كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 44

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعنها" يعني عن عائشة راوية الأحاديث السابقة "-رضي الله عنها- أن وليدة" جارية مملوكة "وليدة كانت سوداء لحي من العرب" سوداء هذا وصف كاشف ليس بمؤثر في الحكم، إنما هذه صفتها، وهذا لونها "سوداء لحي من العرب" يعني مملوكة لحي من العرب "فأعتقوها" لما أعتقوها صارت حرة "فكانت معهم" يعني جلست معهم، يعني بعض الأرقاء إذا أعتق يرغب أن يستمر عند مواليه؛ لأنه على تقديره وعلى ظنه إلى أين يذهب؟ لا سيما إذا تقدمت به السن، وأدرك الناس الرق في هذه البلاد، ثم لما ألغي الرق، وحرر جميع الأرقاء رغب كثير من الناس أن يبقى في بيت مواليه وهو حر، يخدمهم في مقابل الأكل والشرب، ومع ذلك هذه "فكانت معهم" بقيت عندهم.

قالت: "فخرجت صبية لهم" بنت صغيرة "عليها وشاح" حزام من جلد من أديم تتزين به البنات في ذلك الوقت، وقد يلصق به شيء من الذهب أو الفضة، المقصود أنه حزام من أديم.

"وشاح أحمر من سيور" السيور الجلد، قالت: "فوضعته أو وقع منها" وضعته هذه الصبية على الأرض أو سقط منها، الحاصل أنه صار على الأرض، إما بفعلها أو بغير إرادتها ولا اختيارها "فمرت به حدياة" تصغير الحدأة "فمرت به حدياة وهو ملقى على الأرض فحسبته لحماً" لأن لونه أحمر كلون اللحم "حسبته لحماً فخطفته، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه" فما الذي حصل؟ اتهموا به هذه الوليدة، يعني جرت العادة أن الإنسان في الغالب وهذا موجود إذا فقد شيء ما يتهم أهل البيت بسرقته إنما يتهم غيرهم، إذا فقد شيء من البيت اتجهت التهمة مباشرة إلى الخادمة، فتشوا الخادمة، ولكل قوم وارث موجود إلى الآن، إذا فقد شيء فتشوا الخادمة، شوفوا متاع الخادمة، هؤلاء اتهموها ولم يكتفوا بتفتيش المتاع.

قالت: "فاتهموني به، قالت: فطفقوا يفتشوني حتى فتشوا قبلها!" يعني بالغوا في التفتيش، ظنوا أنها وضعته في سراويلها، ففتشوا قبلها، وكانت السراويل تستوعب مثل هذا الوشاح في السابق السراويل يعني واسعة وطويلة تستوعب مثلها، المقصود أنهم فتشوا حتى قبلها، كشفوا عن سوأتها، والاتهام لا يجوز أن يتهم البريء حتى تقوم الأدلة على أنه متهم، تدل القرائن على أنه فعل هذا الفعل، وعمل هذا العمل؛ لأن الأصل براءة الذمة، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، إذا دلت القرائن يعني صار لها سوابق مثلاً فقدوا أشياء مراراً، ثم وجدوها عندها، لا مانع من التفتيش والاتهام؛ لأن القرائن دلت على ذلك، وصاحب السوابق هو الذي جرأ الناس عليه، فإذا وجدت السوابق لا مانع، لكن كيف يفتش القبل ويطلع على العورة من أجل سيور من جلد؟! لا شك أن مثل هذا حتى لو صار في قبلها في يوم من الأيام سوف تخرجه، ينتظرون، لو وضعته في سراويلها لا بد أن تخرجه من سراويلها، فهذه مبالغة في التفتيش غير مرضية، أولاً: الاتهام لا يجوز إلا إذا دلت القرائن ووجدت السوابق لهذا المتهم أما قبل ذلك فلا يجوز الاتهام، والاتهام ينشأ عنه مفاسد عظيمة على المتهم، وقد يكون بعض المفاسد على المتهم؛ لأن بعض المتهمين إذا اتهم تصرف تصرف يضره.

أنا أذكر شخص في حلقة تحفيظ قديماً في وقت توزيع الجوائز اتهم واحد من الشباب صغار بأنه أخذ شيء من هذه الجوائز، يعني سرقه، وهو بريء، فما منه إلا أن ترك حفظ القرآن، يعني ما تحمل، يتهم بسرقة وهو بريء، فالاتهام من غير مبرر ومن غير أسباب ومن غير سوابق هذا له آثاره على الشخص المتهم، ومن اتهمه عليه الإثم، وعليه أيضاً تبعات ما ينشأ عن هذا الاتهام.

