأثرياء يحمل معه من الأشياء شيئًا لا يخطر على البال، وحُملت الأطعمة الشعبية على الطائرات، وجيء ببعض الموائد من ست القارات، هذا ما هو بخيال، واقع، الإسراف والتبذير، المبذرون إخوان الشياطين، والإسراف منهي عنه، {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} يعني تقتر على نفسك، {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}[الإسراء:29] المفروض أن تتوسط في أمورك.

 وكانت زاملته يعني ما قال: هاتوا رواحل أخرى، تحمل الأثاث، ورواحل تحمل معنا كذا، ورواحل تشيعنا مثل مواكب وما مواكب، قد يحتاج إلى مثل هذه الأمور للسلاطين لإرهاب العدو، ولزرع الهيبة لولي الأمر؛ لئلا يتطاول عليه، وأجازوا له من المحرمات ما لا يجوز لغيره كالإسبال وصبغ الشعر، أجازوا له من أجل إرهاب العدو.

على كل حال هذا ما هو محل بحثنا، محل بحثنا فيمن عدا ذلك، والرسول -عليه الصلاة والسلام- جعل الله له من الرعب مسيرة شهرين، وفي رواية مسيرة شهر، قالوا: مسيرة شهرين رايح جائٍ، ونصرت بالرعب ما يحتاج إلى هذه المظاهر -عليه الصلاة والسلام-، ليرهب العدو أو يرعبه، ولكن إذا احتيج إليها فلا مانع منها، كما أجازوا الإسبال له وصبغ الشعر بالسواد، لإرهاب العدو، والمواقف لها أحكامها.

قال: "حدثنا عمرو بن علي" هو من؟ الفلاس، قال: "حدثنا أبو عاصم" النبيل، واسمه الضحاك بن مخلد، قال: "حدثنا أيمن بن نابل" بالباء، قال: "حدثنا القاسم بن محمد" ابن أبي بكر، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: "يا رسول الله، اعتمرتم ولم أعتمر، اعتمرتم ولم أعتمر، فقال: «يا عبد الرحمن، اذهب بأختك، فأعمرها من التنعيم» فأحقبها على ناقة"، وفي رواية أبي ذر: ناقته. فاعتمرت، كما تقدّم، وأنه طيَّب خاطرها بما يجوز شرعًا، بما يجوز شرعًا، لماذا؟

 لأن من أهل العلم من يرى أنه طيب خاطرها بما لا يجوز لغيرها، لماذا؟ لأنه يقول: لا يجوز أن يعتمر في سفرة واحدة أكثر من مرة، وعائشة اعتمرت أكثر من مرة في سفرة واحدة، قال: هذا لا يجوز، وما فعله الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ما فعله، لكن أمر به -عليه الصلاة والسلام- يجوز أن يطيب خاطر عائشة بمحرم؟

 ومع ذلك يحجب الناس، ويحبسهم حتى تذهب لتعتمر على دابة، تحرم من التنعيم، وتطوف وتسعى، وترجع إلى المحصب، كل هذا من أجل تطييب خاطرها؟ بأمر لا يجوز فعله في الأصل؟ الحديث فيه دليل على جواز أداء أكثر من عمرة في سفرة واحدة، وهذا لا. ليس فيه أدنى إشكال.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم، اعتمرت، وهي تنظر لصواحبها أنهم اعتمروا عمرة مستقلة، وحجوا حجًّا مستقلًّا، وهي بسبب الحيض أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، ففي الصورة كأنها ما اعتمرت.

"باب فضل الحج المبرور:

 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور».

حدثنا عبد الرحمن بن المبارك قال: حدثنا خالد قال: أخبرنا حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور».

حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا سيار أبو الحكم قال: سمعت أبا حازم قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»".