المقصود أنهم فتشوها حتى فتشوا قبلها، الآن تقول: قالت: "فطفقوا يفتشوني حتى فتشوا قبلها" يعني فرجها، يفتشوني حتى فتشوا قبلها، ما قالت: قبلي؛ لأن السياق سياق عائشة -رضي الله عنها-، فالقول قولها، قالت الوليدة: "فتشوني حتى فتشوا قبلها" مر بنا مراراً أنه من الأدب في الأسلوب ألا ينسب الإنسان إلى نفسه الشيء القبيح، يعني مثل ما جاء في حديث وفاة أبي طالب طلب منه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: لا إله إلا الله، فقيل له من بعض الحضور: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فكرر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له ذلك فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، يعني أبو طالب قال: أنا على ملة عبد المطلب، لكن الرواة لا يستسيغون أن ينسبوا هذه الجملة لأنفسهم بضمير التكلم، وإنما يأتون بمثل هذه الجمل القبيحة بضمير الغائب.

لكن كل الرواة في حديث ماعز قالوا: إن ماعزاً قال: يا رسول الله إني زنيت، ما قالوا: يا رسول الله هو زنى؛ لماذا؟ لأنه لا بد من التصريح بذكر الزنا ونسبته إلى نفسه؛ لأنه لو أن الرواة قالوا: هو زنا، والكلام مسوق على لسان ماعز فكيف يحد وهو لم ينسب الزنا إلى نفسه؟! وإن كان في الأصل أن ماعزاً قال: إني زنيت، فجاء الرواة فلم ينسبوا هذا اللفظ إلى أنفسهم كما قالوا: هو على ملة عبد المطلب، قالوا: هو زنا، لا، هذا يختلف فيه الحكم، لا بد من التصريح بنسبة الزنا إلى الفاعل ليثبت عليه الحد.

 قالت: "والله أني لقائمة معهم" يعني ثم جاء الفرج "والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته" المتهم لا بد أن يندم، ولات ساعة مندم، ما يمديه الحين لو ندم المتهم "فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت: هذا الذي اتهمتموني به زعمتم" يعني كما زعمتم، والزعم يطلق ويراد به ما يرادف القول المحقق، ويطلق ما يرادف القول المشكوك فيه "هذا الذي اتهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة وهو هذا" أيُّ هذا العمل الذي حصل من إلقائه بين أيديهم من قبل الحدياة وهم ينظرون، أو لو أقسمت أيمان، أو جاءت ببينة أنها بريئة، ليس الخبر كالعيان "وهو ذا هو، قالت: فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت" تركتهم؛ لأنهم اتهموها وفتشوها، ما صار للمقام بينهم قيمة، هي في الأصل أحبتهم وألفتهم وأحبت البقاء معهم، لكن إذا حصل مثل هذا الذي يكدر، فما صار للبقاء عندهم قدر ولا قيمة "فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت" لأن الله -جل وعلا- أراد بها خيراً، انظر نتيجة هذا الاتهام ما الذي حصل بعده؟ وكم من متهم بريء حمد العاقبة بعد ذلك، وعائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين لما اتهمت ما الذي حصل؟ نزل في شأنها قرآن يتلى إلى يوم القيامة، وأي شرف أعظم من هذا الشرف.

"قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد أو حفش في المسجد" يعني بيت صغير جداً زاوية في المسجد، وهذا هو الشاهد من الحديث، جواز اتخاذ مثل هذا خباء أو حفش، أو يحتجر لها حجيرة، أو يوضع لها مثل الرواق وما أشبهه، فتجلس فيه، يجلس الغريب في المسجد الذي لا مأوى له، لا مانع من أن يجلس في المسجد، إذا أمنت الفتنة من جهة، وأمن عدم التضييق على المصلين، يعني ضمنا أن مثل هذا الحفش أو هذا البيت الصغير أو هذا الخباء لا يضيق على المصلين؛ لأن المصلين أولى بالمسجد من غيرهم.

قالت: "فكانت تأتيني فتحدث هي عندي" تأتي إلى عائشة تزور عائشة ثم تتحدث عندها، قالت: "فلا تجلس عندي مجلساً إلا قالت:

ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا

 

ج

 

...................................

 

الوشاح الذي اختطفته الحدياة، ثم اتهمت به الجارية، ثم ألقته الحدياة، عجيبة من العجائب؛ لماذا لم تلقه الحدياة في مكان بعيد؟ يعني هل قصد الحدياة براءة هذه الوليدة والجارية؟! وهل تدرك مثل هذا؟! أو تدرك أنه لما كان لا نفع فيه بالنسبة لها أرجعته إلى أهله؟! هل تدرك الحدياة مثل هذا؟! إلا أن الله -جل وعلا- ساقها إلى أن تعيده إلى مكانه لإظهار براءة هذه الجارية المتهمة ظلماً وزوراً وعداوناً.

ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا

 

 

ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني

نعم أنجاها من بلدة الكفر، صار سبباً في إسلامها، فالمحنة انقلبت منحة، يعني ماذا عما لو لم يحصل هذا الاتهام، واستمرت عند هؤلاء القوم على كفرها خسرت الدنيا والآخرة، لكن حصل عليها هذا الضرر وهذا النقص وهذا الاتهام، لكن النتيجة أنها جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت.

قالت عائشة -رضي الله عنها-: "فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعداً إلا قلت هذا؟! قالت: فحدثتني بهذا الحديث" رواه البخاري".

والشاهد منه أنه كان لها خباء في المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وبمرأى منه -عليه الصلاة والسلام-، وبإقرار منه -عليه الصلاة والسلام-، فدل هذا على جواز اتخاذ الخباء والبيت الصغير الذي لا يضيق على المصلين للوافد الغريب، سواءً كان ذكراً أو أنثى، إذا أمنت الفتنة، ولم يخش منه، ولم يخش عليه.

قال -رحمه الله-: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها))" البزاق: بالزاي والصاد والسين مثل الصراط، البزاق: هو ما يخرجه الإنسان من فمه، ويسمى قبل إخراجه ريق، وإذا أخرج سمي بصاق، أو بزاق، أو بساق بالسين، سواءً كان تحلب من الفم كالريق، أو ما هو أشد من ذلك مما يصعد من الصدر، أو ينزل من الدماغ، كله بصاق.

((في المسجد خطيئة)) لأنه وإن كان طاهراً إلا أنه مستقذر، لا يرضاه الإنسان في بيته، وفي مكان استقباله لضيوفه، هذا لا يرضاه إنسان لنفسه، فكيف يرضاه لبيت الله، ما دام الأمر مستخبث ومستقذر، وإن كان طاهراً فلا يرضى مثل هذا، والنفوس تستقبح مثل هذا.

يعني لو جئنا بما يستعمل للنفايات جئنا به من المصنع جديد، أو يستعمل في النجاسات لكنه ما استعمل جديد من المصنع، تأنف أن تتوسده؛ لأنك تستصحب ما صنع من أجله، يعني لو عندك مثلاً -أعز الله الجميع والمسجد- ما يوضع على الأطفال ليحفظ فيهم النجاسات عن التسرب، وضع على الأرض من الكرتون جديد، جديد وضعته على الأرض، وبيدك مصحف، المصحف الشريف، كلام الله -جل وعلا- يسهل عليك أن تضعه على الأرض وإلا على هذا وهو جديد من المصنع؟ على الأرض أسهل بكثير يعني؛ لأنك تستصحب أن هذا وإن كان من مواد نظيفة وطاهرة وجديد ما استعمل إلا أنك تستصحب ما صنع من أجله، الآن البصاق طاهر، فكونه يستقبح ويستقذر وتأنف أن تلقيه في بيتك، لا سيما فيما تستقبل به الضيوف فكيف ترضى به لبيت الله الذي أمرنا بتنظيفها وتطييبها وكنسها؟! هذا البصاق مفروغ منه؛ لأنه مستقبح، لكن طلبت ماءاً فجيء لك به في المسجد، فلما شربت منه وجدته بارد جداً، لو شربته تضررت، يعني عادي لو كنت خارج المسجد تلقيه في أي مكان لأنه ماء، لكن في المسجد تلقيه وإلا ما تلقيه؟

طالب:.......

هو على كل حال ماء اختلط بريق طاهر، لكن هل هو مناسب أن تلقيه في المسجد وهو ماء؟ يعني لو ماء انكب في المسجد ما في إشكال، يعني لو من الكأس انكب شيء في المسجد ما في أدنى مشكلة لأنه طهور، لكن أنت لما أخذت منه ما يملأ الفم فوجدته بارد برودة شديدة يضرك لو شربته، فأردت أن تخرجه من فمك، هل نقول: هذا حكمه حكم البصاق وإلا حكم الماء؟ يعني على كل حال الناس يأنفون من مثل هذا، يعني هل تستطيع وأنت مدعو أنت مدعو في بيت شخص من الأشخاص واحد من الناس فتصنع في مجلسه هذا؟ فيه صعوبة، فمثل هذا لا يفعل في المسجد، وإن لم يكن في الأصل بصاق وهو ماء، لكن لو انكب من الكأس ما في إشكال.