قال -رحمه الله تعالى-: "باب فضل الحج المبرور" الحج المبرور الذي يؤدَّى  مع الإخلاص على ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «خذوا عني مناسككم»، فالحج المبرور الذي يوافق حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما يشتمل على أقواله وأفعاله الموضحة للحج المأمور به المبينة له، الحج المأمور به من قِبَل الله -جل وعلا- بيَّنه الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأقواله وأفعاله، فما وافق هذا فهو الحج المبرور، ومن علاماته عند أهل العلم أن يرجع الحاج أفضل مما كان عليه قبل الحج، يرجع وحاله أفضل مما كان عليه قبل الحج، هذه علامة برّ الحج.

قال: "حدثنا عبد العزيز بن عبد الله" الأويسي؟

إبراهيم ماذا معك؟ ما معك إلا ذا؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ما هو الفتح، الفتح هذا هو، ما لنا القسطلاني كان معكم؟

طالب:...

نعم، موجود، ماذا معك؟

طالب:...

نعم، الفتح ما فيه شيء، لا لا ما يحتاج. ما نحتاجه.

"قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري" الإمام المشهور، "عن سعيد بن المسيب" أفضل التابعين عند الإمام أحمد، وفضيلته من جهة العلم بأنه أعلم التابعين، وأما فضل أويس القرني الذي جاء النصّ عليه في صحيح مسلم فهو معروف، "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل النبي- صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟" الأعمال أفضل، والمراد بالأعمال مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- من الطاعات.

 "قال: «إيمان بالله ورسوله»" ولا شك في هذا؛ لأنه لا يصح عمل بدونه، فهو المصحح للأعمال كلها، إيمان بالله ورسوله، "قيل: ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور»" ولا شك أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، ومع ذلكم جاء في هذه الأيام العشر قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» الذي جاهد بنفسه وماله ورجع الذي يعمل في هذه الأيام العمل الصالح أفضل من ذلك، وهذه الأيام العشر معروف فضلها في الشرع، وأنها أفضل من أيام عشر رمضان، فلا نفوت هذه الفرصة العظيمة، بالقيل والقال، والرحلات، لا سيما النهار الذي هو المفضل، وفيه يوم أفضل أيام الدنيا وهو يوم عرفة على المفاضلة بينه وبين يوم النحر، ولكن صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والآتية، يكفر سنتين، وصيام بقية الأيام جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض أزواجه، والحديث صححه جمع من الأئمة، ومنهم الإمام أحمد.

 «جهاد في سبيل الله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور»، الحج المبرور من أفضل الأعمال كما سمعتم، وليس له جزاء إلا الجنة، ومن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، سيأتي ما في هذا من كلام.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

قالوا: بر الحج إطعام الطعام نعم وماذا؟

طالب:...

سُئل: ما برُّ الحج؟ فقال، ولا واحد!؟

طالب:...

وإفشاء السلام، إطعام الطعام وإفشاء السلام، قال: "حدثنا عبد الرحمن بن المبارك قال: حدثنا خالد" أيهما؟ الحذَّاء أو الطحَّان؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

خالد بن مهران الحذَّاء، خالد بن عبد الله الواسطي الطحَّان، "قال: أخبرنا حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة" بنت طلحة بن عبيد الله من مشاهير النساء من التابعيات، تزوجها خمسة من علية القوم، آخرهم مصعب بن الزبير، على ألف ألف، خطبها بعده الوليد بن عبد الملك ورفضت، من أجمل نساء العالمين، "عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل" يعني من خلال ما ورد فيه من النصوص المرغبة فيه، " نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لا» تمنى بعض النساء الجهاد فجاء النهي {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النساء:32]،  "أفلا نجاهد؟ قال: «لا، لكنْ أفضل الجهاد حج مبرور»ولكن ضُبِطت ب «لَكُنَّ أفضل الجهاد حج مبرور» يعني بالنسبة للنساء، والاستدراك لكن أفضل الجهاد يعم الرجال والنساء، ورواية : «لَكُنَّ» أيها النساء، «لَكُنَّ أفضل الجهاد حج مبرور» يعني بالنسبة لكُنَّ، حج مبرور.

طالب:...