((البزاق في المسجد خطيئة)) والخطيئة الذنب الذي يعاقب عليه الإنسان، بدليل أنه يحتاج إلى كفارة، لكن ما كفارة هذه الخطيئة؟ كفارتها دفنها، وهذا يمكن إذا كانت أرض المسجد مفروشة بالتراب، يمكن تدفن، لكن إذا كانت مفروشة بفرش مثل هذه كفارتها حكها وإزالتها.

طيب وجدت خطيئة ووجدت كفارتها قل: سيئة ناقص سيئة الناتج؟ صفر، يعني ما عليك شيء، هل يستوي هذا مع من لم يبصق في المسجد أصلاً؟ هذا ارتكب خطيئة وكفرها فزال عنه أثرها، يعني مقتضى ذلك أنه ما دام كفرها أنه بمثابة من لم يحصل منه هذا الأمر أصلاً، يعني سجل عليه سيئة ثم مسحت هذه السيئة، هذه كفارتها، لكن هل هو بمثابة من لم يحصل منه هذا الأمر أصلاً؟ نعم؟

طالب:......

هذه كفارة وليست توبة، غير التوبة هذه، الكفارة غير، ومعلوم أن الندم توبة، يعني إذا ندم فأزالها انتهى ما في إشكال، لو مشينا على هذا لتعمد الإنسان مثل هذه الأشياء، وهذه الأشياء لها أثر حسي؛ لأن من السيئات ما له أثر حسي، ومنها ما لا أثر له حسي، فاللي ما له أثر حسي هذا يكفي فيه التوبة، وينتهي من تبعاته، لكن ما له أثر حسي، يعني شخص زنا -نسأل الله السلامة والعافية- وتاب من الزنا، وبدل الله سيئاته حسنات، هذا لا شك أنه له أثر حسي على المزني بها، وعليه أيضاً في مقتبل حياته، وعلى ولده؛ مع أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، لكن على أهله ((عفوا تعف نساؤكم)) المقصود أن ما له أثر حسي فإثمه أعظم؛ ولذا من هم بحسنة يعني من عمل الحسنة وهذه الحسنة أثرها متعدٍ أو عمل سيئة وأثرها متعدٍ، ثم جاء شخص تمنى أن لو كان مثل من عمل السيئة، وآخر تمنى أن يكون مثل من عمل السيئة، قال: ((فهما في الأجر سواء)) وهما في الوزر سواء، لكن أهل العلم يفرقون بين من عمل العمل الحقيقي وله أثر في الخارج متعدٍ أنه يختلف عمن تمنى مجرد الأمنية، وإن صاروا في أصل العمل سواء، لكن في آثاره المترتبة عليه ليسوا سواء.

الآن: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) قلنا: إنه لو بزق في المسجد، ثم دفنها لا شيء عليه انتهى، كفّر، كان كمن حلف يميناً وحنث فيها ودفع الكفارة، لكن هل هذا مثل من حفظ يمينه {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] لا شك أن مقام هذا أعظم.

"متفق عليه".

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

طالب:.......

ويش هو؟

طالب: تقليب المصحف....

لا كبار السن ولا صغارهم، كلهم، يعني إذا أراد أن يفتح المصحف بل إصبعه وفتح المصحف أو فتح الكتاب أو أي شيء، ولا شك أن هذا ليس بجيد، لكن بعض كبار السن يكون في أصابعه عدم دقة، يعني الشباب أصابعهم ناعمة تمسك بالورقة، وبعض كبار السن أصابعهم خشنة من جهة، وأيضاً تمكنهم من مسك الورق فيه ما فيه، صعوبة، فيحتاجون إلى مثل هذا، فيكون عندهم أكثر، وإلا بلّ الأصبع موجود، وكان عندهم في المعاهد العلمية مادة يقال لها: "الصحة" ويذكرون هذا أنه مضر بالصحة بلّ الإصبع من أجل فتح الورق، ومن الطرائف أن المدرس الذي يدرس وهو يدرس بالكتاب يبل إصبعه، إن شاء الله إن هذا الحاصل يعني، فالإنسان على ما تعود، لكن ينبغي ألا يتلف الورق، ونشوف بعض الكتب المستعملة تجد أطراف الورق سوداء من كثرة الاستعمال وبل الإصبع، وقد يكون فيه ما فيه من أوساخ أو غبار أو شيء من هذا، فترى طرف الورق أسود.

طالب:.......

بلا شك خلاف الأولى.

جاء في الحديث: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق تلقاء وجهه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه)) وهذا محمول على ما إذا كان خارج المسجد.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحب البلاد))" يعني أحب الأماكن أو أحب ما في البلاد ((إلى الله مساجدها)) أحب ما تشتمل عليه البلاد المساجد؛ لأنها بيوت الله، وبنيت لذكر الله وإقام الصلاة، بنيت للعبادة "((وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) رواه مسلم" لأن الأسواق يزاول فيها أمور الدنيا، ويزاول فيها المخالفات، ليس كل الناس على درجة واحدة من الورع والتقوى، إنما هذه الأسواق تجمع التقي والورع والمتساهل والمفرط، فتجمع أوباش الناس، فمنهم من يتساهل ويرتكب المخالفات في البيع والشراء، وينفق السلعة باليمين الكاذبة، ومنهم من يزاول العقود المحرمة، ففيها -مهما كانت- فيها يحصل مخالفات، فهي من هذه الحيثية أبغض البلاد إلى الله، وتجد هذا الأمر واضحاً وجلياً في أماكن بيع السيارات مثلاً، وتجد بعض من يزاول هذه المهنة يتسامحون ويغشون ويكتمون ويحلفون ويدعون أن هذه السيارة وهذه السلعة سيمت كذا، وينجشون، هذا موجود في السلع كلها، لكن ظهر هذا في أماكن بيع السيارات بوضوح؛ لأن السيارات المستعملة فيها عيوب قد تخفى على المشترين، وفيها أشياء ظاهرة، وفيها أشياء خفية، فصارت أبغض البلاد إلى الله هذه الأسواق.

"رواه مسلم".

"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) رواه أحمد وأبو داود".

((حتى يتباهى الناس)) يتفاخرون فيقول بعضهم إذا بنى مسجد: مسجدي أحسن من مسجدك وأكبر وأجمل، يتفاخرون ويتباهون، وقد يتباهى من لا علاقة له في المسجد من جماعة المسجد مسجدنا أفضل وأوسع.

لكن إذا كان الموضع الذي يذكر في مثل هذا المجال يعني له وجه وأثر في الصلاة مثلاً إذا تباهوا بما يخل بالصلاة من زخرفة ونقوش وقدر زائد على الحاجة هذا هو المحظور الذي دل عليه الحديث، لكن لما يقال: والله مسجدنا أريح وأبرد مثلاً، ويحصل فيه من الخشوع والإقبال على الصلاة هذا ما هو بتباهي هذا، هذا ليس تباهي، إنما المراد يتباهى الناس فيما لا يخدم مصلحة الصلاة، لكن لو أن إنساناً قال: لو صليت معنا يا فلان وجربت مسجدنا واسع ونفح ومريح وفرشاته نظيفة لا على سبيل التفاخر والتعاظم، ولا على سبيل الاغترار إذا كان هو عامر المسجد، أو ما أشبه ذلك، فمثل هذا أمره سهل، لكن الإشكال حينما يقال: والله القبة عندنا قطرها مائة ذراع ومسجدكم ما يجي ولا خمسين، النقوش في مسجدنا كذا، والخطاط الذي كتب الآيات وغيرها في جدران المسجد الخطاط المتميز فلان وهكذا، وقد حصل، والدولة التركية يعني ضربت في هذا الباب شوطاً واسعاً، زخرفوا المساجد زخرفة يعني لا يمكن أن يحضر القلب أثناء الصلاة فيها؛ لماذا؟ لأنهم على مذهب أبي حنيفة، والحنفية عندهم أن الناس إذا زخرفوا بيوتهم فبيوت الله أولى؛ لأن هذا يعتبرونه من باب العناية بالمسجد، وإظهار المسجد بالمظهر اللائق، وغيرهم يقول: لا، لا تجوز زخرفة المساجد.

يحدثنا بعض الإخوان من طلاب العلم الذين ذهبوا إلى تركيا اسطنبول يقول: دخلت مسجد فوجدت شيخاً على كرسي، ومعه كتاب يشرح وحوله طلاب فجلست لأستفيد، وإذا بالشيخ لا يتكلم، يحرك شفتيه ولا يتكلم، وإذا بهذا الاجتماع ليس على درس، وإنما يصورون مشهداً تمثيلياً في هذا المسجد، ما في البلد أجمل منه -نسأل الله العافية-.

((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) كلام من لا ينطق عن الهوى -عليه الصلاة والسلام-، وقد حصل، وهل هذا من باب الإقرار أو من باب الإنكار؟ لا شك أنه إنكار، وكون الشيء يقع قدراً لا يعني أنه يجوز شرعاً، يعني لا يستدل بمثل هذا على جواز زخرفة المساجد، والذي يليه يقول: ((ما أمرت بتشييد المساجد)).