لا، كنا نرى الجهاد ماذا تعني؟ أفلا نجاهد؟

الجهاد الذي هو أفضل العمل، وهي تسأل عن الجهاد في سبيل الله المعروف الذي جاءت به النصوص، كل إنسان يتمنى أن يشارك في أفضل الأعمال حتى النساء، لكن بالنسبة للنساء الجهاد مفضول يعني مشاركات كما حصل من نقل الماء ومداواة الجرحى وما أشبه ذلك، لا مانع منه، لكن الجهاد بمعنى الجهاد هو للرجال، والأمور التي لا تليق بالنساء وتشق عليهن لا يجوز مشاركتهن فيها، ولذا لما جاء في حديث العسيف قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «واغدُ يا أُنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها»، «واغدُ يا أُنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» ما قال: اذهبي يا فلانة، أو اذهبي يا فلانة؛ لأن هذه الأمور لا تليق إلا بالرجال، قال: «لكن أفضل الجهاد حج مبرور»، والرواية الأخرى في كما في الجمع بين الصحيحين: لكنَّ أيها النسوة أفضل الجهاد حج مبرور.

"حدثنا آدم" ابن أبي إياس، "قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا سيارٌ أبو الحكم قال: سمعت أبا حازم" سلمان الذي يروي عن أبي هريرة سلمان،

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

 هناك أبو حازم سلمة بن دينار، الذي يروي عن سهل بن سعد لم يدرك أبا هريرة، "سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من حج لله، من حج لله فلم يرفث»" الرفث الأصل فيه الجماع وما يدعو إليه أو ما يتعلق بما بين الرجال والنساء فلم يرفث، "«ولم يفسق»" ويذكَر عن ابن عباس أنه يخصه بمواجهة النساء، وأما في الحديث مع الرجال فلا يدخل أي لفظ في الرفث، وذُكِر فيه بيت في غاية السوء، ونُسِب لابن عباس، وليس من قوله، إنما تمثَّل به، هل يصلح أن يقال في المسجد؟

ما يصلح، هو مذكور في كتب التفسير.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم.

طالب:...

لا، هو موجود في كتب اللغة وغيرها، ما هي خاصة بابن كثير، هو موجود باللفظ، أنت تعرفه أنت؟

طالب:...

وهنَّ يمشين بنا هسيسا إن تصدُق الطير إلى آخر البيت

 لكن لا أظنه يثبت عن ابن عباس، لا أظنه يثبت عن ابن عباس؛ لأن فيه إن تصدق الطير تطيُّر شرك، هل يقول ابن عباس هذا؟

لا إخاله يثبت عن ابن عباس، "«فلم يرفث ولم يفسق»" الفسق معروف، والفسق عند العامة عندهم كثرة المزاح، والضحك واللعب، هذا في عرف العامة، وأما في عرف الشرع أنه ارتكاب المحرمات فلم يرفث ولم يفسق، «رجع من ذنوبه» أو «رجع» يعني من ذنوبه «كيوم ولدته أمه» عندنا في اليونينية كيومِ، وهكذا ضبط بالشكل، يعني ما هو بالحرف، والأصل كيومَ؛ لأن الظرف إذا أضيف إلى جملة صدرها معرب أُعرب: هذا يوم ينفعُ عندنا كيومَ أضيف إلى جملة صدرها مبني، الماضي مبني، فيُبنى، ولدته أمه يعني من غير ذنوب.

 ولا شك أن هذا فضل عظيم أن تُكفَّر الذنوب سفرة قد لا تزيد على أربعة أيام، وبعضهم يختصرها إلى ثلاثة، على كل حال الحج فضله عظيم، {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة:203] بهذا الشرط، من اتقى الله فلا إثم عليه، يعني ارتفع إثمه سواء تعجل في يومين أو تأخر في ثلاثة، وهو بمعنى الحديث، ويفسر الآية هذا الحديث: «رجع من ذنوبه» لم يرفث، ولم يفسق، يعني لم يرتكب محرمًا، بمعنى أنه اتقى الله في حجه، اتقى الله في حجه رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وفي الآية: {لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة:203] بشرط التقوى.

 والله أعلم.

 وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.  

"