في آخر يقول: ((لا تقوم الساعة حتى تسير الضعينة من كذا إلى كذا)) يعني بدون محرم ((لا تخشى إلا الله)) هل هذا فيه دليل على جواز السفر بدون محرم؟ لا يدل على جواز السفر إنما هو إخبار عما سيقع، وأشراط الساعة كلها من هذا القبيل، لا يعني أنها تجوز، وإنما يخبر الصادق المصدوق أن هذه الأمور ستقع في آخر الزمان في هذه الأمة.

قال: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) وقد حصل.

"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي".

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرت بتشييد المساجد)) قال ابن عباس: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى" رواه أبو داود وابن حبان".

النصارى كنائسهم، واليهود بيعهم كلها زخارف، وفي كنائس النصارى الصور لمريم وعيسى، زخرفوا، وحصل في هذه الأمة هذه الزخارف.

((ما أمرت بتشييد المساجد)) التشييد إما أن يكون برفعها {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [(78) سورة النساء] يعني مرتفعة، أو يكون طلاؤها بالشيد وهو الجص، ويكفي من المسجد ما يكن من الحر والقر، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، مما لا يمنع المطر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سجد في صبح الحادي والعشرين من رمضان سجد على ماء وطين؛ لأنه لما نزل المطر وكف المسجد، فنزل الماء والطين، لكن لا يعني هذا أننا نجعل، نعمل خلل وشقوق في سقف المسجد من أجل أن يقع، لا، ليس بعيب أن يكف المسجد، يكون البناء من اللبن والجريد وجذوع النخل، وإذا كان الأمر يعني يتطلب ما هو أقوى من ذلك وهذا متيسر، وعده الناس شيئاً عادياً من غير تكلف، وبني المسجد من البلك والحديد؛ ليكون أقوى وأصبر هذا مقصد شرعي، ما فيه إشكال -إن شاء الله تعالى-، لكن القدر الزائد على ذلك من الزخارف التي لا تفيد المسجد قوة ولا متانة، وتشغل المصلين هذا هو الذي جاء النهي عنه.

((ما أمرت بتشييد المساجد)) ما أمرت هذه الصيغة تدل على المنع وإلا ما تدل على المنع؟ لأنه قد يقول قائل: ما أمر، لكن ما نهي، السياق سياق مدح وإلا سياق ذم؟ سياق ذم بلا شك، ولذا قال ابن عباس راوي الحديث: "والله" اللام واقعة في جواب قسم مقدر "لتزخرفنها" يعني المساجد "كما زخرفت اليهود والنصارى" وقد حصل، يعني بعض المساجد حقيقة يعني فيها إشكال كبير، ذكرنا مراراً أنه مع الأسف أنه يتولى الإشراف على عمارتها طلاب علم، ومع ذلك تحصل هذه الزخارف، يعني بعض المساجد تجد في الجدار القبلي الذي في القبلة كتابات ونقوش وقطع من الأقمشة الفاخرة، وأشكال هندسية، مثلثات ومربعات ودوائر بلون الذهب الذي إذا رآه من رآه قال: هذا ذهب لا يشك فيه، وهذا الكلام واقع يعني ما هو بافتراض أو خيال، وأما بالنسبة للمحاريب فشيء لا يخطر على البال، هذا لا شك أنه مذموم، ووقوع فيما أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

قال: "رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه" والحديث صحيح.

قال -رحمه الله-: "وعن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل" يعني رماني بالحصباء، الحصباء الصغيرة من أمامه وإلا من خلفه؟ نعم لأنه لو كان من أمامه لأشار إليه أن تعال، فدل على أنه من خلفه، وإلا فقد جاء النهي عن الخذف، يعني لما رماه بالحصباء لن يحصل المحظور من الخذف، لن يفقأ العين، ولن يكسر السن، وإلا هذا ممنوع.

رماه بالحصباء، قال: "فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال: اذهب فأتني بهذين الرجلين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف" وهو في المسجد النبوي، في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف؛ ليسوا من أهل البلد، ويتسامح بالنسبة للغرباء الذين لا يعرفون ما عليه أهل البلد من عادات، قد يخفى عليهم ما عليه أهل البلد.

قال: "لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضرباً" صاحب البلد يستحضر المكان؛ لأنه عاش فيه، وتردد إليه، أما هذا الذي لم يعتد التردد على هذا المكان فقد يزاول ما كان يزاوله في بلده من رفع الصوت في المسجد، "لأوجعتكما ضرباً، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني نهينا عن رفع الصوت بحضرته -عليه الصلاة والسلام-، وحرمته -عليه الصلاة والسلام- ميتاً كحرمته حياً، وهو حي في قبره -عليه الصلاة والسلام- حياة برزخية فوق حياة الشهداء، لكنها تخالف حياة الأحياء الذين أرواحهم في أبدانهم؛ لأنه ميت بالنص القطعي، نص الكتاب والسنة -عليه الصلاة والسلام-، لكن مع ذلك يحترم بحضرته في حياته وبعد مماته -عليه الصلاة والسلام-.

"ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه البخاري.

حتى قال بعضهم: إنه إذا كان حديثه -عليه الصلاة والسلام- يقرأ فلا يرفع الصوت فوق صوت القارئ الذي يقرأ حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مما ذكر في أدب المحدث وطالب الحديث.

قال -رحمه الله-: "وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) متفق عليه" وهاتان الركعتان هما تحية المسجد ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) هذه تحية المسجد، وجمهور أهل العلم على أن تحية المسجد سنة مؤكدة، وقال بعضهم بوجوبها؛ لأنه نهي عن الجلوس، والنهي عن الجلوس أمر بهذه الصلاة، لكن هل تتم المقابلة بين النهي عن الجلوس والأمر بالصلاة؟ أو المقابلة بين النهي عن الجلوس والأمر بالقيام، يعني إذا ثبت قائماً ما صلى ركعتين يكون خالف الخبر؟ ما خالف، ولذا ليس في الحديث دلالة على وجوب تحية المسجد، إنما هو منع من الجلوس إلا إذا صلى، ومع ذلك الكلام في تحية المسجد في حكمها وفي فعلها في أي وقت، تكلمنا فيه فيما سبق، في ذوات الأسباب في فعلها في أوقات النهي، والمعارضة بين مثل هذا الحديث وبين النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) وحديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وإذا تضيفت الشمس للغروب حتى تغرب" ثلاث ساعات مع ما بين الصبح إلى طلوع الشمس، وما بين صلاة العصر إلى غروبها تكون الأوقات خمسة، وبسطنا هذا في دروس مضت، وعرفنا أن من أهل العلم من يرى أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب مثل تحية المسجد خاصة، والخاص مقدم على العام، فتصلى هذه الصلوات الخاصة في جميع الأوقات، وهذا قول الشافعية وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام، وغيرهم من الحنفية والمالكية والحنابلة يرون العكس أن أحاديث ذوات الأسباب عامة، وأحاديث النهي خاصة، والخاص مقدم على العام.

وعرفنا فيما تقدم أن الخصوص والعموم ليس مطلقاً لنقول مثل هذا الكلام، أو نرجح كلام الشافعية أو كلام الجمهور، لا، العموم والخصوص وجهي، سبق أن بسطنا هذه المسألة في أكثر من مناسبة، العموم والخصوص وجهي، فنحتاج إلى مرجح خارجي وليس قبول قول الشافعية بأولى من قبول غيرهم لنرى من يدخل المسجد في آخر لحظة من العصر، أو مع طلوع الشمس ثم يصلي ركعتين، ليس قبول قول الشافعية بأولى من قبول قول الجمهور أبداً؛ لأن ما يمكن أن يقوله الشافعية من أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، يقول غيرهم بالعكس، أحاديث ذوات الأسباب: ((إذا دخل أحدكم المسجد)) في أي وقت من الأوقات هذا عام، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين أخص منه: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" فالعموم والخصوص وجهي، فنحتاج إلى -كما تقدم- مرجح خارجي، فإما أن يقال كما قال الجمهور: الحظر مقدم على الإباحة فيمنع من فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، أو يقال: إن أحاديث النهي دخلها من المخصصات أكثر مما دخل مثل هذا الحديث، فالعموم المحفوظ أولى من العموم الذي دخله التخصيص غير المحفوظ.

وعلى كل حال المسألة من عضل المسائل، يعني ليست بالسهلة بحيث يسأل الشخص ويقول: عام وخاص، والخاص مقدم على العام، لا، المسألة من تأملها ونظر فيها بدقة يجد أنها مشكلة، ومن عضل المسائل، يعني حتى قال بعض أهل العلم: لا تدخل المسجد في وقت النهي؛ لأن عليك حرج عظيم، إن صليت خالفت، وإن جلست خالفت، وبعضهم يقول: إذا دخلت المسجد لا تجلس لأنك إن جلست خالفت وإن صليت خالفت، وخلصنا فيما تقدم إلى أن النهي في الأوقات المضيقة شديد، ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" وفي الأوقات الثلاثة المضيقة تتحقق العلة التي من أجلها نهي عن الصلاة في هذه الأوقات، وهي مشابهة الكفار الذي يسجدون للشمس عند طلوعها وعند استوائها وعند غروبها، أما في الوقتين الموسعين فالأمر فيهما أخف.

وجاء فعل بعض النوافل فيهما، في الوقتين الموسعين أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى راتبة الصبح بعدها، وصلى راتبة الظهر بعد العصر، فالوقتان الموسعان أمرهما أخف، فلو صلى فيهما الداخل لا حرج عليه، لكن في الأوقات المضيقة التي النهي فيها أشد، والمشابهة للكفار متحققة، هذه لا يصلى فيها؛ لأن التخصيص الذي قالوا: إنه يضعف عموم أحاديث النهي إنما جاء في الوقتين الموسعين، ما جاء في الأوقات المضيقة، اللهم إلا الفرائض، والفرائض ليست داخلة في النهي، وإلا جاء في الحديث: ((من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فالفرائض ليست داخلة، أما النوافل فهي التي يشملها النهي، وعلى هذا المخصصات التي دخلت في عموم أحاديث النهي إنما هي مخصصات في الوقتين الموسعين، وليست في الأوقات المضيقة الثلاثة، إضافة إلى أن من أهل العلم من يرى أن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ليس لذات الوقتين، وإنما خشية أن يسترسل الإنسان في الصلاة إلى أن يحضر الوقت المضيق، فالنهي عن الصلاة فيهما لا لذاتهما، وإنما سداً لذريعة الصلاة في الأوقات الثلاثة المضيقة.

فالذي قررناه مراراً أن الأمرين الموسعين الأمر فيهما سهل، لو صلى الإنسان لا يثرب عليه، ولو جلس أيضاً لا يثرب عليه، أما الأوقات الثلاثة فلا وجه للصلاة فيها.

البخاري -رحمه الله تعالى- لما ترجم في صحيحه في كتاب المناسك في كتاب الحج باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وقال: وصلى عمر -رضي الله عنه- ركعتي الطواف بذي طوى، يعني طاف بعد الصبح، لكن ما صلى الركعتين إلا بذي طوى لما ارتفعت الشمس، وأورد ابن حجر في شرح الترجمة حديث جابر: "ما كنا نطوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الصبح ولا بعد العصر" لا لأن الطواف لا يسوغ في هذا الوقت، لكن لما يلزم عليه من الصلاة في وقت النهي، لكن لو أن الإنسان طاف بعد الصبح وبعد العصر وأخر الصلاة إلى أن يخرج وقت النهي انتهى الإشكال.

قال -رحمه الله-:

"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)) رواه أبو داود وابن خزيمة والترمذي، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: وذاكرت به" يقول الترمذي: "ذاكرت به محمد بن إسماعيل" يعني البخاري "فلم يعرفه واستغربه" وعلى كل حال الحديث ضعيف، وجاء في أحاديث تنظيف المساجد الأمر بتنظيفها، والأمر بتطييبها، أحاديث صحيحة، فتغني عن هذا، لكن مع ذلك تنظيف المسجد من القرب التي يتقرب بها إلى الله -جل وعلا-؛ لأنها من تعظيم بيوت الله، ومن تعظيم شعائره، ومقابل ذلك التسبب في تقذير المسجد، لذا يبحثون في الاعتكاف مسألة قص الأظافر في المسجد، أو نتف شيء من الشعر، أو سقوط شيء منه في المسجد، يقولون: عليه أن يُخرج ما تركه في المسجد من هذا القذى، والقذى الشيء اليسير الذي يجتمع في العين، شيء يسير لا يكاد يرى، فمثل هذا يخرج من المسجد، وما فوقه من باب أولى.

بعض الناس يكون معه السواك جديد فيبتدئه في المسجد، ثم يبقى في فمه كسر من هذا السواك، ثم يلفظها في المسجد، هذا لا شك أنها إساءة إلى المسجد، وعليه أن يزيل ما لوث به المسجد.

يقول: ((وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أرَ ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)) لا شك أنه من حفظ القرآن عليه أن يحافظ عليه، من حفظ القرآن أو شيئاً منه عليه أن يحافظ عليه، ولا يجوز له أن يفرط فيما حفظه، نعم إذا نسي من غير تفريط، أو بسبب شيء خارج عن إرادته وطوقه، ضعفت حافظته، تعرض لشيء، تعرض لخرف، تعرض لنسيان، هذا ليس بمقدوره، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكن يبقى أنه إذا كانت الحافظة موجودة لا يجوز له أن يفرط في القرآن {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [(126) سورة طـه] ولذا لا يجوز أن يقول الإنسان: نسيت آية كذا، بل يقول: أنسيت كما في الحديث الصحيح، ومع ذلك إذا أنسي عليه أن يراجع، وعليه أن يتعاهد حفظه، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.